تابعنا
في وقت تسعى فيه ليبيا للوصول إلى الاستقرار وإرساء دعائم الحل السياسي، يعود الانقلابي خليفة حفتر، إلى دعوة مليشياته للاستعداد لشن الحرب من جديد على العاصمة طرابلس، مهدداً باستهداف القوات التركية الموجودة على الأراضي الليبية.

عقب هذه التصريحات غير البناءة، قام وزير الدفاع التركي خلوصي أقار على رأس وفد رفيع بزيارة مفاجئة إلى العاصمة الليبية طرابلس، وذلك يوم السبت 26 ديسمبر/كانون الأول.

أبعاد زيارة الوفد التركي إلى ليبيا

جاءت زيارة أقار إلى طرابلس بعد أن أقر البرلمان التركي خلال الأسبوع المنقضي قراراً يسمح بتمديد بقاء الجنود الأتراك في ليبيا لمدة 18 شهراً اضافية، اعتباراً من 2 يناير/كانون الثاني المقبل.

وقام الوفد التركي على إثرها بزيارة مقر قيادة القوات التركية في ليبيا للقاء عناصر القوات المتمركزة هناك، إذ إن أنقرة تمتلك قاعدة عسكرية في منطقة الوطية على الحدود الليبية مع تونس.

وقام وزير الدفاع التركي بلقاء نظيره الليبي صلاح الدين النمروش، ووزير الداخلية فتحي باشاغا ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لمناقشة سبل التعاون العسكري بين أنقرة وليبيا، والاستعداد لأي تحرك يعتزم حفتر القيام به، كما تناول اللقاء الملفات المهمة والمشتركة بين الطرفين وأهم المستجدات السياسية.

وشدد أقار خلال زيارته ليبيا على ضرورة دعم حكومة الوفاق الوطني الليبية، والتي تعتبر الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً في ليبيا،محذراً الانقلابي خليفة حفتر وداعميه من العبث باستقرار ليبيا.

وكان هجوم حفتر ومحاولاته لإجهاض فرص السلام قد بدأت سابقاً إثر محاولته احتلال العاصمة الليبية طرابلس، مدعوماً من بعض العواصم العربية والدولية على رأسها أبو ظبي وباريس. وكادت محاولاته أن تنجح لولا المساعدات التركية الحاسمة التي قدمتها أنقرة لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والتي كان أدت إلى تغيير معادلة الصراع على الأرض لمصلحة القوات الشرعية.

أنقرة تشدد على دعم الحل السياسي السلمي في ليبيا

يتفق الجانب التركي مع نظيره الليبي على أن السبيل الأمثل للحل في ليبيا هو الحل السياسي السلمي، ووفقاً لذلك تستمر أنقرة في تقديم الدعم إلى ليبيا وتلبية نداء حكومة الوفاق المعترف بها دولياً لتقديم يد العون.

وفي هذا الإطار صرح وزير الداخلية التركي جاويش أوغلو في مقابلة أجراها مع صحيفة Jeune afrique "أنه بفضل جهودنا تَغيَّر اتجاه الرياح، وبهذا تشكلت مبادرة المصالحة عبر الحوار المدعومة من الأمم المتحدة"، وأضاف أن تركيا تثمّن الجهود الصادقة في التوصل إلى حلّ وطني.

ودعا الوزير التركي الدول المجاورة لليبيا إلى استعادة دورها الإقليمي في دعم الاستقرار، والمساهمة في إعادة بناء ليبيا، محملاً في الوقت ذاته المسؤولية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في مساعدة ليبيا على بناء مؤسسات عسكرية قوية.

وعبر وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية صلاح الدين النمروش في تصريح لوسائل إعلام محلية عن سعي ليبيا لبناء مؤسسة عسكرية تحترم الأعراف الدولية، مشيداً بالدور الذي لعبته تركيا في دعمهم لصد عدوان خليفة حفتر.

من جانبه أكد الناطق الرسمي باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي في مقابلة أجراها مع قناة TRT عربي أن التنسيق مع الجانب التركي على أعلى المستويات، وأن "هناك تعاوناً استراتيجياً وثمّة آفاق جديدة ستفتح في القريب العاجل خاصة في المجال الاقتصادي، وهناك عقود مبرمة من عهد النظام السابق تقدر بمليارات الدولارات يجري متابعتها".

وقد وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي في سبتمبر/أيلول من السنة الجارية مذكرة تفاهم ترسم الحدود بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط.

وترسخ هذه الاتفاقية الحق القانوني للبلدين شرق المتوسط، وتمكن من حماية حقوقهما المائية، كما تقطع الطريق أمام الدول التي تحاول عزل تركيا وليبيا وإضعاف دورهما في المتوسط.

ويأتي مستوى التعاون الكبير بين تركيا وحكومة الوفاق على رأس الأسباب التي أثارت غضب حفتر، خاصة بعد أن أصبح استيلائه على العاصمة الليبية بعيد المنال.

حفتر يغتنم فرصة تعثر الحوار السياسي

وفي السياق فقد اجتمع خلال الشهر الجاري نحو 75 سياسياً ليبياً من الطرفين المتعارضين في منتدى سياسي أطلقته الأمم المتحدة للاتفاق على إجراء الانتخابات سنة 2021، إلا أن الحوار باء بالفشل، وكان الاختلاف يتمحور أساساً حول آلية اختيار الحكومة الانتقالية التي ستقوم بإدارة البلاد قبل فترة التصويت.

وفي الوقت ذاته تبادلت حكومة طرابلس وحكومة الشرق الاتهامات حول خرق بنود اتفاق وقف إطلاق النار عبر تلقي الدعم والمساعدات من الحلفاء الإقليميين، ممَّا جعل الحوار السياسي بين الطرفين يبدو أكثر هشاشة.

وفي الأثناء استغل الانقلابي خليفة حفتر تعثر الجهود الأممية في التقدم بالحوار السياسي، وفترة وقف إطلاق النار المتفق عليها من الطرفين، لتحشيد عناصر مليشياته قرب خطوط المواجهة.

حيث صرحت وزارة الدفاع في حكومة الوفاق أن هناك معلومات تؤكد وجود عمليات تحشيد عسكري في مناطق سرت والجفرة من قبل مليشيات حفتر الذي لم يتوقف عن محاولة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، ليكون بذلك عقبة دائمة أمام الالتزام بخريطة الطريق التي تنص على إجراء الانتخابات فى سنة 2021، ممَّا جعله مستبعداً من قبل الأطراف السياسية الليبية من المصالحة الوطنية.

وفي الإطار نفسه أشار وزير الدفاع التركي إلى أن خليفة حفتر هو المشكلة الرئيسية في ليبيا، وكشف أقار مدى بشاعة الجرائم التي ارتكبها الجنرال الانقلابي، حيث إنه تم الكشف عن 21 مقبرة جماعية في منطقة ترهونة ارتكبتها مليشياته والمرتزقة الذين استعان بهم.

هل تدعم مصر الحل السياسي في ليبيا؟

وفي سياق متصل أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبر رسالة وجهها إلى رئيس اللجنة المصرية للشؤون الليبية إلى اجتماع قادة جنوب ليبيا في القاهرة، دعم جهود إيجاد حل شامل للأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد.

وتفاعلاً مع هذه الزيارة اعتبر النائب أحمد الشارف أن ذلك سيكونبادرة خيرعلى الليبيين، وأن مصر يمكن أن تكون بوابة الجنوب الليبي للتواصل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الإقليمية والفاعلة.

وكانت الأطراف الليبية تؤكد في كل مرة ضرورة تعزيز دور مصر وحثها على التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار الليبيين.

و في خطوة إيجابية قام وفد مصري بزيارة العاصمة الليبية طرابلس، في وقت دقيق وحساس في مسار الحوار السياسي. وتعليقاً على زيارة الوفد المصري، قال الناطق باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي:"نأمل من الإخوة في مصر أن يكون موقفهم أكثر حزماً في اتجاه إنجاح العملية السياسية، وإبعاد كل من يحاول أن يشعل فتيل الحرب كما يفعل حفتر وتصريحاته قبل يومين".

تفتح زيارة الوفد المصري الباب واسعاً للتكهن بطبيعة الدور المصري في الفترة السابقة، خصوصاً في ظل موقفها السابق الداعم لخليفة حفتر. ومن شأن دعم مصر للعملية السياسية أن يسحب البساط من تحت حفتر تجاه شن عملية عسكرية جديدة. وهو الأمر الذي ربما باتت بعض الأطراف الليبية تراهن عليه للخروج من الأزمة الراهنة.




TRT عربي