وساطة أنقرة بين السودان وإثيوبيا.. الدبلوماسية التركية تنشط في شرق إفريقيا (AA)
تابعنا

شهدت العاصمة الصربية بلغراد لقاء ضم وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي على هامش قمة دول عدم الانحياز في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وغرد جاوش أوغلو بعد اللقاء مؤكداً أن دعم بلاده للسودان "سيستمر"، وهو ما أعاد إلى التداول الوساطة التي عرضتها أنقرة في حل النزاع الحدودي بين كل من إثيوبيا والسودان في منطقة الفشقة.

الوساطة التركية

كان الإعلان عن العرض التركي للقيام بوساطة بين السودان وإثيوبيا على خلفية نزاعهما على مثلث الفشقة الحدودي أحد مخرجات القمة الإثيوبية التركية، التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي في أثناء زيارة الأخير إلى أنقرة في 18 أغسطس/آب الماضي.

ووفقاً للرئيس التركي أردوغان فقد تم طرح الموضوع على الجانب السوداني في أثناء زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى أنقرة في 12 أغسطس/آب الماضي.

وتمثل هذه الوساطة عودة لافتة للدبلوماسية التركية في أحد الملفات الشائكة في شرق إفريقيا، والذي هددت تداعياته طوال الأشهر الفائتة باندلاع حرب حدودية بين الدولتين المحوريتين في المنطقة.

أوراق القوة التركية

رغم مرور قرابة الشهرين منذ الإعلان عن الوساطة فإنه لم تنشر حتى الآن أية تفاصيل تتعلق ببنودها، وهو ما قد يُعزى إلى محاولة الخروج بصيغة مقنعة للطرفين بالنظر إلى تعقيدات هذه القضية.

ورغم هذه التعقيدات فإن لأنقرة أوراق قوة تدعم قيامها بهذا الدور من أبرزها: العلاقات الجيدة التي تتمتع بها أنقرة مع كل من الخرطوم وأديس أبابا، والتي بدأت تعود إلى التعافي إثر حالة من البرود مرت بها عقب التغييرات السياسية في البلدين، والتي تمثلت بإسقاط نظام البشير في ديسمبر 2019 في السودان، وصعود آبي أحمد إلى سدة رئاسة الوزراء في أديس أبابا.

بالإضافة لخبرة أنقرة الكبيرة في الوساطة بين الأطراف المتنازعة ضمن أدوات قوتها الناعمة، يدعمها الوجود الدبلوماسي التاريخي في كل من الخرطوم وأديس أبابا.

كما عزز دور وساطة أنقرة، حاجة كل من السودان وإثيوبيا إلى تنشيط الدور الاقتصادي التركي من خلال ضخ الاستثمارات التركية، وهو ما أكده نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في زيارته إلى أنقرة في مايو/أيار الماضي، كما احتل الاقتصاد جانباً هاماً من جدول أعمال زيارة آبي أحمد إلى أنقرة، ولا سيما مع المصاعب الاقتصادية التي تعانيها بلاده نتيجة الحرب وآثار كوفيد-19.

بالإضافة لكل ذلك، يأتي تأكيد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك سلمية الحل لقضية النزاع الحدودي السوداني الإثيوبي من خلال التفاوض والحوار، وإصدار الفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة السوداني بياناً لفت فيه إلى أن "الحكومة ترحب بأي مبادرة لمعالجة القضايا مع الجارة إثيوبيا، من دون المساس والتفريط في أي شبر من أرض السودان"، إشارة إلى فتح الباب أمام مبادرات الوساطة ومنها التركية.

العوائق أمام المبادرة التركية

وبجانب أوراق القوة التي تدعم المبادرة التركية هناك مجموعة من المعيقات التي قد تقف في طريق وساطة أنقرة، تتمثل أهمها في: تعقيدات ملف الفشقة وارتباطه بعوامل سياسية واقتصادية وديموغرافية مرتبطة بخلفيات مواقف أطراف الصراع وارتباطها بالتوازنات الداخلية للقوى السياسية المختلفة، بالإضافة إلى خصوبة المنطقة وأهميتها في تحصيل الأمن الغذائي ومحاصيلها التصديرية ولا سيما بالنسبة لإثيوبيا وإقليم أمحرة الشريك الأهم لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

كما يعقد فرص الحل، ارتباط ملف الفشقة بالنزاع السوداني المصري الإثيوبي حول سد النهضة، والذي تشهد المفاوضات حوله انسداداً منذ فترة طويلة مع عجز الأطراف عن التوصل إلى صيغة مرضية، وفرض أديس أبابا لوقائع على الأرض تحرج كلاً من القاهرة والخرطوم وتضيق خيارات التفاوض أمامهما مع إثيوبيا.

فشل وساطة أبو ظبي

لم تكن مبادرة أنقرة الأولى من نوعها ففي سياق الأزمة المركّبة التي يعيشها الإقليم، أعلن مجلس الوزراء السوداني في 23 مارس/آذار الماضي ترحيبه "المبدئي" بالوساطة التي تقدمت بها الإمارات، ولم تلبث بضعة أشهر حتى أوردت قناة الشرق عن مصدر في المجلس السيادي السوداني إعلام أبو ظبي للخرطوم بسحب مبادرتها للوساطة في النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، دون إعلان رسمي عن ذلك إثر رفض سوداني لها.

وفي تسجيل فيديو نشره وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر يوسف (سلك) في 14 مايو/أيار الماضي، ذكر أن المبادرة تقوم على ثلاثة بنود أساسية: تكثيف العلامات الحدودية بين البلدين على أساس اتفاقيات 1902، وتوفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين، ووقف التصعيد الحربي والإعلامي بين الخرطوم وأديس أبابا.

وفي توضيحه للنقطة الثانية ذكر أن أبو ظبي اقترحت أن تقوم بتمويل مشروع تنموي يتضمن بنى تحتية وجسوراً يستفيد منه المزارعون من البلدين والمموّل الإماراتي، وفقاً لنسب يقسم على أساسها العائد من المشروع.

وبعده بأيام ذكر وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريح لموقع محلي أن الإمارات لم تتقدم بتعهدات واضحة في مؤتمر باريس في انتظار حسم مصير المبادرة، وأن الحديث يجري حول استثمارات إماراتية بقيمة 8 مليارات دولار في "أراضي الفشقة المستردة".

ومبكراً في 6 أبريل/نيسان أعلن عضو مجلس السيادة مالك عقار في ندوة بالخرطوم أن الإمارات تريد تقسيم الفشقة "25% و25%" دون توضيح تفاصيل هذه الأرقام، مبيناً رفضه القاطع لهذه المبادرة "السخيفة" حسب تعبيره.

ووفقاً لتقارير إعلامية مختلفة فقد تم الحديث عن تقسيم الفشقة بصيغتين مختلفتين: الأولى تنص على 40% للسودان و40% للإمارات و20% للمزراعين الإثيوبيين، والثانية 25% للسودان و25% للمزارعين الإثيوبيين و50% للإمارات.

كما قوبلت المبادرة الإماراتية برفض شعبي منذ وقت مبكر عبر عنه تجمع أهل القضارف في السودان في أواخر مارس/آذار الماضي، معللاً ذلك بأنه "لم يتم إشراكنا ونرفض أي مبادرة لم نشارك فيها"، كما أعلن تجمّع الأجسام المطلبية واللجان الأهلية الخاصة بأراضي الفشقة في بيان رفضه المبادرة.

وأثار الغموض الذي أحاط بالمبادرة الكثير من الجدل شعبياً حيث تمت مطالبة الحكومة بكشف بنود المبادرة للعموم، كما أبدى السودانيون تخوفهم من عودة المزارعين الإثيوبيين إلى الفشقة بعد تحريرها، ومن محاولة أبو ظبي استغلال الحاجة السودانية إلى الاستثمارات وربط ذلك بتقسيم الفشقة، ما عدوه مساً بالسيادة الوطنية.

يبدو أن الوساطة التركية بين السودان وإثيوبيا ما تزال في مرحلة التشكل، غير أن نجاح الوساطة التركية سيمثل نجاحاً دبلوماسياً كبيراً وتعزيزاً لدور أنقرة كلاعب رئيسي في القرن الإفريقي.

TRT عربي