تابعنا
انكمش الاقتصاد اللبناني بنحو 30% منذ عام 2017، وفقدت عملته 90% من قيمتها، وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، وأصبح أكثر من نصف الأسر اللبنانية تحت مستوى الفقر.

انكمش الاقتصاد اللبناني بنحو 30% منذ عام 2017، وفقدت عملته 90% من قيمتها، وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، وأصبح أكثر من نصف الأسر اللبنانية تحت مستوى الفقر.

لمواجهة أزمته الاقتصادية، يحتاج لبنان إلى مساعدة مالية كبيرة. لأجل ذلك أبرمت الحكومة اللبنانية صفقة مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان 2022 بشأن قرض بقيمة 3 مليارات دولار على شكل ضرورة مُلِحة لإنقاذ اقتصاد البلاد.

لكن بعد ما يقرب من عام من توقيع الاتفاقية، لم ينفذ المسؤولون بعد الإصلاحات اللازمة لإطلاق برنامج التمويل الممتد على فترة تبلغ 46 شهراً.

من جانبه، قال إرنستو راميريز ريغو، الذي ترأس وفد صندوق النقد الدولي الذي زار لبنان يوم الخميس الماضي، إن الصندوق يعتقد بأن لبنان يقف "عند مفترق طرق، ويمر بلحظة خطيرة للغاية،" ومن غير العمل على إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الحالية، سيبقى في "أزمة لا تنتهي أبداً".

وفي وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول، أعرب صندوق النقد الدولي عن استيائه من التقدم "البطيء للغاية" الذي أحرزته الحكومة اللبنانية في تنفيذ هذه الإصلاحات. في الأثناء، تقترب الانتخابات البرلمانية والتي من المقرر إجراؤها في منتصف مايو/أيار، وجميع الأنظار تتجه نحو أعضاء البرلمان في البلاد.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما متطلبات صندوق النقد الدولي وما سبب تأخير الموافقة؟

1. معالجة سوء الإدارة

تتطلب الإصلاحات مشاركة جميع مؤسسات البلاد (الرئاسة، والحكومة، ومجلس نواب)، غير أن التقاعس السياسي يعتبر سمة بارزة للأزمة الاقتصادية اللبنانية. منذ العام الماضي، يعتبر كرسي الرئاسة شاغراً، ولا يوجد في البلاد إلا حكومة لتصريف الأعمال فقط. كل هذا وسط مأزق سياسي مستمر بين الكتل المتنافسة في البرلمان.

وكان الرئيس الأسبق ميشال عون قد غادر منصبه في 31 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن أكمل فترة ست سنوات من ولايته دون توصل نواب البرلمان إلى اتفاق حول من يخلفه.

كما أن البلاد عانت من غياب حكومة تعمل بكامل طاقتها منذ مايو/أيار الفائت، حيث يتمتع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وحكومته بسلطات محدودة في وضعهم الحالي في ظل حكومة تصريف الأعمال.

وقد نقلت المراسلتان دانا خريش وماريا إيلينا فيزكاينو لموقع بلومبرج: "قد يستغرق الأمر شهوراً حتى تتفق الطوائف الدينية والأحزاب السياسية على رئيس للوزراء، حيث تتعثر جهود تشكيل الحكومة في كثير من الأحيان في ظل مساومات سياسية بين الفرقاء".

وأضافتا أنه "بينما لا يزال بإمكان حكومة تصريف الأعمال صياغة قوانين، فإن صلاحياتها محدودة وقد لا تتمكن من التوقيع على صفقة مع الجهة الدائنة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها أو المضي قدماً في إجراءات ذات تداعيات طويلة الأمد".

وكجزء من ترتيبات التغلب على تقاعس الحكومة، قال صندوق النقد الدولي "يجب أن تركز الإصلاحات المراد منها تعزيز الشفافية على تعزيز إطار مكافحة الفساد وتحسين أداء الشركات المملوكة للدولة، وبخاصة قطاع الطاقة". وأضاف أن هذا يجب أن يشمل أيضاً عمليات تدقيق مالي على البنك المركزي ومزودي الكهرباء.

2. تنفيذ السياسة المالية

تقدر الحكومة الخسائر في القطاع المالي بأكثر من 70 مليار دولار، معظمها مستحقة للبنك المركزي. ولمعالجة هذا الأمر، يقول صندوق النقد الدولي إن لبنان يجب أن ينفذ استراتيجية مالية جديدة.

ودعا البنك الدولي لبنان إلى الجمع بين إعادة هيكلة الديون والإصلاحات وذلك من أجل "استعادة المصداقية والقدرة على التنبؤ والشفافية في إطار سياسة المالية العامة". وأضاف أن ذلك مهم أيضاً من أجل توسيع شبكة الأمان الاجتماعي التي تعد "ضرورية لحماية الفئات المهمشة".

3. إعادة هيكلة القطاع المالي

وكان صندوق النقد الدولي قد دعا لبنان أيضاً إلى الاعتراف "مقدماً بالخسائر التي تكبدتها البنوك الخاصة والبنك المركزي".

ما يريده الصندوق هو توزيع خسائر القطاع المالي بهذه الطريقة من أجل الحفاظ على حقوق صغار المودعين، والحد من اللجوء إلى أصول الدولة. إن تأخر التعافي الاقتصادي يعود إلى أسباب تتعلق بتراجع الطبقة السياسية ومديري البنوك الرئيسية عن تنفيذ هذه السياسة.

وقال ريغو "يكفي أن نقول إن الخسارة كبيرة للغاية بحيث أنه للأسف ينبغي أن يكون هناك توزيع لهذه الخسائر بين الحكومة والبنوك والمودعين".

ومع ذلك، أكد صندوق النقد الدولي أنه "لن ينسحب أبداً" من الاتفاقية التي وُضعت لمساعدة دولة عضو، وليس هناك موعد نهائي للبنان لتنفيذ الإصلاحات.

ومن أجل التعرف على الخسائر في البنوك الخاصة والبنك المركزي، يقترح صندوق النقد الدولي أن يجري لبنان تقييمات لأكبر 14 بنكاً في البلاد بمساعدة خارجية.

بالإضافة إلى ذلك، اقترح صندوق النقد الدولي أن تدقق الدولة وضع الأصول الأجنبية للبنك المركزي وإقرار قانون السرية المصرفية. كلاهما فعلته السلطات اللبنانية بالإضافة إلى إقرار ميزانية 2022.

لكن بيان صندوق النقد الدولي يوم الخميس قال إن قانون السرية المصرفية المعدل يجب تعديله مرة أخرى "لمعالجة نقاط الضعف الحرجة الواضحة فيه".

4. إنشاء نظام نقدي يعتمد على سعر الصرف

مع استمرار الإصلاحات الحكومية، وصلت قيمة الليرة اللبنانية، وفقاً للسوق، إلى أدنى مستوياتها التاريخية مقابل الدولار هذا الشهر، مما دفع المئات من المواطنين للنزول إلى الشوارع والاحتجاج على تدهور الأوضاع المعيشية يوم الأربعاء الماضي.

تتأرجح الليرة اللبنانية عند أكثر من 100 ألف مقابل الدولار، وهو انخفاض مذهل من 1507 مقابل الدولار قبل الأزمة الاقتصادية في عام 2019.

وقد كان هبوط العملة اللبنانية مدمراً لمن يتقاضون رواتبهم بالليرة المحلية في القطاع العام، وهو أمر أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود المستورد والأغذية والسلع الأساسية الأخرى. ونتيجة لذلك بدأت محلات السوبر ماركت مطلع هذا الشهر في تسعير المنتجات بالدولار بدلاً من الليرة.

فرضت البنوك اللبنانية قيوداً صارمة على سحب النقود منذ ذلك الحين، مما أدى بشكل أساسي إلى منع المودعين من مدخرات حياتهم وبالتالي إثارة حفيظة اللبنانيين.

لذلك، فإن صندوق النقد الدولي يدعو إلى "توحيد أسعار الصرف المتعددة وأن تكون مصحوبة مؤقتاً بضوابط رسمية على رأس المال".

"هذه خطوة كان البنك المركزي قد رفض اتخاذها بمفرده، إذ يريد دعماً برلمانياً وسط مخاوف من أن يؤدي التحرير الكامل للعملة إلى جولة جديدة من ارتفاع الأسعار في وقت ترتفع فيه تكاليف الغذاء والوقود"، وفقاً لتقارير لوكالة بلومبرج

لكن ريغو يصر على أن لبنان يجب أن يتحرك نحو سعر صرف تحدده السوق، بدلاً من الحفاظ على أسعار متعددة بما في ذلك سعر صرف البنك المركزي "صيرفة"، والذي لم تحدده قوى السوق.

TRT عربي