تابعنا
حالة من الجدل أفرزها الاتفاق السياسي الذي وُقّع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي فجر الأربعاء، إذ تباينت الآراء حوله بين مؤيِّد ومعارض ومتحفِّظ على بعض البنود.

تحالف الإجماع الوطني، وهو أبرز الكتل السياسية التي تتكون منها قوى الحرية والتغيير، كان أول المعترضين على الاتفاق السياسي، إذ قاطع ممثلو التحالف جلسة المفاوضات مع المجلس العسكري التي أفضت إلى توقيع الاتفاق.

وقال القيادي البارز في قوى الإجماع الوطني عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف لـTRT عربي، إن الجلسة لم تكُن مخصصة للتفاوض مع المجلس العسكري، بل كانت مخصصة لكي يسلِّم كل طرف ملاحظاته على مسوَّدة الاتفاق التي الوساطة الإفريقية-الإثيوبية المشتركة.

وأكد يوسف، وهو أبرز ممثلي تحالف الإجماع الوطني في لجان التفاوض، أن قوى الحرية والتغيير قدّمت تنازلات كبيرة في الجلسة، ومنحت المجلس العسكري الحقّ في تعيين وزيري الدفاع والداخلية، بجانب أنها لم تثبّت النسبة التي حصلت عليها حول المجلس التشريعي.

وكان المجلس العسكري أقرّ في اتفاق سابق قبل فض الاعتصام، منح قوى الحرية والتغيير نسبة 67% من عضوية المجلس التشريعي المكون من 300 عضو، على أن تُخصَّص النسبة المتبقية للقوى التي لم تشارك النظام السابق.

ونصّ الاتفاق السياسي الذي وُقّع الأربعاء بين الطرفين، على تأجيل النقاش حول المجلس التشريعي إلى ما بعد تكوين الحكومة المدنية، على أن لا يتجاوز ذلك مدة ثلاثة أشهُر.

كما نص الاتفاق على تكوين مجلس سيادي من خمسة من المدنيين ومثلهم من العسكريين، على أن يتوافق الطرفان على شخص مدني ثامن، ليكون مجموع الأعضاء 11 عضواً.

ملاحظات جوهرية

حالة الرفض التي قوبل بها الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لم تكن قاصرة على المكونات السياسية فحسب، إذ سارعت الجبهة الثورية المكوَّنة من عدة حركات مسلحة إلى رفض الاتفاق.

وذكر رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل إبراهيم في صفحته على موقع تويتر، أن الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يُعَدّ استهتاراً بالمحادثات التي تجري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين قوى الحرية وحركات الكفاح المسلح، لبحث ترتيبات السلام والفترة الانتقالية، مؤكداً أن الجبهة الثورية السودانية ليست طرفاً في اتفاق الخرطوم.

لكن المحلل السياسي عبد الجبار الطيب، قلّل من تأثير المواقف التي ترفض الاتفاق، مؤكداً أن كل الملاحظات التي ذكرها بعض المكونات السياسية والعسكرية، ستجد الاهتمام عند بدء النقاش حول الوثيقة الدستورية التي سيتم التفاوض حولها يوم الجمعة.

وقال الطيب لـTRT عربي، إن الاتفاق السياسي يُعَدّ اختراقاً كبيراً، لكونه أول اتفاق يوقّع عليه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، منذ الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في الحادي عشر من أبريل الماضي.

ولفت عبد الجبار إلى أن الاتفاق أعاد جزءًا من الثقة التي كانت مفقودة بين الطرفين عقب فضّ الاعتصام بالقوة المميتة، إذ لقي أكثر من 120 من المعتصمين مصرعهم، وفقاً للجنة أطباء السودانية المقرّبة من الحراك الثوري.

في المقابل رأى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية دكتور مرتضى نورين، أن الاتفاق جاء منقوصاً، ولم يلبِّ كل تطلُّعات الشعب السوداني، كما أنه أغفل بعض النقاط المهمة.

وقال نورين لـTRT عربي، إن الاتفاق لم يورد أي نص يتعلق بمحاكمة رموز النظام السابق، كما لم يتناول قضية المؤتمر الدستوري التي تُعَدّ من أبرز مطالب القوى السياسية لتأسيس منصة الانتقال الديمقراطي، ولتحديد كيفية حُكم السودان.

نقاط عالقة

الاختراق الذي أحدثته الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة، من خلال إقناع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي، قد يكون مهدداً بعقبات كثيرة، لم تُحسَم، وفقاً لمختصين.

وأشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية دكتور مرتضى نورين، إلى أن الطرفين تنتظرهما نقاط خلافية كبيرة، بخاصة حول الحصانات الخاصة بأعضاء المجلس السيادي، الذي سيتكون عقب حل المجلس العسكري الانتقالي.

وأشار نورين إلى وجود خلاف بين الطرفين حول طريقة رئيس القضاء والنائب العام، إذ طالَب المجلس العسكري بأن يكون له حقّ التعيين، وهو ما رفضته قوى الحرية والتغيير، وشدَّدَت على أن مهمة المجلس السيادي تتمثل في التصديق على الأسماء المطروحة للمناصب.

وكانت قوى الحرية والتغيير طالبت بتعيين مدنيين في مناصب ولاة الولايات، بخلاف ما دعا إليه المجلس العسكري الذي طالب ببقاء ضباط الجيش السوداني الذين عُيّنوا ولاة للولايات، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير.

وأدّت الخلافات حول الوثيقة الدستورية إلى تأجيل اللقاءات المباشرة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لمرتين على التوالي، بعدما أُثير لغط كثيف حول الحصانات، قبل أن تتمكن الوساطة الإفريقية-الإثيوبية المشتركة من جمع الطرفين وتوقيع الاتفاق السياسي.

ولفت القيادي في قوى الحرية التغيير صديق يوسف إلى أن المجلس العسكري طالب بمنح أعضاء المجلس السيادي حصانة تامَّة تقيهم الملاحقات القضائية طوال فترة وجودهم في المنصب.

وقال يوسف إن الحصانة بشكلها الوارد في الوثيقة تجعل أعضاء المجلس السيادي في مأمن من الملاحقة القضائية، على الرغم من أن بعض العسكريين المرشحين للموقع متهَمون بالتورط في فض اعتصام القيادة العامة بصورة وحشية.

لكن المحلل السياسي عبد الجبار الطيب، تَوَقَّع أن يتمكن الطرفان من حسم النقاط العالقة، بخاصة بعدما استعادَا قدراً كبيراً من الثقة التي كانت مفقودة بينهما.

ولفت الطيب إلى أن الخلاف حول الحصانات يمكن تجاوزه من خلال وضع إجراءات وآليات محدَّدة لرفع الحصانة عن أعضاء المجلس السيادي، منوهاً بأنه لا حصانة مطلقة للمسؤولين، بخاصة في الأنظمة المدنية والديمقراطية.

TRT عربي