تابعنا
تسعى كتل برلمانية في تونس لضبط أطر قانونية للخطاب السياسي والحد من منسوب الكراهية والتفرقة الصادر عن بعض الأحزاب المحسوبة على النظام السابق، من خلال تقديمها مشاريع قوانين ولوائح تجرم وتدين تمجيد الدكتاتورية وإهانة الثورة وشهدائها.

وكانت كتلة "ائتلاف الكرامة" المحسوبة على شق المعارضة في البرلمان التونسي، قد تقدمت بمشروع قانون يحجر على الأحزاب السياسية في جميع أنشطتها أو بياناتها الدعوة للعنف أوالكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو عرقية. كما يجرم مشروع القانون في بنوده جميع مظاهر "تمجيد الدكتاتورية والاستبداد والتعذيب وتدليس الانتخابات، أو إهانة ثورة الشعب التونسي أو شهداء الثورة وجرحاها، أو الدعوة للتمرد على مؤسسات الدولة المنتخبة ديمقراطياً".

هذه المبادرة التشريعية تجيز لرئيس الحكومة تحديد المخالفة المرتكبة من قبل الحزب وتنبيهه بضرورة إزالتها خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً انطلاقاً من تاريخ التنبيه، وفي حال لم تتم إزالة المخالفة خلال المدة المنصوص عليها، يمكن أن يتخذ القضاء بطلب من رئيس الحكومة قراره بتعليق أنشطة الحزب. وقد يصل الأمر إلى حله بشكل نهائي بعد استيفاء جميع الطعون وإجراءات التقاضي.

تنقية الأجواء السياسية

النائب عن "ائتلاف الكرامة" ماهر زيد اعتبر في تصريح لـTRT عربي أن مشروع القانون المعروض على أنظار البرلمان يهدف إلى تنقية الأجواء السياسية في ظل تنامي خطاب الكراهية والدعوة للفوضى من قبل أحزاب محسوبة على النظام القديم، وتحديداً الحزب الدستوري الحر، الذي لا تفوت رئيسته عبير موسى أي "فرصة لإهانة الثورة وشهدائها وتخوين خصومها على أساس أيديولوجي"، وفق قوله.

واستغرب النائب من خطاب هذه الأحزاب التي دخلت بفضل الثورة وشهدائها إلى البرلمان بعد أن كانت تعيش "الذل والهوان" زمن الاستبداد والدكتاتورية، كما يقول، معرباً عن أمله في أن تتحول هذه المبادرة التشريعية إلى قانون نافذ، يلجم بمقتضاه كل دعاة الفوضى وأنصار الثورة المضادة التي تتربص بالتجربة الديمقراطية في البلاد، وتسعى لترذيل مؤسساتها السيادية.

عرابة الثورة المضادة

عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر التي شغلت سابقاً منصب الأمينة العامة المساعدة في حزب المخلوع بن علي، يصفها البعض بـ"عرابة الثورة المضادة" بسبب حرصها الدائم على التشويش على عمل البرلمان، وإهانة زملائها النواب، ونعتهم بأبشع النعوت، كما لا تتوانى عن إنكار وتحقير الثورة التونسية شهدائها، إذ رفضت في إحدى الجلسات البرلمانية تلاوة الفاتحة على أرواح شهداء الثورة وانسحبت برفقة كتلتها من الجلسة العامة، ما خلف حالة من الغضب والاحتقان لدى بعض عائلات الشهداء والجرحى الذين احتجوا في بهو البرلمان ورفعوا شعار " ديغاج " أو ارحل" بوجهها.

لائحة تدين الاستبداد

حركة النهضة تقدمت بدورها منذ أيام بمشروع لائحة برلمانية "تدين تمجيد الدكتاتورية والاستبداد وتحقير ثورة الحرية والكرامة"، في حين أشار رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري في تصريح إعلامي محلي إلى أن هذه اللائحة تطالب الدولة التونسية بتقديم اعتذار لضحايا النظام البائد بجميع توجهاتهم السياسية والأيديولوجية وشهداء الثورة وجرحاها.

قضية جزائية ضد رئيسة كتلة الدستوري الحر عبير موسى تعتزم رفعها بالتوازي، النائبة عن حركة النهضة زينب البراهمي متهمة إياها بتعطيل أشغال مجلس نواب الشعب وإثارة الشغب والفوضى إثر اعتلاء موسى ونواب كتلتها أمس منصة البرلمان والجلوس على كرسي رئيسه راشد الغنوشي، ما دفع بمساعدة رئيس المجلس برفع الجلسة العامة وتأجيل التصويت على مشاريع قوانين وُصِفت بالهامة.

ويعتبر النائب عن النهضة محمد القوماني في حديثه لـTRT عربي أن هذه اللائحة التي تقدمت بها كتلته هي أداة قانونية تحاول من خلالها الحركة عقلنة المشهد السياسي، وتخفيض منسوب التوتر والكراهية الذي تحاول أطراف محسوبة على النظام البائد إذكاءه في البرلمان وخارجه، في ضرب لثقافة التعايش السلمي وحق الاختلاف.

اقرأ أيضا:

ويحذر القوماني أيضاً من خطورة ما تقوم به أطراف سياسية محسوبة على الثورة المضادة وعلى أنظمة استبدادية عربية، من خلال الدعوة للتمرد على مؤسسة سيادية كالبرلمان وسحب الثقة من رئيسها، وتجييش أنصارهم وتحريضهم للنزول إلى الشارع في أكثر من مناسبة.

وكان أنصار الحزب الدستوري الحر قد نظموا منذ أيام وقفة احتجاجية بدعوة من رئيسة الحزب، طالبوا خلالها بسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، واجتثاث حزبه من الحياة السياسية، رافعين شعارات لم تخل بحسب مراقبين من خطابات تحريضية تزيد في إذكاء مشاعر الكراهية والتفرقة بين التونسيين على أسس أيديولوجية، كما حظيت هذه الوقفة بتغطية خاصة وغير مسبوقة من قنوات إعلامية محسوبة على أنظمة عربية وخليجية تجاهر بعدائها للثورات العربية.

خيار النهضة برفض قانون العزل السياسي وعدم إقصاء فلول النظام البائد من المشاركة في الحياة السياسية منذ 2013، اعتبره القوماني قراراً صائباً رغم حجم الانتقاد الذي يلاحق الحركة حتى اللحظة، والذي يحملها مسؤولية وصول موسي وأمثالها إلى البرلمان، مشيراً إلى أن حزبه لا يزال يدعو حتى اللحظة الأحزاب إلى نهج المصالحة الوطنية الشاملة، ويراهن على "الديمقراطية الإدماجية" التي تصالح بين مختلف العائلات الفكرية والسياسية.

أصوات متطرفة

من جانبه، لا يخفي القيادي في حزب المبادرة والأمين العام السابق لحزب التجمع الدستوري المنحل محمد الغرياني عدم رضاه بل تبرؤه من أفعال عبير موسي وحزبها، مؤكداً لـTRT عربي أنها "صوت شاذ ومتطرف" داخل البرلمان وخارجه، و لا تمثل الدساترة (المنتمين للتجمع الدستوري) ولا الفكر الدستوري".

الغرياني دعا إلى ضرورة تجريم الأحزاب التي تحرض على خطاب الكراهية، وترفض الاندماج في منظومة المصالحة الشاملة ومسار التجربة الديمقراطية التي ذهبت فيه تونس ما بعد الثورة، بعيداً عن منهج الاستقطاب الأيديولوجي المقيت.

ويشير الغرياني إلى أن تونس "تتسع لجميع العائلات السياسية والفكرية سواء كانوا إسلاميين أو دستوريين أو يساريين، بعيداً عن منطق الحزب الواحد واجتثاث الخصوم"، مضيفاً في ختام حديثه: "حرصنا كدستوريين ومحسوبين سابقاً على نظام الراحل بن علي أن ننخرط في نهج المصالحة الشاملة حقناً لدماء التونسيين، وإيماناً منا أن هذا الوطن يتسع للجميع دون تفرقة أو كراهية، إعلاء للمصلحة الوطنية وحباً لهذا الوطن".

تسعى كتل في البرلمان التونسي لتجريم وإدانة الأحزاب المعادية للثورة (TRT Arabi)
تونسيون يحتفلون بالذكرى التاسعة لثورة الحرية والكرامة (TRT Arabi)
TRT عربي