تابعنا
لم تمنح "صفقة القرن" للفلسطينيين أيّ حقوقٍ تُذكَر، ولذلك يتوقّع المحلّلون أنّ الخيارَ الوحيد الذي تبقّى أمامهم هو القيام بانتفاضةٍ جديدة ضدّ إسرائيل.

قوبلت "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برفض قاطع من القيادة الفلسطينية بمختلف تياراتها وتوجهاتها الأيديولوجية، وخلقت لحظة نادرة من الوحدة يُمكن أن تتوَّج بانتفاضة أخرى ضد التوغل الإسرائيلي المستمر.

وقال محمد اللحام عضو المجلس الثوري لحركة فتح، الذي يُعَدّ قوةً رائدة في منظمة التحرير الفلسطينية وهي العمودُ الفقري للسلطة الفلسطينية: "لم يتبقَّ أمامنا أي خيارات سوى القيام بانتفاضة جديدة".

وأضاف: "الظروف المرفوضة الواردة في الخطة والصمت الذي نواجهه من معظم جيراننا العرب يُقيِّدان أيادينا ويشجِّعان على العنف".

ويرى العديد من مراقبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أنَّ خطة السلام الجديدة مجرد أداةٍ لإجبار الشعب الفلسطيني على قبول الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الممتدة من الضفة الغربية إلى وادي الأردن، والاعتراف بالقدس كُلّها عاصمةً لإسرائيل فقط.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الفلسطيني يوسف الحلو لـTRT: "الصفقة تُعَد وَصفةً لمزيدٍ من التعقيدات والحروب وإراقة الدماء، وليس السلام. والبلطجةُ الإسرائيلية والإملاء الأمريكي يجب أن يتوقفا".

وفي المقابل، تُلقي الخطة للفلسطينيين ما وصفه الكثيرون بأنَّه مجرّد فُتات، إذ لا تمنحهم إلَّا سيادة مشروطة على كانتوناتٍ صغيرة محاطة من جميع الاتجاهات بالدولة الصهيونية.

فإذا لم يستطع الفلسطينيون الحصول على "دولةٍ مستقلة تماماً" في المناطق التي يُحدِّدها القانون الدولي أو لم تعاملهم إسرائيل على أنَّهم مواطنون متساوون في تلك المناطق، يُمكن أن تسوء الأمور هناك، وفقاً لكامل حواش المُعلِّق السياسي والأستاذٌ الجامعي البريطاني -فلسطيني ونائب رئيس المجلس البريطاني الفلسطيني للسياسات.

ويضيف الأستاذ الجامعي: "إذا اتّضح في الأسابيع المقبلة عدم إمكانية تحقيق هذا أو ذاك، فستصبح إسرائيل دولةً تتبنَّى تمييزاً عنصرياً. وحينئذٍ، أعتقد أننا سنشهد تصعيد المقاومة الشعبية ضد إسرائيل".

من جهته، يقول المحلل السياسي الفلسطيني يوسف الحلو: "يعتقد البعض أنَّ الوقت قد حان لإنهاء التعاون الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وإنهاء اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل، والسماح لتل أبيب بأن تتحمل مسؤوليتها بصفتها قوة احتلال تجاه الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها".

ويضيف: "ينادي البعض بموجةٍ جديدة من النضال من أجل الحصول على حقوقٍ متساوية في دولةٍ واحدة على جميع أراضي فلسطين التاريخية للانتفاضة مرةً أخرى ضد القهر والظلم، ومنع الإسرائيليين الذين يظنون أنفسهم بشراً أعلى منزلةً، من معاملة الفلسطينيين على أنهم بشرٌ أدنى منزلةً".

تجدر الإشارة إلى أنَّ الخطوة القادمة التي سيتخذها الفلسطينيون لا تزال غير واضحة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمحللين، في الوقت الذي تؤكِّد تل أبيب تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنَّها ستضم مستوطنات يهودية غير شرعية في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية الأخرى.

هذا ونقلت صحيفة "Haaretz" الإسرائيلية تصريحاتٍ عن أحد مسؤولي السلطة الفلسطينية قال فيها: "لا شكَّ أننا نمرُّ بضائقةٍ شديدة في المجال الدبلوماسي".

وأضاف: "تتعامل السلطة الفلسطينية مع إدارةٍ أمريكية عدوانية، وحكومةٍ إسرائيلية يمينية مؤيدة للاستيطان، وعالمٍ عربي منقسم. لذا فالأدوات المتاحة لدينا محدودة".

ومن جانبه يأمل جاريد كوشنر، صهر ترمب والمهندس الذي صمَّم الخطة التي تعرضت لانتقادات شديدة، في ألَّا يضمّ الإسرائيليون تلك المناطق قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل، وتعد الانتخابات الثالثة في غضون عام واحد.

وقال كوشنر، اليهودي اليميني المؤيد للصهيونية: "دعونا نرى ما سيحدث. نأمل أن ينتظروا إلى ما بعد الانتخابات".

ويُشار هنا إلى أنَّ صفقة كوشنر تمنح إسرائيل الحق في ضم هذه الأراضي بأي طريقةٍ وفي أي وقت.

لكنَّ نتنياهو تعهد بالفعل خلال إعلان الخطة يوم الثلاثاء الماضي 28 يناير/كانون الثاني بضمّ تلك المناطق في أقرب وقت ممكن.

آفي يسخاروف، مُعلّق سياسي إسرائيلي وخبيرٌ في التاريخ الفلسطيني الحديث، وفاز بجائزة "أفضل مراسل" الصادرة عن الإذاعة الإسرائيلية لجهوده في تغطية الانتفاضة الثانية في عام 2002، كتبَ في هذا الصّدد، مؤكداً أنَّ "أي قرار ستتخذه إسرائيل بضم الأراضي قبل حوالي أربعة أسابيع من الانتخابات لن يكون مجرد سرقة، بل لعباً بالنار أيضاً".

ويشرح يسخاروف موقفه قائلاً: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى اتخاذ خطوات فلسطينية شديدة للغاية، مثل تجميد التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل وتفكيك السلطة الفلسطينية"، مما قد يمهد الطريق في النهاية لشنّ هجمات ضد إسرائيل".

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لطالما كانت قلقةً من التداعيات المحتملة لتفكُّك السُّلطة الفلسطينية. صحيحٌ أنَّ هذه الأخيرة تتعرَّض لانتقاداتٍ من جانب بعض الفصائل الفلسطينية بكونِها حكومةً فاشلة، لكنَّها لا تزال مهمّةً للحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية.

غير أنَّ الصّفقة الجديدة تُجرِّد السلطة الفلسطينية فعلياً من أهميتها وعلاقتها بالحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية، مما قد يجعلها تفقد كلّ سُلطتها على الفلسطينيين، ممّا قد يثير حالةً من الفوضى، ولجوءاً إلى النضال المسلح كملاذٍ الأخير للفلسطينيين للحصول على حقوقهم المعترف بها دولياً في الأرض المقدسة.

وكتب يسخاروف متحدثاً عن المُعلِّقين اليمينيين الإسرائيليين وحلفاء نتنياهو، قائلاً: "إنهم يرفضون الاعتراف بأنَّ السلطة الفلسطينية أدت دوراً رئيسياً في الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة وعدم انفجار الأوضاع هناك وتحوُّلها إلى شيء يشبه الانتفاضة الثالثة".

يأتي هذا في الوقت الذي ظهرت فيه علاماتٌ تشير إلى أنَّ جناح الشباب في حركة فتح في طريقه لقيادة الاحتجاجات، وفقاً لمصادرَ من رام الله. وإذا عادت حركة فتح إلى النضال المسلّح كما تفعل حركة حماس حالياً، فقد يخرج الوضع عن السيطرة.

ويضيف يسخاروف: "المشكلة أنَّ هذه التحذيرات لا تأتي على لسان كبار ضباط الجيش الإسرائيلي فقط، لكنَّها تُذكَر أيضاً من جانب أفراد جهاز الشاباك وكل من يراقب الوضع على الجانب الفلسطيني".

وإذا سمحت السلطة الفلسطينية لحركة فتح بالانضمام إلى الاحتجاجات أو "حتى فكَّكت نفسها، فقد تُصبح خطة ترمب حدثاً تاريخياً بالفعل على الرغم من كل شيء، لأنها ستُذكَر على أساس كونِها أحد أسباب اندلاع عنفٍ يشبه الانتفاضتين الأولى والثانية"، حسب ما كتب يسخاروف في نهاية مقالته.

الخطوة القادمة التي سيتخذها الفلسطينيون لا تزال غير واضحة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمحللين (AA)
صفقة جاريد كوشنر تمنح إسرائيل الحق في ضم هذه الأراضي بأي طريقةٍ وفي أي وقت (AP)
TRT عربي