مصر (AA)
تابعنا

جاء مشروع القانون الجديد بحزمة من التشديدات منوطةً بالحد من ظاهرة التحرش وردع المتحرشين. فقد تم إقرار عقوبة التحرش الجنسي باعتبارها جناية بدلاً من جنحة، وذلك لخطورتها الشديدة على المجتمع، ولتحقيق الردع المطلوب.

يأتي هذا علاوة على تغليظ مدة الحبس والغرامة المالية بحق المتحرشين، بحيث لا تقلّ مدة الحبس عن سنتين ولا تزيد على 7 سنوات، وتغريم الفاعل بمبلغ لا يقلّ عن 100 ألف جنيه (6400 دولار) ولا يزيد على 300 ألف جنيه (19200 دولار)، مع مضاعفة العقوبة حال العودة مجدداً إلى الجريمة.

إشادة واسعة ونقلة نوعية

لقي القانون الجديد ترحيباً وإشادةً من عدة أطراف بالمجتمع المصري. فقد صرح حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب المصري، أن تعديلات قانون العقوبات بشأن مواجهة ظاهرة التحرش تعتبر "قفزة للأمام" وليست مجرد خطوة عادية.

كما أشاد غالبية أعضاء مجلس النواب بمشروع القانون، حيث وصفوا تلك الظاهرة بـ"الخطرة للغاية" على المجتمع، وشددوا على تبعاتها وانعكاساتها النفسية على ضحايا التحرش.

ومن جانبه أكد المستشار إبراهيم الهنيدي رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، خلال الجلسة العامة للمجلس، الأحد، أن التعديل جاء لما أفرزه الواقع العملي من بعض السلبيات وعدم كفاية النصوص القائمة لتحقيق الردع بنوعيه العام والخاص.

وتابع رئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية: "مشروع القانون المعروض يعد نقلة نوعية للحد والقضاء على تلك الجرائم التي باتت تحدياً لمجتمعنا، نظراً لخطورتها الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية على المجني عليه، وذويه".

وعلقت الدكتورة آمال عبد المولى، استشارية العلاقات الأسرية، على تعديلات القانون، مفيدةً أن العقوبات التي يتضمنها مشروع القانون "ستكون بمثابة خط ردع لكل متحرش تسول له نفسه أن يقدم على هذا الفعل".

وعن واحدة من التعديلات الهامة التي تضمنها القانون الجديد، صرحت لانا أبو زيد، المساعدة الفنية لرئيسة المجلس القومي للمرأة، أنه بموجب المادة "306 مكرر أ" في قانون العقوبات الجديد، أُدِرجت جرائم التحرش الإلكتروني، واللاسلكي، وأي من وسائل التواصل الاجتماعي من ضمن قائمة الأفعال التي يعاقب عليها القانون.

تحديات في التنفيذ

أفاد مراقبون وخبراء أن سن وتشريع القوانين المختلفة لا يؤتي ثماره من دون خلق أرضية وآليات لتنفيذ تلك القوانين. كما أن آليات الردع لا تتعلق بما هو مسطر على الأوراق، بل من خلال تفعيل ما تنص عليه القوانين المصدق عليها بالفعل منذ سنوات في مصر، لكن على أرض الواقع لا يتم العمل بها، ولا تردَع ظاهرة التحرش المتزايدة.

في هذا الصدد، أعربت نهاد أبو القمصان، المحامية بالنقض ورئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، عن تحفظاتها تجاه التعديلات الجديدة لقانون التحرش، حيث تعتبر أن تغليظ العقوبات وحده غير كاف.

وتابعت المحامية بالنقض: "على السلطات المصرية أن تحرص على درجة الخصوصية وتفعيل قوانين سرية الضحايا والناجيات والمبلغين والشهود". مؤكدة أن كثيرات من الضحايا وبالأخص الفتيات يتجنبن الإبلاغ عن حوادث التحرش الجنسي خوفاً من التشهير بهن ووصمهن اجتماعياً. وهو ما تعتبره أبو القمصان لوماً غير مبرر للضحية، وتعامياً عن الجناة.

وأردفت: "هناك خطورة حقيقة لغياب الخصوصية والسرية في قضايا التحرش بمصر". حيث أكدت أن كثيراً من المتحرشين يتربصون بالضحايا ويحاولون تهديدهن وأسرهن بكل السبل حتى يتراجعن عن بلاغاتهن. ولو لم يتراجعن يقوم هؤلاء المتحرشون بالتشهير بضحاياهم لردعهم بأي صورة. وضربت أبو القمصان مثلاً على ذلك بحادث طعن فتاة بمركز تسوق من قبل جانٍ كان قد سبق أن قدمت فيه بلاغاً بشأن حادثة تحرش. إلا أن السلطات لم تتخذ تدابير حقيقة لحمايتها والحفاظ على حياتها.

وأنهت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة تصريحاتها مؤكدةً أن المستجد في القانون الجديد من تعقب لجرائم التحرش الإلكترونية لن يكون مجدياً على أرض الواقع. حيث عللت بأن مباحث الإنترنت لا تقوم بعملها على أكمل وجه، لذا يصبح القانون مختلاً وظيفياً لعدم وجود آليات فعالة لتنفيذه. وأردفت: "نقوم بعمل بلاغات بحق متحرشين إلكترونيين، فيستغرق الأمر ما يزيد عن 6 أشهر لكي تتحرك مباحث الإنترنت".

علاج للعرض وليس لأسباب المرض

وفي لقاء بُث على القناة الأولى المصرية، علقت الدكتورة آمال عبد المولى، استشارية العلاقات الأسرية، على تعديلات قانون العقوبات لتغليظ عقوبة التحرش مفيدةّ أنه من المهم علاج المرض نفسه وليس فقط أعراضه الجانبية. حيث تناولت في حديثها الأهمية القصوى لدور الأسرة في أثناء التنشئة، ودور الرعاية الإرشادية في الحد من ظاهرة التحرش.

وأفادت عبد المولى: "دور المجتمع والأسرة لا يقل أهمية عن هذا القانون". "هذا إلى جانب دور الرعاية الإرشادية المتمثلة فى دورات داخل المؤسسات العقابية لتوعية من جرى تطبيق القانون عليهم لإعادة تأهيلهم".

أفادت هالة مصطفى، منسقة مبادرة "شفت تحرش"، بأن المجتمع ليس مهيئاً بعد لنبذ التحرش بشكل جماعي. وأكدت أن الأمر يحتاج في الأساس إلى إرادة شعبية حقيقية لإنفاذه وتطبيقه، ومن دون ذلك لن يكون هناك أية جدوى حقيقية على أرض الواقع.

وأضافت مصطفى أنه من المهم للغاية تعميم وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة الداخلية وتفعيلها في أقسام الشرطة المصرية. وأكدت أنه بالرغم من نص القوانين السابقة على وجود ضابطات متخصصات داخل أقسام الشرطة لمتابعة حالات التحرش، فإنه لا يتم تطبيق ذلك.

يذكر أن جريدة "النيويورك تايمز" كانت قد نشرت تحقيقاً أثار ضجة واسعة، حيث سلط الضوء على وقائع انتهاكات حدثت لفتيات مصريات توجهن لأسباب متعددة للتعامل مع منظومة العدالة الجنائية في مصر، إلا أنهن تعرضن للتحرش والانتهاك الجنسي داخل أقسام الشرطة المصرية ومن قبل مسؤولين كان من المفترض أنهم مؤتمنون على حمايتهن.

TRT عربي