خلاف كبير وسط المنظومة الأوروبية حول حظر صادرات الغاز الروسي.  (Reuters)
تابعنا

من المرتقب أن يجتمع رؤساء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يومي 30 و31 مايو/أيار، في قمة تستحوذ الحرب في أوكرانيا، والمساعدات العسكرية للجيش الأوكراني والموقف من واردات الطاقة الروسية، على مجموع النقاشات التي ستدور خلالها، كما تكشف ذلك مسودة مسربة للأشغال التحضيرية عليها.

بينما هذه النقطة الأخيرة، أي الموقف من واردات روسيا من النفط والغاز، ستكون أبرز نقاط احتدام الخلاف بين الفرقاء الأوروبيين، والذين يسعون في أغلبهم إلى فك الارتهان الطاقي بروسيا.

وفي هذا السياق، كان قد أكد مسؤولون أوروبيون وأربعة دبلوماسيين، يوم الثلاثاء، أن التوصل إلى الاتفاق من أجل حظر النفط الروسي سيجري خلال هذا الشهر. مرجحين أن وجود مخاوف تتعلق بإمدادات الطاقة في شرق أوروبا، حسب قولهم، لا تشكل تأخيراً أو تخفيفاً لحدة المقترحات المطروحة.

غير أن خطاب رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، بقمة دافوس يوم الأربعاء، قطع الشك بيقين أنه "من غير المرجح التوصل إلى اتفاق بشأن حظر واردات الطاقة الروسية خلال القمة المرتقبة"، على حد قولها. موضحة بأنه من المرجح نهج أوروبا طريق فك الارتباط تدريجياً مع هذه الواردات، للتخلص منها بـ"نهاية العام الجاري".

بيد أن هذا القول لا يتوقع أن يخفف من حدة الصدام داخل المنظومة الأوروبية حول هذه النقطة، حيث تمانع دول أوروبا الشرقية طرح أي عقوبات على النفط والغاز الروسيين، بينما تبحث ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا عن مخرج لها من هذا المأزق في أوروبا، وتقدم النرويج نفسها بديلاً أوروبياً محتملاً. ما قد يعيد ترسيم خارطة التحالفات داخل الاتحاد القاري.

أوربان يحذر من "صدام أوروبي"!

تعتمد دول أوروبا الشرقية بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية، على رأسها المجر التي تستورد 80% من احتياجاتها من الغاز و 65% من نفطها من روسيا. الأمر الذي يفسر موقفها الحالي إزاء الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على موسكو، وكذلك عرقلتها أي قرار بشأن حظر واردات الطاقة الروسية.

فيما يمنح النظام الداخلي للاتحاد الأوروبي، الذي يحتم على أي قرار أن يتخذ بالإجماع، لهنغاريا المجال لتكون العقبة أمام أي توجه نحو سَن عقوبات أوروبية على النفط والغاز الروسيين.

وقبيل القمة الأوروبية، راسل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميتشل، محذراً من صدام سياسي قد يطرأ إذا ما جرى الدفع نحو سن عقوبات على قطاع الطاقة الروسي. مرجحاً أنه "من المستبعد" أن تحسم القمة القادمة في هذا القرار.

وقال أوربان "نظراً إلى خطورة المسائل التي ما زالت عالقة، من المستبعد إيجاد حل كامل قبل القمة الاستثنائية" لرؤساء دول وحكومات أعضاء الاتحاد الـ27 المقررة في 30 و31 مايو/أيار. وأضاف "أنا مقتنع بأن مناقشة حزمة العقوبات على مستوى الرؤساء في غياب توافق ستأتي بنتائج عكسية. ولن تؤدي سوى إلى الإضاءة على انقساماتنا الداخلية دون تقديم فرصة واقعية لحل الخلافات".

وأضاف أوربان حول طرح هذا الموضوع خلال القمة القادمة، ملمحاً إلى الانقسام الذي يمكن أن يحدث إثره بالقول: “الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي يجب أن يبقى أولويتنا“. فيما يقرب هذا التوجه بين القيادة السياسية الهنغارية ودول أخرى في أوروبا الشرقية، والذين من يمكن أن يشكلوا سويّاً كتلة داخل الاتحاد يقودها أوربان.

دول "البديل في إفريقيا"

على الجانب الآخر من كتلة أوربان، هناك الدول التي تدفع نحو التسريع في اتخاذ قرار بشأن النفط والغاز الروسيين، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا المتحررتين من الاعتماد عليه بشكل كبير، مقارنة مع اعتمادهما على الواردات الجزائرية في هذا الصدد.

تنضاف إليهما إيطاليا، التي، ورغم أنها تستورد نحو 45% من حاجاتها الغازية من روسيا، رفعت خلال الزيارة الأخيرة لرئيس وزرائها ماريو دراغي للجزائر وارداتها من الغاز الجزائري بـ9 مليارات مثر مكعب سنوياً، ليبلغ إجمالي تلك الواردات 31.5 مليار متر مكعب سنوياً.

كذلك ألمانيا، التي توجَّه مستشارها أولاف شولتز إلى السنغال، في زيارة له هي الأولى لإفريقيا، حيث أجرى مع رئيسها ماكي سال "محدثات مكثفة" حول الغاز السنغالي المكتشف حديثاً، حسب ما صرَّح به شولتز في مؤتمر صحفي يوم الأحد.

هذه الدول يمكن أن تدفع نحو تسريع عملية التخلص من الغاز الروسي، وبالتالي ستجد نفسها في مواجهة الكتلة التي يتزعمها فيكتور أوربان. وفي هذا الصدد كان رئيس الوزراء الإسباني قد قدم خطة تشجع أوروبا على حظر واردات الطاقة الروسية، قائلاً بأنه يمكن لبلاده أن تكون البديل كونها "قادرة على توريد 37% من إجمالي احتياجات أوروبا للغاز".

النرويج.. "أنا هنا"

في ظل هذا الوضع الداخلي للاتحاد الأوروبي، والذي يطغى عليه الخلاف حول مسألة الغاز الروسي، تسعى النرويج إلى تقديم نفسها في حلة المنقذ للاتحاد الأوروبي، ما قد يزيد وزنها داخل المنظومة إذا ما أتيح لها ذلك الموقع.

سنوياً تنتج النرويج حولي 122 مليار متر مكعب من الغاز، بزيادة وصلت 9 مليارات متر مكعب عن السنة الماضية. فيما يتعهد أصحاب القرار في أوسلو بأن يزيدوا إنتاجهم، إذا ما قرَّرت أوروبا حظر الغاز الروسي وفرض عقوبات عليه.

بينما تحدث هذه المساعي شقاقاً بين الحكومة المحافظة والمعارضة اليسارية، حيث يجادل حزب اليسار الاشتراكي بأن هذه المساعي التفاف حول التزامات البلاد المناخية. وقال لارس هالتبريكين، المتحدث باسم الطاقة والمناخ في حزب اليسار الاشتراكي المعارض، إن "هذه محاولة غير مبررة لاستخدام الحرب في أوكرانيا للترويج لمزيد من استخراج الوقود الأحفوري".


TRT عربي