الصومال استدعى في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي سفيره من كينيا وطالب السفير الكيني بالرحيل (Pool New/Reuters)
تابعنا

شهدت الأيام الماضية تطورات دراماتيكية في العلاقة بين الجارتين كينيا والصومال توجت بقطع مقديشو للعلاقات الدبلوماسية مع نيروبي، ما مثل فصلاً جديداً في التوتر المتصاعد منذ سنوات نتيجة الخلاف على ملفات أهمها النزاع البحري الحدودي بين البلدين.

وكان الصومال قد استدعى في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي سفيره من كينيا وطالب السفير الكيني بمغادرة البلاد، على خلفية احتجاج مقديشو على "تدخل نيروبي الصارخ في الشؤون الداخلية للبلاد".

وتلا ذلك دعوة رسمية من نيروبي لرئيس "أرض الصومال" لزيارة كينيا ولقائه بالرئيس أهوروو كينياتا، الذي أعقبه مباشرة إعلان الصومال قطع العلاقات مع كينيا والطلب من البعثة الدبلوماسية الكينية مغادرة البلاد خلال أسبوع.

الكنوز الهيدروكربونية مفتاح الخلاف

يمثل الخلاف بين الصومال وكينيا على مناطق بحرية غنية بكميات هائلة من مخزونات الغاز والنفط وجهاً مماثلاً لسيناريو الصراع في شرق المتوسط، وإن لم ينل حظه من الاهتمام الدولي.

ويشكل مثلث بحري تزيد مساحته على 100 ألف كيلومتر مربع على المحيط الهندي محور الصراع الحالي بين بلدين لطالما اتسمت علاقاتهما بالتقلب، ويعود الخلاف بين كينيا والصومال إلى تحديد الاتجاه الذي تمتد فيه حدود البلدين إلى المحيط الهندي.

يجادل الصومال بأن الحدود البحرية يجب أن تستمر في نفس اتجاه المسار الجنوبي الشرقي للحدود البرية، في حين تصر كينيا على أن الحدود يجب أن تأخذ منعطفاً يبلغ 45 درجة تقريباً عند الخط الساحلي، ممَّا يتيح لها الوصول إلى جزء أكبر من البحر.

وبالفعل طبقت كينيا رؤيتها الحدودية من طرف واحد عام 2005 مستغلة انهيار الدولة في الصومال، وفي أبريل/نيسان 2009 وقع الطرفان مذكرة تفاهم بشأن النزاع الحدودي البحري، ما لبث البرلمان الصومالي أن ألغاها بعد عامين واصفاً إياها بالانتقاص من الحقوق السيادية للصومال.

على أن ذلك لم يمنع كينيا من منح ترخيص ثمانية امتيازات بحرية، سبعة منها تقع في المناطق المتنازع عليها، لشركات فرنسية وأمريكية وإيطالية عام 2012، وهو ما أثار غضب مقديشو التي رفعت الأمر إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع بين البلدين في أغسطس/آب 2014.
وأدت الظروف المتعلقة بفيروس كورونا إلى تأجيل المحكمة إصدار قرارها الذي كان متوقعاً في يونيو/حزيران هذا العام إلى مارس/آذار من العام المقبل.

ولم يقتصر الخلاف على العاصمتين الشرق إفريقتين، إذ انقسمت دول راغبة في استثمار المخزونات هيدروكربونية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج بين المعسكرين المتنازعين.

فأظهرت بريطانيا دعمها لمقديشو نتيجة انجذاب الحكومة الكينية نحو المصالح الأمريكية الصينية مقارنة بالبريطانية وللعلاقة الاستثمارية القديمة لبريتش بتروليوم مع الصومال ما قبل 1991، في حين تنحاز الولايات المتحدة إلى كينيا لشراكة البلدين في "الحرب على الإرهاب"، وللاستفادة المتوقعة للشركات الأمريكية من التنقيب عن النفط والغاز إذا تم العثور عليهما في الأراضي المتنازع عليها داخل المنطقة البحرية لكينيا.

ويبدو أن هذا ما دفع واشنطن إلى مطالبة الصومال بسحب قضية النزاع الحدودي البحري من محكمة العدل الدولية، وفقاً لتصريحات كايل مكارتر سفير أمريكا لدى كينيا، الذي أكد أن رؤية واشنطن تقوم على حل الخلاف عن طريق التفاوض، متذرعاً بأن التحدي الأكبر حالياً هو هزيمة حركة الشباب.


المنطقة المتنازع عليها بين الصومال وكينيا (Others)

كينيا وأدوات الصراع

تصريح السفير الأمريكي السابق يعبر عن جوهر الموقف الكيني المطالب بمعالجة النزاع الحدودي من خلال التفاوض بين الطرفين أو توسيط الاتحاد الإفريقي، وهو ما جوبه بتمسك صومالي بالمسار القضائي، ما جعل العلاقة بينهما تدور في حلقة مفرغة من التوتر والهدوء المستمرين.

ويبدو أن امتلاك الصومال لحجج قانونية صلبة دفع كينيا إلى استخدام أدوات ضغط مختلفة على مقديشو، منها اتهام الحكومة المركزية في الصومال بتقاعسها وعدم جديتها في مكافحة نشاطات حركة الشباب ضدها.

ولكينيا وجود عسكري مباشر في الصومال منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2011، حين دخلت القوات الكينية إلى الجارة الشمالبة في أعقاب اختطاف الحركة المسلحة عمال إغاثة في البلاد، ثم قررت نيروبي المشاركة في بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال (أميصوم)، وهو التدخل الذي أرجعه بعض المراقبين إلى رغبة كينيا في الحفاظ على أمن المناطق النفطية المتنازع عليها.

محاولة استخدام كينيا لقواتها في الضغط على مقديشو وضحه وزير الإعلام الصومالي عثمان أبو بكر دوبي، الذي ذكر في مؤتمر صحفي في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري أن من أسباب خفض علاقات بلاده الدبلوماسية مع كينيا سحب الأخيرة قواتها المنضوية تحت "الأميصوم" من مواقع استراتيجية دون التنسيق مع الحكومة الفيدرالية وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.

ولبناء قاعدة نفوذ لها داخل الصومال عملت نيروبي على تمتين علاقاتها مع إقليم "جوبا لاند" الصومالي شبه المستقل المحادد لها، واستخدامه كمنطقة عازلة أمام مقديشو من جهة، ونشاط حركة الشباب من جهة أخرى.

فقامت نيروبي ببناء وتدريب جيش جوبالاند، كما ساندت القوات الكينية رئيس إقليم جوبا لاند أحمد إسلان المعروف بمادوبي لإعادة سيطرته على كيسمايو عاصمة الإقليم عام 2012، ودعمت انتخابه رئيساً لجوبا لاند في دورتي 2015 و2019، أمام معارضة يتشاركها الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حيث يدعو فرماجو إلى نظام الحكم المركزي، في حين يصر مادوبي على ترسيخ النظام الفيدرالي الذي يمنح استقلالية للأقاليم في إدارة شؤونها.

الجدير بالذكر أن فبراير/شباط من العام الماضي شهد أزمة دبلوماسية حادة بين الطرفين، حين قامت كينيا بطرد السفير الصومالي لديها واستدعاء سفيرها لدى مقديشو، ورغم عودة العلاقات بينهما لاحقاً فقد ظل التوتر المستمر سمتها الرئيسية.

جندي من جماعة رأس كمبوني يراقب الأنشطة في ميناء كيسمايو عاصمة إقليم جوبا لاند (رويترز) (Reuters)

فرماجو والهروب إلى الأمام

توتر آخر يعيشه الصومال الآن مرتبط بالاستحقاق الانتخابي القادم، حيث كان يفترض عقد الانتخابات البرلمانية بين 1 و27 ديسمبر/كانون الثاني الحالي، في حين تُجرى انتخابات رئيسي مجلسي الشعب والشيوخ ونائبيها والانتخابات الرئاسية بين 1 يناير/ كانون الثاني و8 فبراير/شباط القادم.

تصاعد هذا التوتر على خلفية تشكيل رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لجاناً لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة والإشراف عليها، ممّا فجّر معارضة كبيرة على أكثر من مستوى، حيث أنتقد رئيس مجلس الشيوخ عبده عبد الله حاشي بشدّة طريقة تعيين ممثلي صوماليلاند في هذه اللجان، وشكك في التزامهم بالنزاهة باعتبارهم موظفين في أجهزة رسمية.

كما أصدر 12 مرشحاً رئاسياً في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بياناً صحفياً مشتركاً يطالبون فيه بإجراء تعديلات على اللجان الانتخابية، وذلك بسحب الموظفين الحكوميين والضباط الأمنيين من التشكيلة الحالية للجان وإلاّ فسيقاطعون خوض الانتخابات الرئاسية.

وفي خطوة تصعيدية أخرى تم تشكيل اتحاد المرشحين الصوماليين المعارض أواخر الشهر نفسه، الذي أصدر بياناً بعد استدعاء الصومال سفيره في نيروبي أعرب فيه عن قلقه البالغ من التأثيرات السلبية لتوتر العلاقات بين الصومال وكينيا على التجار والطلبة واللاجئين الصوماليين هناك، وكذلك المقيمين والمسافرين إلى الأراضي الكينية، محذراً في الوقت نفسه من تأزيم علاقات الصومال مع جيرانه وتوظيف ذلك في الحملة الانتخابية للرئيس محمد عبد الله فرماجو.

الأزمة السياسية العميقة التي يمر بها الصومال الآن والمعارضة الشرسة التي يواجهها الرئيس الصومالي دفعتا بعض المراقبين إلى تفسير التصعيد الصومالي الكيني الأخير بسياسة الهروب إلى الأمام، ورغبة فرماجو في صرف الأنظار عن الأزمة الداخلية، بجانب استغلال المشاعر الوطنية أمام عدو خارجي في صنع اصطفاف شعبي حوله.





TRT عربي
الأكثر تداولاً