تابعنا
أكدت دراسةٌ أصدرها مركز "بيو" للأبحاث أنّ الخدمة العسكرية شكّلت منعطفاً حاسماً في حياةِ الكثير من الجنود الأمريكيين، وتختلف التحديات التي يعيشونها بين مهنية وعاطفية واجتماعية.

واشنطن ـــ "Thank you for your service"، أو "شكراً لك على تضحيتك من أجل الوطن"، هكذا يُحيِّي الأمريكيون مَن يصادفونه في الأماكن العامة وهو يرتدي بزّة عسكرية. إنه تقليد متجذّر في الثقافة الأمريكية، إذ تحظى الخدمة العسكرية باحترام وتقدير كبيرَين.

فشهر مايو مثلاً، يُسَمَّى هنا بشهر الامتنان، لكونه يضمّ ست مناسبات كلها تمجّد الجنود ومشاركتهم في مختلف الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية. وفي يوم المحاربين القدامى الذي يصادف 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر مركز "بيو" للأبحاث دراسة جديدة تطرقت إلى جوانب من حياة الجنود الأمريكيين، خصوصاً بعد العودة من الخدمة العسكرية.

وأشارت الدراسة إلى كون الخدمة العسكرية ساعدت معظم الجنود على تحقيق مكاسب مهنية واجتماعية، كما شكّلَت في نفس الوقت منعطفاً حاسماً في حياة آخرين، إذ اعتبر 64 في المئة من المشاركين في حرب أفغانستان والعراق أن الحربين "ما كانتا تستحقَّان عناء خوضهما"، بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدتها واشنطن.

11 سبتمبر/أيلول.. نقطة مفصلية في تاريخ الحروب الأمريكية

وأوضح الاستطلاع نفسه أن 55 في المئة من الجنود القدامى، يؤيّدون نفس الرأي بشأن التدخل الأمريكي في سوريا ضد تنظيم داعش، فيما أشاد 42 في المئة بذلك التدخل.

أرقام تراها بوني كارول، رئيسة برنامج تقديم المساعدة للأقرباء المتأثرين بمآسي الحروب المعروف اختصاراً بـ"TAPS"، بأنها "مهمَّة"، وتعتبر ما يعيشه ضحايا الحروب وعائلاتهم أكثر من ذلك.

دراسة مركز "بيو" أُعِدَّت قبل إعلان الرئيس دونالد ترامب نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو القرار الذي لا تزال الآراء بشأنه مختلفة.

لكن الأكيد حسب نفس الدراسة، أن مرحلة 11 سبتمبر/أيلول، ستبقى تاريخاً حاسماً ونقطة مفصلية في تاريخ الحروب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب، فـ"واحد من كل خمسة من قدماء المحاربين في الوقت الراهن، شارك في القتال في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول، فهم أكثر عرضة للمشاركة في الحروب مقارنة بغيرهم من الأجيال السابقة"، وفق دراسة بيو.

بلغة الأرقام أيضاً، قال نصف الجنود الذين شاركوا في الحرب على الإرهاب، إن "إعادة التكيف مع واقع الحياة بعد الحرب، كانت صعبة"، وهذا ربما ما يفسر حالات الانتحار المنتشرة وسط من عاد سالماً من حرب العراق وأفغانستان.

في هذا الصدد تقول كارول لـTRT عربي: "إنها مرحلة صعبة، ومع الأسف هذه المرحلة لا تمسّ فقط الجنود، بل أيضا أسرهم. من خلال آلاف الأسر التي نستقبلها، نلاحظ أن مرحلة التكيف مع واقع الحياة بعد الحرب ليست بالشيء الهين. إنها مرحلة صعبة، تقتضي منا كمؤسسات أو كأسر، أن نحسن إدارتها من خلال تسهيل كل الظروف لاستقبال هؤلاء الجنود".

مرحلة ما بعد الحرب

وتختلف التحديات التي تواجه المحاربين القدامى بعد الحرب، بين مشكلات مالية وعاطفية ومهنية، لكن الأكيد حسب نفس الدراسة، أن جميعها تشكل عائقاً أمام اندماجهم في المجتمع.

في المقابل ترى المتحدثة أن وجود بيئة اجتماعية رهن إشارة العائدين من الخدمة العسكرية، "عامل مساعد بشكل كبير على دعم الجنود وأسرهم خلال تلك المرحلة الانتقالية. في منظمتنا أكثر من 10 آلاف أسرة، فقدت كل منها أحد أفرادها في حرب العراق أو انتحر بعد العودة إلى الولايات المتحدة، من أصل 100 ألف أسرة تستفيد من خدمات البرنامج".

ووفق الأرقام الرسمية، ارتفع عدد المحاربين القدامى الذين انتحروا بعد العودة من الخدمة العسكرية بنسبة بلغت 50 في المئة، في الفترة بين عامَي 2007 و2017.

المثير في عمل برنامج تقديم المساعدة للأقرباء المتأثرين بمآسي الحروب، هو تبنيه استراتيجية مغايرة لباقي المؤسسات الأخرى التي تعمل في نفس المجال؛ إنه دعم مادي ومعنوي يتجاوز الحدود،"نُجرِي زيارات ميدانية للعراق، حيث تلتقي أسر الجنود القدامى الذين قتلوا في الحرب، أسراً عراقية فقدت هي الأخرى أحد أفرادها. يصعب وصف اللقاء بين الجانب الأمريكي والعراقي، إذ تكتشف كيف أن الحرب مؤلمة ومدمِّرة للجانبين. علينا أن نشتغل أكثر على تحقيق الأمن والسلام"، تضيف كارول لـTRT عربي.

TRT عربي