طائرة عسكرية مسيَّرة عند النصب التذكاري لحزب الله في معقل مليتا على قمة تل في 22 مايو/أيار 2020 (Getty Images)
تابعنا

اعترت القيادات العسكرية الإسرائيلية مؤخراً حالة من القلق نتيجة لتنامي قدرات حزب الله اللبناني في مجال سلاح الطائرات المسيَّرة.

لا سيما بعد مشهد إطلاقه في الثاني من يوليو/تموز الجاري ثلاث مُسيَّرات باتجاه حقل "كاريش" المتنازَع عليه بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يراه خبراء محاولة من حزب الله لفرض معادلة صراع جديدة مع إسرائيل.

جاء الردّ الإسرائيلي على هذه الحادثة متوقَّعاً، إذ أسقطت إسرائيل مسيَّرات حزب الله خارج مجال المياه الاقتصادية، إحداها أُسقطَت بصاروخ أطلقته طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز "F-16"، والأخريان أُسقطتا بصاروخين من طراز "باراك-1" أطلقتهما بارجتان حربيتان.

قواعد اشتباك جديدة

يرى مراقبون أن هذه المواجهة في السماء تؤسس لقواعد اشتباك جديدة بين حزب الله وإسرائيل، خصوصاً في ظلّ زيادة الحزب أسطوله من الطائرات المسيَّرة بهدف استخدامها في تعزيز بنك أهدافه ومعلوماته الاستخباراتية ضد إسرائيل.

هذه التطورات المتسارعة جاءت على خلفية تَجدُّد النزاع اللبناني-الإسرائيلي عقب إقدام الأخيرة على التحرك للتنقيب عن الغاز الطبيعى في المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، بعد وصول سفينة متعاقدة مع تل أبيب للتنقيب عن الغاز في حقل كاريش النفطي في البحر الأبيض المتوسط.

يطرح ما سبق عديداً من علامات الاستفهام حول ما في جعبة حزب الله من الطائرات المسيَّرة ومدى قدراتها العسكرية والهجومية في حال حدوث اشتباك قادم مع إسرائيل، وهل بات الحزب متفوقاً في هذا المضمار.

في هذا السياق أكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في تقريرها أن حزب الله يملك اليوم ما يقارب 2000 من الطائرات المسيَّرة، عديد منها يمتلك قدرات متطورة، بعضها حصل عليه من إيران، وأخرى طوّرها محليّاً.

وشدّد التقرير على أن حزب الله امتلك 200 طائرة بلا طيار إيرانية الصنع عام 2013، وأنه من المقرَّر استخدام الطائرات المسيَّرة إما في هجمات تُشَنّ ضد أهداف إستراتيجية إسرائيلية، وإما في عمليات الاستطلاع ضدّ قوات وقواعد تابعة لإسرائيل.

كما لفتت الصحيفة إلى أن الحزب نجح في تطوير نماذج مختلفة من الطائرات المسيَّرة، مثل "شاهد" و"صامد" و"مهاجر" (KAS-04)، فضلاً عن امتلاكه عشرات الطائرات المسيَّرة غير العسكرية التي يمكن استخدامها في التصوير وحمل القنابل المتفجّرة وإلقائها.

وتوقعت الصحيفة في تقريرها أن يستخدم حزب الله هذه الطائرات "بشكل كاميكازي (انتحاري)، في هجمات على أهداف استراتيجية تابعة للجيش الإسرائيلي خلال أي هجوم قادم بين الطرفين.

بعض المحللين العسكرين في صحيفة هآرتس الإسرائيلية رأى أن حزب الله تَعمَّد إرسال تهديد إلى إسرائيل من خلال هذه المسيَّرات، في حين رجّح آخرون أن إطلاق المسيَّرات لم يكُن ردّ فعل على هجمات إسرائيلية في إيران أو سوريا في الفترة الأخيرة، بل هو مرتبط بالنزاع الجديد حول المنصة.

مع ذلك باتت إسرائيل تدرك جيداً، كما يرى محللون، أن حزب الله قادر على قلب موازين اللعبة خلال المرحلة المقبلة في ما يتعلق باتفاقية الحدود البحرية في سبتمبر/أيلول المقبل، لا سيما وأن طائراته المسيَّرة أصبحت عنصراً فاعلاً ومن أهمّ الأسلحة في أي مواجهة عسكرية قادمة.

وتأكيداً لما ذُكر، أوضحت شعبة الاستخبارات العسكريّة في جيش الدفاع الإسرائيلي "أمان" أن المسيَّرات التي يمتلكها حزب الله قادرة على "تغطية العمق الإسرائيلي بكامله"، وأن تفعيل هذه المسيَّرات يتمّ بصورة مستقلة وأوتوماتيكية.

ليس ذلك فحسب، بل هي قادرة أيضاً على الهبوط في البحر ثم العودة إلى التحليق، لافتة في الوقت ذاته إلى الكشف عن مَدرَجيْن في الجنوب اللبناني، أُعِدّا لانطلاق المُسيَّرات التابِعة لحزب الله، التي تصِل إلى لبنان عن طريق سوريا، حسب المصادر في تل أبيب.

وبامتلاك حزب الله مثل هذه الأنواع من الطائرات، فإنه يكون قادراً على فرض قوة الردع والحسم الميداني الذي يريده، حسب الظروف والتطورات الأمنية والميدانية في الجبهة وفق التقديرات الأمنية سالفة الذكر.

بداية حرب جوية

من المتوقع أيضاً وفقاً للخبراء والمحللين أن يمثّل ما حدث في عُرض البحر بداية حرب جوية بين إسرائيل وحزب الله، إذ حاول الأخير التفوق على أنظمة الكشف التابعة للجيش الإسرائيلي وصعّب اعتراض طائراته (المسيَّرات).

كما تشير التقديرات الميدانية إلى أن الحزب سيواصل متابعة عملية الاستطلاع التي يُجريها بهذا الشأن بواسطة مسيَّراته، لا سيما أن التفوق التكنولوجي في هذا المضمار لم يعُد إسرائيليّاً أو أمريكيّاً خالصاً، بل أصبحت جهات كثيرة تتفوق في هذه التكنولوجيا أيضاً.

بناءً على ذلك عمدت إسرائيل إلى مواصلة توسيع برنامج "درع الشمال" المتمثل في بناء مئات الملاجئ على طول الحدود مع لبنان، وهو ما يراه خبراء أمنيون تحسُّباً منها لوقوع أي مواجهة مع حزب الله في المستقبل.

جدير بالذكر أن مشهد مسيَّرات حزب الله ليس بجديد في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، إذ استخدمها الحزب ضدّ إسرائيل في حرب لبنان الثانية عام 2006، ثم عام 2012 عندما اعترضت مقاتلات إسرائيلية طائرة مسيَّرة تابعة للحزب.

ويبقي السؤال مطروحاً: هل تجرّ مسيَّرات حزب الله إسرائيل خلال المرحلة القادمة إلى حرب جديدة.

TRT عربي