هواجس مغاربية لـ2022.. عودة الحرب إلى ليبيا وكابوس التوتر بين المغرب والجزائر (Hazem Ahmed/AP)
تابعنا

ورثت سنة 2022 عن سابقتها توترات لا تزال تهدّد استقرار المنطقة المغاربية التي لم تكُن أكثر انقساماً مما هي عليه الآن، أمام مخاوف حقيقية من الانزلاق نحو دوامة العنف مجدداً في أحد بلدانها على الأقلّ.

فلا تزال ليبيا تعيش مخاض تأجيل الانتخابات والشقاقات بين ولاءات مؤسسات الدولة المهترئة، في وضع أمني هشّ تسارع الأطراف المتنافسة حوله إلى التلويح بأسلحتها كلما احتدم النقاش السياسي.

وفي تونس تستمرّ حالة الاستثناء المعلنة من الرئيس قيس سعيد في وضع الديمقراطية الوليدة بالبلاد أمام محكّ الانتكاسة الجديدة، مع استمرار الانتهاكات الحقوقية ضد معارضيه، فيما تهدِّد القطيعة بين المغرب والجزائر، التي تحولت إلى سباق غير مسبوق، السلم بين البلدين الجارين.

ليبيا.. سلام هشّ واستمرار الشقاق

ختمت سنة 2021 أيامها في ليبيا على غير ما قررته في منتصفها بإجراء انتخابات رئاسية كان مزمعاً في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ قرَّر البرلمان الليبي المنعقد في طبرق تأجيل تلك الانتخابات لـ"قوة قاهرة" حالت دونها، حسب بيان مفوضية الانتخابات الليبية.

وأعلنت المفوضية يوم 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قرارها تأجيل موعد إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مقترحة "وبالتنسيق مع مجلس النواب تأجيل يوم الاقتراع إلى 24 من شهر يناير/ كانون الثاني 2022، على أن يتولى مجلس النواب اتخاذ الإجراءات بإزالة "القوة القاهرة" التي تواجه استكمال العملية الانتخابية".

في ذات السياق كانت اللجنة الانتخابية البرلمانية الليبية أعلنت يوماً عن "استحالة" إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها". وقال وقال الهادي الصغير رئيس اللجنة في خطاب رسمي موجه إلى رئيس مجلس النواب، إنه "استناداً إلى الاجتماعات واللقاءات مع مفوضية الانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء وكل الأطراف المعنية، وبعد اطلاعنا على التقارير الفنية والقضائية والأمنية، نفيدكم باستحالة إجراء الانتخابات في الموعد المقرر في 24 من ديسمبر/كانون الأول".

تأتي هذه التحركات تفادياً لعودة شبح الحرب إلى البلاد مع تجدُّد الاشتباكات بين أمراء الحرب المتنازعين على كعكة الرئاسة، أبرزها ما اندلع مؤخراً من اشتباكات في مدينة سبها، أبانت عن التطاحن القائم في الولاءات بين حفتر والوافد القديم-الجديد إسلام القذافي.

بيد أن هذا التأجيل يكشف عن خطر آخر، هو الانقسام الجديد بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، إذ يتهم هذا الأخير الأول بـ"اتخاذ قرارات أحادية" وعدم الامتثال لبنود الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية التي أتى بها اتفاق الصخيرات المغربية سنة 2015. فيما لا يزال البرلمان الليبي يتدارس إخراج خارطة طريق لإدارة المرحلة المقبلة، بما فيها تشكيل حكومة جديدة للبلاد.

ما قد يزيد مخاوف الوقوع فيما حذّر منه سابقاً مقال سابق لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، بأنه "أياً كان الحال، عُقدت (الانتخابات) أم لم تُعقَد، فهناك مخاطر من العنف السياسي". واستند الكاتب في ذلك إلى عدد من المؤشرات على الأرض، أبرزها عودة انتشار المسلحين والتراشق بينهم بالتهديدات، واستمرار "القوات الموالية لخليفة حفتر، المرشح نفسه، في حشد قواتها في الجنوب".

تونس.. الاستثناء الذي يهدد الديمقراطية

ولا تزال الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي بحلّ الحكومة القائمة وانفراده السلطة التنفيذية، وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وكذلك ترؤُّسه النيابة العمومية، استناداً إلى الفصل 80 من الدستور المنظم لحالة الاستثناء، تثير قلقاً واسعاً بشأن الديمقراطية الوليدة في تونس.

ما اعتبره حزب النهضة المكون الرئيسي للحكومة المنحلة "انقلاباً" على الشرعية الانتخابية، ورفض "ائتلاف الكرامة" وقتها قرارات سعيد داعياً الشعب "للدفاع عن حريته وثورة شهدائه". كما عبَّرت حكومات عدد من الدول عن قلقها إزاء ما وقع.

فيما لا تُظهِر توجهات سعيد منذ ذلك الوقت أي انفراج لعودة الديمقراطية إلى البلاد، إذ عمل على تعزيز سلطاته بالاستحواذ على صلاحيات جديدة، فقرر في في 22 سبتمبر/أيلول، إلغاء "هيئة مراقبة دستورية القوانين"، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، معززاً صلاحياته على حساب البرلمان والحكومة.

وشنت السلطات التونسية حملة عنف واعتقالات استهدفت رافضي هذه القرارات، ضمنهم الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي الذي سُحب جواز سفره وأُدينَ غيابيّاً بأربع سنوات سجن بتهمة "الاعتداء الخارجي على أمن الدولة"، كما اعتدى "البوليس السياسي" جسدياً على شقيقه، حسب وصف المرزوقي. كما اختُطف النائب البرلماني عن حزب النهضة نور الدين البحيري، واعتُدي على أسرته بالضرب، في وقائع حمّلت "النهضة" المسؤولية فيها لسعيد.

وقال رئيس حزب النهضة ورئيس البرلمان التونسي المنحلّ راشد الغنوشي، إن سعيد "يريد تونس بلا أحزاب، فيها صوت واحد هو صوت الرئيس، ودولة في يد شخص يديرها مثلما يشاء، يشكّل القانون ويلغي الدستور ويقيل الحكومة ويحلّ مجلس النواب ليكون حاكماً على كل شيء".

المغرب والجزائر.. قطيعة وسباق نحو التسليح

بلغت التوترات بين المغرب والجزائر قمّتها سنة 2021، بعد إعلان الجزائر في 24 أغسطس/آب الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها الغربية، لما وصفه وزير خارجيتها آنذاك بـ"أعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة (يعملها المغرب) ضدّ بلدنا، وذلك منذ الاستقلال".

فيما ردّت الحكومة المغربية بأسفها لهذا القرار "غير المبرر تماماً"، واعتبرت على لسان خارجيتها في بيان أن القرار كان "متوقَّعاً بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة"، مشددة على رفضها ما سمَّته "المبررات الزائفة". في المقابل أمعنت الجزائر في قطيعتها بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، ورفضها أي محاولة وساطة عربية أو دولية لمعالجة الأمر.

في ظل هذه التوترات فتح إعلام البلدين جبهة حرب كلامية بينهما، كما كثّف البلدان جهودهما العسكرية عبر توالي المناورات التي جمعت الجيش الجزائري مع نظيريه الروسي والمغربي مع الأمريكي. كما أعلن كل منهما سباقاً نحو التسلح، فأوردت تقارير تَسلُّم الجزائر منظومة الدفاع الجوي الروسية "S-400"، كما خصصت الحكومة المغربية ميزانية غير مسبوقة بلغت 12.4 مليار دولار لتسليح قواتها وتعزيز قدراتها الدفاعية.

وقع المغرب وإسرائيل اتفاقية دفاع مشترك تُعَدّ سابقة في علاقات أي بلد عربي بدولة الاحتلال، إذ توفّر هذه الاتفاقية "إطاراً صلباً يضفي الطابع الرسمي على العلاقات الدفاعية بين البلدين، ويضع أساساً يدعم أي تعاون مستقبليّ"، وستمكن "المؤسسات الدفاعية في البلدين من التمتع بتعاون متزايد في مجالات الاستخبارات والصناعة والتدريب العسكري وغير ذلك"، حسب بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية.

فيما تزداد مخاوف من انزلاق الأوضاع بين البلدين الجارين نحو الصدام، مع غياب أي سبل للتهدئة ورفض الطرف الجزائري الوساطة التي من شأنها حلحلة التوتر المتصاعد.

TRT عربي