ورقة في يد كلّ مرشح.. أين يقف المسلمون في الانتخابات الفرنسية؟ (Stephane De Sakutin/AFP)
تابعنا

مع تصدّر مرشحين من المعسكر اليميني، نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، المزمع إجراؤها الأحد، تحوّلت قضية الإسلام والمسلمين في فرنسا إلى أهم القضايا المتنافس عليها بين المرشحين من مختلف التيارات، لاجتذاب عدد أكبر من أصوات الفرنسيين الذي يحمل جزء منهم مشاعر العداء والكراهية لهذه الطائفة، نتيجة سنوات من الخطابات التحريضية السياسية والإعلامية ضدهم.

وبالرغم من أن اقتراب موعد الانتخابات والإجراءات التعسفية التي نفذتها السلطات الفرنسية، قد دفعت الكثير من المسلمين إلى مغادرة فرنسا التي بدأ يضيق فيها العيش عليهم يوماً بعد يوم، إلا أنّ الكثير منهم لا يزال حائراً وممزقاً بين خيارات أحلاها مر.

وقد لا تعني النتيجة وفق ذلك، بالنسبة لهم الكثير، حيث أن جميع المرشّحين على اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، يكادون يشتركون في ذات الخطاب المعادي لهم والمحرّض ضدهم.

مسلمو فرنسا.. أيتام النظام السياسي

يرى المسلمون في فرنسا أنه لا أحد من المرشحين الحاليين للانتخابات الرئاسية المقبلة، يملك برنامجاً يستحقّ فيه الحصول على أصوات المسلمين، بما فيهم أولئك الذين لم يتاجروا بـ"الإسلاموفوبيا" ولكنهم في الوقت ذاته، التزموا الصمت حيال الإساءة والتحريض الذي يتعرّض لها المسلمون باستمرار، وذلك لكي لا يجازفوا بخسارة ناخبيهم العنصريين.

وعند دراسة الخيارات المطروحة أمامهم، يتّهم المسلمون الرئيس الفرنسي الحالي والمرشح للانتخابات المقبلة إيمانويل ماكرون، بخيانة وعوده لناخبيه عام 2017، لا سيما المسلمين منهم.

حيث إن ماكرون الذي روّج لنفسه في انتخابات 2017 كأحد أصوات التجديد، وقدّم نفسه "كرئيس حديث سيحارب توترات الهوية"، سرعان ما جنح لاحقاً نحو المعسكر اليميني وشنّ هجوماً شديداً غير مسبوق على المسلمين، بل إنه زايد في ذلك على بقية المرشحين اليمينيين. وأمر بسنّ العديد من القوانين والإجراءات التعسفية بدءاً من "قانون الانفصالية" الذي كان له السبق في سَنّه، وصولاً إلى تصريحاته المعادية للإسلام في قوله إن "الإسلام في أزمة"، ودعمه الصور المسيئة للرسول مُحمّد عليه السلام، وحلّ جمعيات لمسلمين بينها "التجمّع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا"، المناهض للعنصرية ضد المسلمين، وإغلاق عدد كبير من المساجد في وقت قصير، وغيرها من القرارات التعسفية.

ويطرح بعض المسلمين في المقابل، دعم المعسكر اليساري لتهدئة الحرب التي يشنّها اليمينيون عليهم. ويتصدّر في هذا الإطار اسم المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلينشون، زعيم حزب "فرنسا الأبيَّة"، كخيار ممكن بالنسبة لهم في الانتخابات الرئاسية. حيث إن ميلينشون كان من بين المنتقدين والمعارضين لقانون الانفصالية، وانضمّ عام 2019 إلى عشرات الآلاف من المسلمين والنشطاء السياسيين في مظاهرة ضد الإسلاموفوبيا.

واستنكر ميلينشون مؤخراً ازدراء ماكرون لهذه الأقليات، كما اتهمه ببثّ الفوضى في المدارس بمنهجه في إصلاح التعليم. واعتبر ميلينشون أن ماكرون والمرشحة اليمينية مارين لوبان متشابهان تشابهاً تاماً.

وبحسب ما لفت إليه محللون ومراقبون، فإن ميلينشون، بالرغم مما يمثّله كخيار بديل، قد يواجه عقبة كبيرة أمام الحصول على تأييد المسلمين له، تتمثل أساساً في دعمه للماركسيين اللينينيين، وحتى دعمهه للحركات الإرهابية، على غرار تنظيم PKK الإرهابي.

ولا تُعدّ فاليري بيكريس، مرشحة الجمهوريين، أيضاً خياراً مناسباً بالنسبة لمسلمي فرنسا، حسب رأيهم، حيث إن الأخيرة لم تفوّت الفرصة في خطاباتها الانتخابية للمزايدة على ماكرون وعلى بقية المرشحين اليمينيين في إبداء العداء للمسلمين. بل إنها اتهمت الرئيس الفرنسي بالتغاضي عن "الإسلاموية".

ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة للمسلمين، أمام الخطابات التحريضية والعدائية التي يطلقها مرشحو اليمين التقليدي أو المتطرّف، والذين يُعدّ أبرزهم في هذا السباق الانتخابي، إيريك زمور ومارين لوبان، زعيمة حزب "التجمّع الوطني".

وقد توعّد زمور المسلمين بقرارات أكثر عنصرية وتشديداً، في حال نجح في الظفر بالحكم، كتغيير أسمائهم في فرنسا ومنعهم من تسمية أبنائهم "مُحمّد" وغيرها من القرارات. ويتبنى كلٌّ مِن زمور ولوبان نظرية "الاستبدال العظيم"، التي تروّج لفكرة أن شعوباً أجنبية، من بينها المسلمون، ستحلّ محلّ الشعب الفرنسي، لاستقطاب ناخبي اليمين المتطرّف.

المقاطعة أم المغادرة.. ما خيارات المسلمين؟

مع إعلان المجلس الدستوري الفرنسي لائحة المرشحين الاثني عشر المؤهلين لخوض الانتخابات الرئاسية، تصبح الخيارات أمام مسلمي فرنسا متقاربة تقريباً، وتعني النتيجة ذاتها في اعتقادهم، وهي الاستهداف والتضييق المستمر.

وقد أظهرت أحدث استطلاعات للرأي، استمرار تصدّر ماكرون لمنافسيه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما كشف استطلاع للرأي، أجراه معهد إيفوب لصالح صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، عن كون ماكرون وماري لوبان أكثر المرشحين حظوظاً للتأهّل للجولة النهائية.

ما يعني أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة قد تقود شخصية يمينية إلى قصر الإيليزيه.

وعلى ضوء هذه النتائج، يجادل محللون ومراقبون، أن "الامتناع الفعلي" عن خوض الانتخابات، قد يكون حلاً حقيقياً أمام المسلمين لخلق تغيير أو التزام سياسي تجاههم.

فيما يرى البعض من المسلمين، أن مغادرة البلاد ربما تكون الحلّ الأفضل بالنسبة لهم.

وفي هذا السياق، تحدّث تقرير سابق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان "رحيل في الخفاء لمسلمي فرنسا"، عن أن تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل ملحوظ في فرنسا، وتطورها في غالب الأحيان إلى أعمال عنف ضد المسلمين، إلى جانب خطابات الكراهية والتحريض للمرشحين للانتخابات الرئاسية 2022 قد دفعت المسلمين إلى مغادرة البلاد، التي أصبح البقاء فيها ضرباً من المعافرة مع العنصريين.

TRT عربي