الجيش الإسرائيلي / صورة: AA (AA)
تابعنا

في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي شكّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحكومة الجديدة التي وُصفت إعلامياً بأنها "الأكثر يمينية" في تاريخ إسرائيل.

وعاد نتنياهو لتشكيل الحكومة، بعد إقالته بسبب تهم فساد وُجّهت إليه، على رأس حزب الليكود المتشدّد ليعقد اتفاقيات مع الجماعات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل، حسبما نشرت وسائل إعلام دولية، على أمل أن يشكّل حكومته بمساعدة هؤلاء المتطرفين.

وتشير تقارير إعلامية إلى توغُّل التيار اليميني المتطرف في الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ما أظهر سلوكاً أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين العُزْل وصلت إلى حد قتل الجرحى.

أتى التنامي اليميني داخل المؤسسة العسكرية ممنهجاً ومدروساً، إذ ضغط اليمين بداية التسعينيات من القرن الماضي على قادة الجيش الإسرائيلي لإنشاء أكاديميات سُمّيَت "يشيفوت ههسدير"، تخصصت في تلقين الطلاب المدنيين التعليم الديني، تزامناً مع خدمتهم العسكرية. وبعد ذلك يوجَّهون لتعلُّم تخصصات كانت في الغالب باتجاه أجهزة الاستخبارات وألوية النخبة.

ومثّل ظهور هذه الأكاديميات نقطة فارقة في زيادة عدد المتطرفين اليمينيين الراغبين في الالتحاق بالوحدات القتالية المختارة، إذ بلغت نسبة خريجي هذه الكليات الَّذين التحقوا بالوحدات القتالية نحو 80%، حسب تصريح الدكتور عماد جاد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لـTRT عربي، في حين حصل 30% على رتبة ضابط فما فوق، مع الإشارة هنا إلى أنّ وحدات الجيش المختلفة تفضّل الخريجين اليمينيين على "العلمانيين"، بذريعة أنهم "يملكون دافعية أكبر للقتال".

بين الخلاف والانقسام الآيديولوجي

وأشار جاد في حديثه مع TRT عربي إلى وجود صراعات سياسية في الداخل الإسرائيلي عموماً بسبب اختلاف المواقف الحادّ تجاه قضايا مختلفة وجذرية، فضلاً عن الانقسام الديني الشديد داخل المجتمع وأفراده، مستشهداً بحدوث انقسام بعد معاهدة أوسلو أدى في النهاية إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، على يد متشددين ينتمون إلى تيارات يمينية متطرفة هناك يرفضون الاتفاق. وأكّد أن الجيش ليس بمعزل عن هذه الصراعات، رغم أن الجيش الإسرائيلي لم يعُد ممثلاً لتوليفة السكان أو الشعب.

وأضاف جاد أن جنوداً إسرائيليين يرفضون الخدمة في مناطق النزاع، وأوضح أن هؤلاء يمثلون شريحة "ترفض قتل المدنيين العُزْل"، لكنهم "يتعرضون للسجن لقاء رفضهم".

ولفت جاد إلى خروج مظاهرة كبرى داخل إسرائيل الأيام القليلة الماضية رفضاً لسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في محاولته تغيير النظام القضائي، مشيراً إلى تجاوز أعداد المشاركين في هذه المظاهرة 80 ألفاً، وأوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى إلى هذا التغيير الجذري بعد أن غازل التيار اليميني الأكثر تطرفاً في محاولة للقضاء على القضايا والأدلة التي تُدينه وتتهمه بالفساد المالي.

توسع الصدام

واستطرد جاد: "بين مواقف التيارات السياسية داخل إسرائيل تباين كبير"، موضحاً أن بعض اليمينيين -كدارسي التوراة- لا يُسمَح لهم بالالتحاق بالجيش، فيما قال إن اليمين المتطرف الذي يحظى دائماً بمغازلة السلطة، يشكّل 17% من الكتلة التصويتية في إسرائيل، وهذا بالتأكيد يجعل لهم ثقلاً ما داخل الجيش الإسرائيلي، وسيتنامى مع الوقت، ما يزيد احتمالية توسُّع الصدام الآيديولوجي داخل المؤسسة العسكرية مستقبَلاً.

واتفق عبد العليم محمد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مع ما طرحه جاد من تباين بين مواقف التيارات السياسية داخل إسرائيل، مشيراً لـTRT عربي إلى وجود ما يسمى "الحاخام العسكري"، الذي كان يعيّنه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ثم انتُزع ذلك من رئيس الأركان بسبب قوة التيار اليميني المتشدد، وأصبح هذا المنصب يخضع لسلطة الحاخامية الشرقية بإسرائيل.

وأوضح أن سلطة الحاخامية الشرقية قد تكون شكلية، لكن لها تأثيراً لا يُنكَر، على الأقل على مستوى الأفراد العسكريين وما يعتنقون من أفكار، لافتاً إلى وجود عناصر بالجيش الإسرائيلي تتعاطف مع التيار اليميني المتطرف.

آيديولوجيات متباينة

واستكمل محمد بأنه كما تتعاطف عناصر مع التيار اليميني، ترفض عناصر ممارسات الجيش الإسرائيلي الوحشية بحق الفلسطينيين العُزْل، وهذه العناصر ترفض الخدمة في الضفة الغربية، موضحاً أن قوة أي جيش في انصهار أفكار جميع عناصره بعيداً عن التعصب لواحدة بعينها، لكن وجود آيديولوجيات متباينة يعرّض استقرار أي مؤسسة عسكرية لخطر شديد.

ومما يدعو إلى التأمل في مسألة الخلاف الآيديولوجي داخل جيش إسرائيل ما يطالب به الليبراليون من السماح لطلاب المدارس الدينية بالخدمة في الجيش، وذلك من باب تحقيق المساواة المجتمعية.

وأكد محمد أن انقسامات سياسية عميقة تطول المجتمع الإسرائيلي، بخاصة بعد اعتلاء الحكومة اليمينية المتطرفة السلطة، ومحاولتها إحداث تغيير في جميع مؤسسات إسرائيل، بدأتها بمعركة القوانين والسلطة القضائية.

وتابع: "أكبر دليل على الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي أنه منذ نشأة إسرائيل تَمخَّض عن الخلافات الآيديولوجية الكبرى غياب دستور للدولة من الأصل، إذ استُعيض عنها بقوانين الأساس التي تجعل حكومات إسرائيل تحترم بعض الشروط والقيود الدينية".

واختتم محمد حديثه مع TRT عربي قائلاً: "بعد تَصدُّر اليمين المتطرف مشهد الحكم في إسرائيل يريد أن يغيّر نظام الدولة والقوانين"، مؤكداً أن "هذا التغيير نحو مزيد من التطرف سينتج عنه تصعيد الصراع بين الجيش الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، لكون الحكومة الأصولية لا تعترف بالشعب الفلسطيني وحقوقه أصلاً، ولا تراه، بل ترى أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل تجب استعادته".


TRT عربي