الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جرائم عدّة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة (Getty Images)
تابعنا

ما إن أعلنت ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أنها تريد فتح تحقيق شامل بخصوص جرائم حرب محتملة ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية من قِبل إسرائيل، حتى سارعت الأخيرة بالغضب والاستنكار معتبرة أن الخطوة "لا ترتكز على أي أساس"، وما هي إلا ساعات على الإعلان حتى حذت الولايات المتحدة الأمريكية حذو تل أبيب وأبدت معارضتها بـ"حزم" لفتح التحقيق.

فاتو بنسودا قالت إن "جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب" في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل والقدس الشرقية وقطاع غزة، وطلبت من المحكمة الدولية حكماً بخصوص الأراضي المشمولة ضمن صلاحياتها. وجاء الأمر بعد دراسة أولية للمحكمة في قضية رفعها الفلسطينيون عام 2015 بخصوص "جرائم حرب" يتهمون إسرائيل بارتكابها.

ووفرت الدراسة المبدئية معلومات كافية تحقق كل المعايير اللازمة لفتح تحقيق، حسب المدعية العامة للمحكمة الدولية التي أعلنت أنها على "قناعة بوجود أساس معقول لبدء تحقيق يخدم مصالح العدالة"، لكنها لم تحدد طبيعة الجرائم.

احتمال كبير للإدانة

المختصة في العلاقات الدولية سهى حسن الخطيب، تقول في حديث إلى TRT عربي، إن "المحكمة قد تبحث في جرائم الاغتيالات وعمليات الإعدام الميدانية على الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية وإعدام المتظاهرين في مسيرات العودة في قطاع غزة واستهداف الصحفيين، وقد يصل الأمر إلى محاسبتها على استخدام أسلحة محرمة دولياً خلال حروبها على غزة إن ثبت ذلك".

وتقول الخطيب إنه "وفقاً لأركان الجرائم في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية بما يتضمن المواد (6-8)، فإن باستطاعة الفلسطينيين أن يتقدموا بالمئات بل بالآلاف من قضايا جرائم الحراب"، مؤكدة أن تلك القضايا قد تطال شخصيات سياسية وعسكرية من إسرائيل، وقد يشمل ذلك رؤساء أركان سابقين وحاليين ورؤساء جهاز الشاباك ووزراء الحرب ووزراء الخارجية ووزراء التربية والتعليم ووزراء البناء والإسكان ورؤساء مجالس المستوطنات.

وتشير الخطيب إلى "وجود سوابق قضاء دولية بجرائم حرب اضطرت على إثرها وزيرة خارجية إسرائيل في الفترة ما بين 2006-2009 تسيبي ليفني، حيث كان لها دور في الحرب على غزة خلال عامي 2008-2009، إلى إلغاء سفرها لكل من بروكسل ولندن خوفاً من استدعائها للتحقيق ومحاكمتها بتهمة جرائم حرب".

تخوُّف إسرائيلي

الانزعاج الإسرائيلي من القرار عكَس الخوف من كشف الوجه الحقيقي للاحتلال، الذي ينتهك حقوق الإنسان ويخرق القانون الدولي، ويرى مراقبون أن محاولات التهرب والتنصل الإسرائيلي ليس سوى "اعتراف ضمني بالجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين على الملأ".

ويعكس حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاولات التهرب، إذ قال إن "المحكمة الجنائية الدولية لا تضم إسرائيل في عضويتها، وليس لديها صلاحية للنظر في هذه القضية"، وإن قرار بنسودا "أداة سياسية لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل"، حسب صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.

ووصف نتنياهو إعلان المدعية العامة بأنه "قرار شائن"، وأمعن في تهميش السيادة الفلسطينية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، حين قال إن "المحكمة الجنائية الدولية لديها صلاحيات للنظر في قضايا مرفوعة من قبل دول ذات سيادة فقط. لكن لم توجد دولة فلسطينية أبداً".

هذا يوم أسود للحقيقة والعدالة، تحويل المحكمة الدولية إلى سلاح سياسي في الحرب ضد إسرائيل.

من رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى زعماء العالم

وأضاف زاعماً: "لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة، ولهذا هم ليسوا مؤهلين للحصول على عضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية".

وتقول الصحيفة إن المحكمة ستحقق في إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المتظاهرين الفلسطينيين في مسيرات العودة، كما تعتبر بناء المستوطنات جريمة حرب، وتعتزم التحقيق مع المسؤولين عن البناء في المستوطنات وتوطين الإسرائيليين في الضفة.

وتنوه الصحيفة بأنه "إذ فتحت المحكمة تحقيقات في جرائم حرب فستكون النتيجة فتح الباب أمام اتهامات ضد إسرائيل من قِبل كل فلسطيني".

ثقافة الانتقام

وظهر العنف في ردود الفعل الإسرائيلية، إذ طالب وزير المواصلات الإسرائيلي بتسليئيل سموتريتيش بهدم قرية فلسطينية كل يوم والقضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية، انتقاماً من قرار المحكمة، وإذا لم تتراجع السلطة عن القضية التي رفعتها ضد إسرائيل.

وفي رأي قانوني صدر يوم الجمعة، قال المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت إن "الفلسطينيين لا يستوفون معايير الدولة لأنهم لا يتمتعون بالسيادة على حدود محددة"، زاعماً أن "الفلسطينيين يسعون إلى خرق الإطار المتفق عليه بين الطرفين ودفع المحكمة لتحديد القضايا السياسية التي ينبغي حلها عن طريق المفاوضات وليس بإجراءات جنائية".

الموقف الإسرائيلي الرافض رافقه موقف أمريكي مناهض للقرار أيضاً، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة تعارض "بحزم" فتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية، مضيفاً أن واشنطن ترفض أي عمل يسعى لاستهداف إسرائيل "بطريقة غير منصفة"، على حد مزاعمه.

ترحيب فلسطيني

القرار كان له صدى كبير على المستويين الرسمي والشعبي في فلسطين، إذ أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة، عن ترحيبه بقرار المحكمة، واصفاً إياه بـ"اليوم التاريخي، إذ أصبح بإمكان أي فلسطيني أصيب جراء الاحتلال أن يرفع قضية أمام المحكمة الجنائية".

وأضاف: "بعد أربع سنوات من العمل والمتابعة الحثيثة، وتقديم كل ما يلزم حول جرائم الاحتلال المرتكبة في حق شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، صدر اليوم القرار لأن المحكمة كانت تتابع الحيثيات والقوانين والقضايا وتدرسها".

أما رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، فقد وعد بأن تقوم حكومته ببذل كل جهد قانوني لمحاكمة إسرائيل على جرائمها في الضفة وغزة والقدس، معتبراً خطوة المحكمة "تحولاً كبيراً ولافتاً في تعامل المحكمة مع الانتهاكات الإسرائيلية، وانتصاراً للحق والعدل على غطرسة القوة".

من جانبه، وصف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، خطوة الجنائية الدولية بأنها "يوم أسود في تاريخ إسرائيل".

فيما اعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن الخطوة من شأنها وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، وتساهم في منعها وصولاً إلى إحقاق العدالة.

وعلى صعيد الفصائل، رحبت حركة حماس بقرار المحكمة، معتبرة إياها "خطوةً في الاتجاه الصحيح".

قرار محكمة الجنايات الدولية خطوة تعتبر الأولى من نوعها للمضي قدماً نحو فتح التحقيق الجنائي الذي طال انتظاره في الجرائم التي ارتُكبت وترتكب في أرض دولة فلسطين المحتلة.

وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية

وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم إن "الخطوة تعكس انكشاف طبيعة الاحتلال الإسرائيلي لدى المنظومة الدولية، وحجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ووضوح الحقيقة التي حاول الاحتلال الإسرائيلي إخفاءها، واستخدم كل أدواته لتضليل الرأي العام العالمي والعدالة والمؤسسات الدولية".

الخطيب تقول إن باستطاعة الفلسطينيين أن يتقدموا بالمئات بل بالآلاف من قضايا جرائم الحرب (TRT Arabi)
الرئيس الفلسطيني رحب بالقرار وقال إنه "يوم تاريخي" (Getty Images)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً