تابعنا
وسط تباين في تقدير المراقبين والخبراء لمدى اقتراب إيران من امتلاك القنبلة النووية، تدق إسرائيل نواقيس الخطر مهددة بتوجيه ضربات عسكرية على المنشآت النووية الايرانية لأجل منعها من حيازة السلاح النووي.

صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لبرنامج على شبكة الإنترنت برعاية المعهد الأمريكي للسلام، أن إيران تقترب خطوة بخطوة من الحصول على مواد انشطارية تكفي لإنتاج سلاح (نووي)، ما يجعل هذا الملف يقف على أولويات عمل إدارة جو بايدن الجديدة.

وبأمل فك الحصار ورفع العقوبات، عبرت طهران عن استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع معها سنة 2015، وتضع لذلك شرط عدم إجراء أي تعديل أو إدخال أي طرف جديد إلى الاتفاق. وترى واشنطن في ذلك أن على الجميع الالتزام بتعهداتهم في الاتفاق، وأن إيران ملزمة بقيوده.

وفي هذا السياق قال نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: "في ما يتعلق بالإشارات الموجهة إلى إيران نريد التأكد من أننا نسقنا وبحثنا بشكل وثيق مع الشركاء والحلفاء، وأننا أيضاً تشاورنا عن كثب مع أعضاء الكونغرس".

إسرائيل تخاطب العدو والصديق على حد سواء

أثار تهديد طهران بوقف العمل بالبروتوكول الخاص بمراقبة أنشطتها النووية انزعاج القادة السياسيين والعسكرين في إسرائيل، وتعليقاً على ذلك ومع تداول الأخبار عن اقتراب إيران من القنبلة النووية، قال رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي إن تل أبيب تعمل على وضع مخططات وسيناريوهات للتعامل مع المحاولات الإيرانية لتطوير قنبلة نووية، وإن استهداف طهران يبقى رهن قرار القادة السياسيين في إسرائيل. مضيفاً أنه تم وضع مخططات للتصدي لما عبر عنه بالتهديد النووي الإيراني.

واعتبر محللون أن هذه الرسائل والتحذيرات لم تكن موجهة إلى إيران بقدر ما كانت موجهة إلى إدارة بايدن، حيث إن ملامح سياسة الرئيس الأمريكي في التعاطي مع الملف لا تزال غير واضحة على الرغم من بعض الخطوات التي تم اتخاذها في هذا الإطار.

ولم تكن نبرة الوعيد في تصريح كوخافي هي الوحيدة من الجانب الإسرائيلي، ففي سياق متصل قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، مشدداً على أن كلامه موجه للعدو والصديق على حد سواء، وأن هذا يعتبر من أولى مهام إسرائيل للحفاظ على استمرارها والدفاع عن نفسها على حد تعبيره.

أعقب ذلك مشاورات ونقاشات جمعت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين عن احتمال توجيه ضربة لإيران.

اعتبرت طهران التصريحات والتهديدات التي تلقتها من الجانب الإسرائيلي مجرد حرب نفسية يحاول أن يخوضها الخصم. وقال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، معلقاً على ذلك: "شعبنا وشعوب المنطقة على دراية بالأدبيات التي يرددها مسؤولو النظام الصهيوني. إنهم يتحدثون كثيراً ويسعون إلى حرب نفسية، وليس لديهم أي خطة أو قدرة على القيام بذلك".

فإن كانت إسرائيل غير معنية كثيراً بالعودة إلى الاتفاق النووي، وإن لم تكن لها النية الجادة في التوجه إلى العمل العسكري، فإنها تسعى حتماً إلى تحسين شروط الاتفاق النووي.

وقد كان من المتوقع أن لا تفوت تل أبيب فرصة تطبيع العديد من الدول العربية العلاقات معها مؤخراً لتأسيس حلف إقليمي لكي لا تواجه إيران منفردة، كما تحاول بناء تحالف مع دول عربية ترى في إيران عدواً مشتركاً، وهو ما أشار إليه كوخافي.

يرى خبراء ومحللون أن تصريحات الطرفين كانت موجهة بالأساس إلى الجانب الأمريكي الذي يعيد النظر حالياً في استراتيجياته الديبلوماسية مع تولي جو بايدن الحكم.

هل تسعى واشنطن إلى تقريب وجهات النظر؟

طلب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن من المبعوث الإيراني المعين حديثاً روب مالي صاحب السجل الحافل بالنجاحات في التفاوض، تشكيل فريق تفاوضي يتكون من دبلوماسيين وخبراء متعددي الآراء و وجهات النظر للتباحث حول الملف النووي الإيراني، وشكل الإجراءات التي يمكن اتخاذها في الإطار.

ومن الجدير بالذكر أن مالي كان من بين الأطراف التي ساعدت على توقيع اتفاق سنة 2015، وهو ما أثار حفيظة الجانب الإسرائيلي الذي كان يرى في روب مالي شخصاً يمكن أن يتساهل مع الطرف الإيراني.

قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، في تعليقه على العودة إلى الاتفاق النووي السابق إن الولايات المتحدة أمامها "شوط طويل" لتقرير إن كانت ستنضم إلى الاتفاق، وسوف تحتاج إلى معرفة ما فعلته إيران بالفعل لاستئناف الالتزام بالاتفاق.

وبالتالي فقد أصبح من الواضح أن الإدارة الأمريكية تود العودة إلى الاتفاق النووي، وتسعى إلى بناء استراتيجية واضحة في التعامل مع طهران.

بعد أن قامت إدارة ترمب في وقت سابق بتمزيق الاتفاق النووي بتحريض من إسرائيل التي حاولت جاهدة أن تنفرد بامتلاك السلاح النووي في المنطقة، كما تم تشديد الحصار والعقوبات على إيران التي قامت فيما بعد بخرق بنود الاتفاق رداً على الانسحاب الأمريكيمن الاتفاق في مايو/أيار 2018.

لذلك فإن شرط رفع العقوبات يمثل اليوم الشرط الرئيسي لأي تفاهم بين طهران وواشنطن.

وقد قامت محكمة العدل الدولية بقبول قضية إيران ضد عقوبات واشنطن، ورفضت الدفوع التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن التسلسل الزمني يبقى الآن عقبة جدية في التوصل إلى اتفاق، حيث ترى واشنطن أن على إيران الالتزام بقيود الاتفاق لفك الحصار عنها ورفع العقوبات، في حين تتشبث طهران بضرورة إلغاء العقوبات وفك الحصار أولاً للالتزام ببنود الاتفاق النووي المبرم معها.

وفي السياق ذاته قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في مؤتمر صحفي جمعه بنظيره التركي مولود جاوش أوغلو بإسطنبول:"إن واشنطن هي من انسحبت من الاتفاق وخرقته، وهي من يجب عليها العودة إليه أولاً".

وفي هذا الصدد فإنه من المهم التنويه والإشارة كذلك إلى دقة توقيت الرسائل المتبادلة بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، فالوقت المتبقي من عمر حكومة روحاني شارف على الانتهاء، وليس من مصلحته التنازل حالياً في ما يتعلق بشروط الاتفاق، كما أن موعد الانتخابات الإسرائيلية أصبح قريباً ما يسوغ لنتنياهو استخدام هذه التهديدات لمصلحته الانتخابية.

يبدو الجميع في حالة ترقب حول المسارات الدبلوماسية لإدارة جو باين الجديدة في التعاطي مع ملف الاتفاق النووي، وعلى الرغم من كون طهران وتل أبيب قد عبرتا عن استعدادهما للمواجهة العسكرية، فإن ذلك يبقى مستبعداً، حسب ما يذهب إليه خبراء ومحللون.

TRT عربي