أصبح الجيش الأوكراني متمرّساً في المعارك وأفضل تجهيزاً من ناحية المعدّات وذلك بفضل سنوات من الصراع منخفض الحدّة مع الانفصاليين المدعومين من روسيا (Valentyn Ogirenko/Reuters)
تابعنا

يُحذّر محلّلون عسكريون مِن أنّ طبول الحرب تُدَقّ الآن بين روسيا وأوكرانيا، مُنذِرةً بمعارك تُعدّ الأكثر خطورة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

ويطرح مراقبون العديد من الأسئلة حول مدى الجاهزية العسكرية للجيش الأوكراني مقارنةً بما كان عليه الحال عام 2014 عند اندلاع الحرب بين القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا، وهل تسبّبت تلك الحرب في تطوّر وتراكم الخبرات والقدرات العسكرية والميدانية لكييف، أم جعلتها منهكةً أكثر؟ وإلى أيّ مدى تستطيع الصمود في وجه اجتياح روسي محتمل؟

تصلّب التضاريس وذريعة الغزو

يستند المحذِّرون من اجتياح روسي محتمل للأراضي الأوكرانية إلى عدّة براهين. فأولاً، أقدمت روسيا مؤخّراً على حالة من الحشد العسكري الواسع، فبجانب 100 ألف جندي روسي محتشدين بالفعل قرابة الحدود الشرقية لأوكرانيا، شرعت موسكو في تدشين مستشفيات ميدانية بالمنطقة ذاتها، كما طفقت تستدعي جنودها الاحتياطيين.

ويضاف إلى ذلك عامل المناخ وانعكاساته على التضاريس شرقي أوكرانيا، حيث إنّه كثيراً ما تزامن اندلاع اشتباكات في الخطوط الأمامية في حرب أوكرانيا ضدّ الانفصاليين المدعومين من روسيا مع دخول العام الجديد، وذلك نظراً لتجمّد التضاريس الموحلة المسطّحة بجنوب شرق أوكرانيا بحلول شهر يناير/كانون الثاني، وهو ما يجعلها تصبح أكثر صلابة على نحوٍ قد يسمح للدبابات الروسية بالتوغّل في الأراضي الأوكرانية.

ويذهب فريق من المراقبين إلى فرضية مفادها أنّ روسيا تريد تحدّي أوكرانيا، لكنّها لا تريد تكبّد تكلفة شنّ حرب واسعة، ويبرهن هؤلاء على ذلك بالقول إنّ موسكو أرسلت قوات ومعدّات عسكرية إلى خط المواجهة، لكنّها لم تُرسل طائرات أو كتائب كاملة حتّى اللحظة.

كما أنّه ثمّة بُعد جيوسياسي يُضاف إلى المعادلة، وهو الدور التاريخي لأوكرانيا كحاجز بين الغرب وروسيا، ما يجعل الأخيرة تخشى من تحوّل كييف إلى التبعيّة الكاملة للغرب وربما استضافة قواعد أمريكية أو أخرى تابعة للناتو حال استعار صراعها مع موسكو، والذي بدوره يُهدد أمن روسيا بشكل مباشر.

ويشير فيودور لوكيانوف، محلّل السياسة الخارجية المقرَّب من الكرملين، إلى أنّ هذا قد يدفع موسكو إلى مجرّد التوغل السريع الذي يُشبه حربها مع جورجيا عام 2008، وذلك بُغية الجلوس على طاولة المفاوضات وفي جعبتها ما يكفي من الرصيد للتفاوض، مُضيفاً أنّه "لن يكون من الصعب إيجاد ذريعة أو افتعالها" حتّى تجتاح روسيا الأراضي الأوكرانية.

دور حرب 2014

عند اندلاع نزاع بشرق أوكرانيا قبل سبع سنوات، قاتل الجنود الأوكرانيون بأحذية رياضية مُمزَّقة، وحصلوا على تبرّعات من السترات الواقية من الرصاص، بينما غالباً ما كان قادتهم عديمي الخبرة، وهو ما تسبّب في عواقب قاتلة.

واليوم، أصبح الجيش الأوكراني متمرّساً في المعارك وأفضل تجهيزاً من ناحية المعدّات، وذلك بفضل سنوات من الصراع منخفض الحدة وزيادة الدعم المحلّي والأجنبي.

لكن مع تنامي المخاوف من تجدّد الأعمال العدائية، مدعومة بأدلّة حول كون حشد القوات الروسية الحالي هو الأكبر منذ 2014، يرى خبراء عسكريون أنّ أوكرانيا ستواجه صعوبة بالغة وضغوطاً حادة وعنيفة في حال شنّت روسيا غزواً واسع النطاق.

العسكرية الأوكرانية مقارنةً بنظيرتها الروسية

أنفقت أوكرانيا نحو 3.4% من ناتجها المحلّي الإجمالي على الدفاع في عام 2019، مسجلةً ارتفاعاً من 2.2% عام 2014، فيما أنفقت روسيا 3.9% في عام 2019. ورغم تقارب نسب الإنفاق، غير أنّ إجمالي الناتجين المحليّيْن لموسكو وكييف متباعد كلّ البُعد، وهو ما يجعل ميزانية الأولى الدفاعية نحو 65 مليار دولار، فيما تنفق أوكرانيا نحو 5.2 مليار دولار فقط، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ورغم التطوّر النسبي من الناحية العددية والتنظيمية الّذي يتمتّع به الجيش الأوكراني اليوم، وأنّه لم يعد بحاجة للاعتماد على كتائب المتطوعين الّتي استُدعيت على عجل عندما اندفعت القوات الروسية لأوّل مرة لدعم المتمرّدين المحليين عام 2014، فإنّ الكفّة لا تزال تميل بشكل كبير جداً نحو روسيا عند عقد مقارنة لعدد القوات، حيث تمتلك كييف نحو 250 ألف جندي نشط و900 ألف جندي احتياطي آخر، بينما تمتلك روسيا ما يزيد عن مليون جندي نشط ومليوني جندي احتياطي.

وفي الوقت ذاته، تحتلّ أوكرانيا المرتبة الـ13 في العالم في عدد الدبابات بـ2430 دبابة، والسابعة في عدد المدرّعات بـ11 ألف و435 مدّرعة، غير أنّ روسيا تحتلّ المرتبة الأولى عالمياً بعدد الدبابات بنحو 13 ألف دبابة، والثالثة في تصنيف المدرّعات بما يزيد على 27 ألف مدرّعة.

ورغم محاولة كييف تطوير قدراتها العسكرية من خلال عقد صفقات واسعة والحصول على دعم غربي، إضافة إلى شرائها مُسيَّرة "بيرقدار TB2" من تركيا، إلّا أنّها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدبابات والطائرات والسيارات المدرّعة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، مواجِهةً مشكلة حقيقة في عملية تحديث قواتها، على الرغم من التهديد المستمرّ من روسيا، والّتي على النقيض من ذلك شرعت في حملة تحديث واسعة النطاق منذ عام 2008.

وتفتقر أوكرانيا إلى أنظمة دفاع فعّالة مضادة للطائرات والصواريخ يمكنها التصدّي للهجمات الروسية الدقيقة على البنية التحتية والأهداف الاستراتيجية الأخرى.

عضوية الناتو

تسعى أوكرانيا بكل ما أُوتيت من سبل للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما شدّد عليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في عدّة محافل، حيث إنّ هذا من شأنه أن يُلزِم أمريكا و29 دولة أخرى بالدفاع عن أوكرانيا حال تعرّضها لهجوم من روسيا.

ويرى خبراء أنّ قبول عضوية كييف حالياً يبدو بعيد المنال، حيث لا يريد الناتو التزاماً واضحاً بالدفاع عن دولة هاجمتها روسيا بالفعل.

TRT عربي