تابعنا
يقول الخبير الاقتصادي أسامة القاضي لـ TRT عربي، إن "معظم عملاء بنك سيليكون فالي من شركات الإلكترونيات والمعلومات لذلك سيكونون أول المتأثرين.

يعد انهيار بنك سيليكون فالي من أبرز الانهيارات المصرفية في أمريكا منذ الأزمة المالية عام 2008، كما أن تأثيره حسب مراقبين وخبراء اقتصاديين سيكون كبيراً على قطاع التكنولوجيا والشركات العاملة فيه مثل شركة روبلكس المصنّعة للألعاب الرقمية، وشركات أخرى مثل: سيركل وبلوكفي وROKU وغيرها.

في هذا الصدد يقول عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي في السعودية، في حديثه مع TRT عربي، إن: "النمو المتميز لقطاع التكنولوجيا يعزى إلى حجم الائتمان الذي وفره بنك وادي السيليكون، ولذلك من الطبيعي أن يتأثر قطاع الصناعات التكنولوجية ولا سيّما العامل في قطاع المعلومات نتيجة هذا الانهيار".

وعن إمكانية وجود بدائل أخرى يقول المصبح: "لن تحصل هذه الشركات على قروض من بنوك أخرى لأن هذا البنك كان يقدم قروضاً بمخاطر مرتفعة وتحمل النتائج، بعكس البنوك الأخرى التي ليس لديها الشجاعة الكافية اليوم لتحل محل وادي السيليكون وتحمُّل المخاطر الناتجة عن دعم الشركات الناشئة".

وعمل بنك سيليكون فالي من ولاية كاليفورنيا نحو 40 عاماً، حتى بات يوصف بأنه "بنك المؤسسين"، كما أنه كان يتفاخر بأن قرابة نصف شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة التي يمولها مستثمرون أمريكيون من بين عملائه، حتى إن صحيفة "فورتشن" المالية قالت في تقرير لها إن "البنك لديه حسابات لأكثر من 50% من الشركات الناشئة عالية المخاطرة في أمريكا وحدها، وإن أنشطة الاستثمار الجريء وحصص الملكية في المشروعات الناشئة تُقدر بنحو 56% من إجمالي نشاط البنك عالمياً".

وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي أسامة القاضي لـ TRT عربي، إن "معظم عملاء بنك سيليكون فالي من شركات الإلكترونيات والمعلومات لذلك سيكونون أول المتأثرين، فعلى سبيل المثال، نحو 5٪ من الرصيد النقدي في شركة روبلكس المشهورة في مجال الألعاب الإلكترونية محتجز في البنك، إضافة إلى الأوراق المالية البالغة 3 مليارات دولار".

وأضاف القاضي "أيضاً شركة يوكو المصنعة لأجهزة البث، والتي تحتفظ بنحو487 مليون دولار، أي 26 ٪ من النقد في ودائع لدى البنك، وكذلك شركات تكنولوجية كثيرة من عملاء البنك تواجه مصاعب مع البنك مثل جو إنك وشركة روكيت لاب وألكامي تكنولوجي".

وشهد البنك خلال تلك الفترة، تحوّل شريحة كبيرة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا إلى شركات عملاقة ، ومثال ذلك شركات غوغل وأبل وفيسبوك وغيرها.

وكانت مجلة "إيكونوميست" ذكرت في تقرير لها أن بنك سيليكون فالي هو البنك الـ16 من حيث الحجم في أميركا بأصول تبلغ 200 مليار دولار، وأنه مُقرض كبير للشركات الناشئة الكبيرة في قطاع التكنولوجيا بوادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا.

تدخل البنك الفيدرالي

أعرب الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي، عن اعتقاده أن "تدخل البنك الفيدرالي مهم حتى لا تكون في البنوك الأخرى انهيارات كبيرة، كما تدخل سابقاً وأنقذ عديداً من البنوك والشركات وبخاصة شركات تصنيع السيارات التي عانت من إشكالية الإفلاس، إذ جرت إعانتها بقروض ميسرة وتدخل حكومي".

وأضاف في حديثه إلى TRT عربي قائلاً "لا أعتقد أن البنك الفيدرالي سيُفرط ببنك سيليكون فالي، لأنه يقدم قروضاً كثيرة لشركات التكنولوجيا، ما سيؤثر على الشركات الكبيرة والمتوسطة بشكل هائل في حال انهياره التام وبالتالي سيؤدي إلى البطالة والعوز والفقر، وعندها ستضطر الحكومة إلى التدخل من أجل إنقاذ العاطلين عن العمل".

ووسط كل ذلك، فإن انهيار بنك سيليكون فالي يعني خسارة قطاع التكنولوجيا لأحد أكبر مموليه وداعميه الماليين، فهذا البنك كان يقدم القروض وكل الإمكانات التي تحتاجها أي شركة ناشئة في مجال التقنيات والتكنولوجيا، في حين يرى خبراء السوق التقني أن انهيار سيليكون فالي سيؤدي إلى القضاء على مجموعة من الشركات الناشئة والتي في طور التأسيس، لأنها خسرت ممولها الرئيسي والداعم لقطاع التكنولوجيا، إذ كان ركناً أساسيا في بيئة الشركات الناشئة، وله علاقات قوية مع المؤسسين والمستثمرين.

ووفقاً للخبير في مجال التكنولوجيا باسل البدر، فإن بنك سيليكون فالي "تخصص في إقراض الأعمال التجارية في مراحلها المبكرة، وجمع ما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأمريكية التي أُدرِجت في أسواق الأسهم في العام 2022".

وأوضح في حديثه إلى TRT عربي، أن "الأساليب التي نفذها البنك على مدار السنوات الماضية جريئة، لكن بالنظر إلى النتائج المُحققة، فإن الأعمال التجارية مع 44% من شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأمريكية التي طُرحت للاكتتاب العام الأخير، حققت نمواً بشكل عام".

لماذا شهدنا انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي؟

في السابق وإبان فترة الصعود الكبير لسوق المال التقني كشركات أمازون وفيسبوك وآبل، وسوق التشفير خاصة سوق العملات الرقمية وكل ما يرتبط بها من شركات التعدين الرقمية، حظي البنك بفرصة الحصول على 100 مليار لملء خزائنه.

بسبب هذا المبلغ الكبير وفي ظل أسعار الفائدة المنخفضة بشكل قياسي في أمريكا استثمر البنك في سندات الخزانة الأمريكية.

من حيث المبدأ تعتبر هذه السندات أكثر أشكال الاستثمار المالي أماناً في الأحوال العادية. فهي أوراق حكومية تستحق الدفع بعد بضع سنوات تكون محددة سلفاً ولا يمكن استرداد المال قبل الوصول إلى الوقت المحدد في عقد الشراء.

ومن المعلوم أن هذه السندات تكون ذات قيمة عند أسعار الفائدة المنخفضة، ومع توجه الحكومة الأمريكية في سنة 2022 إلى رفع الفائدة، بدأت هذه السندات تفقد جزءاً من قيمتها، ولأن سيليكون فالي لا يمكنه إعادة السندات وبيعها قبل انتهاء المدة، بدأ المودعون التخوف.

ولتأمين هذه المبالغ لتلبية طلبات عملائه، اضطر البنك إلى بيع جزء من السندات الحكومية التي بحوزته ليعيد إلى المودعين أموالهم، إذ وصلت خسارته إلى 1.8 مليار دولار أمريكي.

وفور إعلان هذه الخسارة أصابت موجة من الهلع المستثمرين فيه، وسارعوا خلال أسبوع واحد إلى سحب أموالهم وبالتالي تعرض البنك للاستنزاف.

ففي 9 مارس/آذار 2023، توجهت مجموعة كبيرة من العملاء لسحب ودائعهم من البنك بمقدار يعادل 42 مليار دولار، مما أدى إلى هبوط حاد بقيمة أسهم البنك تجاوزت 60%، ما دفع البنك الفيدرالي إلى التدخل والاستحواذ عليه في 10مارس.

وهذا ما أشار إليه عماد الدين المصبح قائلاً، إن "أحد أهم أسباب الانهيار محاولة المودعين دفعة واحدة استرداد أموالهم، مما جرّ البنك إلى تسييل أوراقه المالية بخسائر قدرت بـأربعة مليارات دولار، ما دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخل بوقف عمليات البنك خشية مزيد من الانهيار، وخشية انتقال العدوى إلى بنوك أخرى ولا سيّما الكبيرة منها".

وربط كثيرون بين انهيار بنك سيليكون فالي والدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً منصة "تويتر" في فضح هذا الانهيار، إذ لجأ أصحاب الأموال البارزين إلى هذه المنصة لإطلاق التحذيرات بخصوص ما يمر به البنك.

وقال خبراء في مجال التكنولوجيا، إن "البنك كان يعمل بهدوء، وأمّن جزءاً جيداً من السيولة المطلوبة، والأمور كانت تبدو على ما يرام، لكنّ الشعرة التي قصمت ظهر البعير كان انتشار الخبر على تويتر، ما أدى إلى انخفاض سعر السهم وانتشار الذعر، فهبت الشركات الناشئة إلى سحب أموالها، وصار المطلوب أكثر من الموجود، ما أدى إلى خسارة السهم معظم قيمته، ودفع بالسلطات إلى التدخل ووضع يدها على البنك".

TRT عربي