كيف هددت ولاية ماكرون بتفكيك وحدة فرنسا؟ (Theo Rouby/AFP)
تابعنا

في زيارة له الثلاثاء لكورسيكا، دعا وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان سكان الجزيرة إلى الهدوء ووقف الاحتجاجات، مؤكداً في تصريح له أن فرنسا مستعدة "للوصول إلى حد منح حكم ذاتي" للجزيرة، وشدَّد على أن "الشرط المسبق لأي مفاوضات بين المسؤولين المنتخبين في كورسيكا والحكومة، هو عودة الهدوء"، لأنه "لا يمكن حصول حوار صريح في نظام ديمقراطي تحت ضغط المقذوفات"، حسب تعبيره.

وتشهد الجزيرة الفرنسية منذ 2 مارس/آذار احتجاجات قوية، تخللتها أعمال عنف وصدامات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، احتجاجاً على الاعتداء الذي تَعرَّض له الناشط الانفصالي إيفان كولونا بأحد السجون الفرنسية. ورفع المتظاهرون شعارات تصف الحكومة بـ"القاتلة" وتطالب باستقلال الجزيرة.

وليست مظاهرات كورسيكا الوحيدة التي حملت تلك الشعارات ومطالبات الانفصال، مع أنها كانت الأكثر صراحة في ذلك. بل منذ الصيف الماضي أدت سياسات حكومة ماكرون إلى احتجاجات اجتماعية في الجزر الفرنسية "ما وراء البحار" حملت هي الأخرى هذا النوع من المطالب.

إحياء الانفصال في كورسيكا

أحيت احتجاجات كورسيكا الإحساس القومي الانفصالي داخل الجزيرة، هذا عبّرَت عنه سلمياً رفرفة الأعلام الاستقلالية وشعارات تصوّر السلطات الفرنسية "سفاحة ومستعمرة". وعُبّر عنه كذلك بعنف في مهاجمة المباني الحكومية ورجال الأمن الفرنسيين.

ووثّقَت مقاطع فيديو اشتعال اللهب في مبنى محكمة أجاكسيو، كما وثّقت متظاهرين يجوبون تلك الشوارع تتقدمهم جرافة يستعملونها لتخريب البنوك والصرافات الآلية. وقالت السلطات المحلية إن 14 شخصاً أصيبوا في أجاكسيو وحدها، بينهم صحافي في محطة "TF1" التليفزيونية الفرنسية أصيب في ساقه.

فيما تعود هذه الأحداث بالجزيرة إلى سنوات نشاط حركاتها الانفصالية العنيفة، على رأسها "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا"، التي طبعت تاريخها عمليات التفجير والاغتيالات والاختطافات. فيما أثارت مسألة العلاقات مع فرنسا، يؤكده ذلك رئيس المجلس الإداري لكورسيكا جيل سيميوني، الذي دعا الحكومة الفرنسية إلى فتح "نقاش سياسي جديد والاعتراف بأن في كورسيكا مسألة عالقة".

الأنتيل تبحث عن رد الاعتبار

قبل كورسيكا عرف شهر نوفمبر/تشرين الثاني انفجار الأوضاع في جزر الأنتيل الفرنسية، رداً على القيود الصحية التي فرضتها عليهم الحكومة في باريس. وقتها عرفت كل من جزيرتَي غوادلوب ومارتينيك إضرابات واسعة ومظاهرات، وأعمال عنف وصدامات دموية، وصف معها الرئيس ماكرون تلك الأوضاع بـ"المتفجرة".

فيما قال المحتجون إن تلك القيود الصحية لم تكن إلا القشة التي قصمت تماسكهم أمام سنوات من التهميش والإقصاء الممنهج الذي تمارسه عليهم الحكومة المركزية في باريس، إذ تعرف غوادلوب نسباً مرتفعة من البطالة والفقر، وضعف البنية التحتية وانسداد أفق العيش لشبابها.

إضافة إلى هذا تعرف تلك الجزر انتشار أمراض السرطان بشدة، ذلك للاستخدام المكثف لمادة الكلورديكون السامة في زراعات الموز هناك، حيث تحمّل فاعليات مدنية بغوادلوب ومارتينيك المسؤولية للحكومة الفرنسية، التي رخصت لاستعمال تلك المبيدات رغم أنها حُرّمت دولياً في سبعينيات القرن الماضي.

ساد وقتها تخوُّف في باريس من تحوُّل تلك الاحتجاجات إلى مطالبات بالانفصال، فيما طرح المسؤولون المحليون قضية حصولهما على الحكم الذاتي. وردّ وزير ما وراء البحار الفرنسي سيباستيان لوكورنو: "في رأيهم يمكن أن تدير غوادلوب نفسها أفضل (...). الحكومة مستعدة للحديث عن ذلك، ما دامت هذه النقاشات تعمل على حل المشكلات الحقيقية" لسكان غوادلوب.

كاليدونيا الجديدة والضغوط لاستقلالها

تعيش كاليدونيا الجديدة كذلك تحت وقع جريمة جماعية اقترفتها في حقها الحكومة الفرنسية، باستخدام أراضيها كمسرح لـ193 تجربة نووية بين عامَي 1966 و1996، إذ تَعرَّض سكان هذه الجزر في المحيط الهادئ لتسمُّم إشعاعي تسبب في انتشار كبير لأمراض السرطان هناك.

فيما تُعَدّ النزعة الانفصالية في تلك المنطقة عريقة، فإنها عادت للبروز في إطار توتُّر العلاقات بين فرنسا ودول حلف "أوكوس" العسكري، في إطار ضغوط دولية لاستقلال الإقليم، تَمثَّل بإدراج الأمم المتحدة له على لائحة "المطالبة بإنهاء الاستعمار".

وعرفت كاليدونيا الجديدة إجراء استفتاء ثالث للانفصال في ديسمبر/كانون الأول الماضي، انتهى بانتصار خيار البقاء تحت السيادة الفرنسية. استفتاء قاطعه الانفصاليون رداً على رفض باريس تأجيل موعده الذي أتى متزامناً مع "اليوم الوطني لحداد الكاناك"، واعتُبر تشبث الحكومة الفرنسية بذلك مهيناً لهذه الإثنية من السكان الأصليين لتلك الجزر.

TRT عربي
الأكثر تداولاً