الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (Others)
تابعنا

بين الأنباء عن سحب المبادرة الإماراتية للوساطة بين إثيوبيا والسودان وانطلاق مناورات "حماة النيل" في السودان تزداد حرارة الأجواء السياسية في منطقة وادي النيل.


ومع إصرار إثيوبيا على ملء سد النهضة في الشهر القادم ورفض كل من القاهرة والخرطوم حدوث ذلك دون اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة، تزداد كثافة الضباب الحائل دون رؤية الخطوة السياسية القادمة رغم الصيف الحار في هذا الوقت من السنة في الإقليم!

حماة النيل

في نقلة نوعية للتعاون العسكري بين القاهرة والخرطوم، تنطلق في السودان، يوم الأربعاء 26 مايو/أيار، مناورات "حماة النيل" التي ستستمر لخمسة أيام بمشاركة جيشي البلدين.

وأعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية العميد تامر الرفاعي في تغريدة في 22 من الشهر نفسه وصول القوات المصرية إلى السودان، "بهدف تأكيد الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين"، مبيناً مشاركة الأذرع العسكرية كافة براً وبحراً وجواً في المناورات.

في حين أصدر الجيش السوداني بياناً وضح فيه أن مناورة "حماة النيل" تأتي "كامتدادٍ للتعاون التدريبي المشترك بين البلدين، وقد سبقتها "نسور النيل" 1 و2، وتهدف جميعها إلى تبادل الخبرات العسكرية وتعزيز التعاون وتوحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين".

وكان من اللافت أنه في يوم إعلان المناورات كشفت مصادر محلية في ولاية القضارف السودانية لموقع "الجزيرة نت" عن وجود حشود كبيرة للقوات الإثيوبية قدرتها بـ4 آلاف جندي مسلحين بآليات حربية خفيفة وثقيلة، في عدة مواقع على الشريط الحدودي، وأنها تتمركز في منطقتي الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى الحدوديتين.

في حين علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي على مناورت "حماة النيل" بالقول: "يمكن للبلدين فعل ما يريدانه معًا"، مضيفًا أنه "من حق الدولتين إجراء تدريبات عسكرية. ونحن لدينا قوات مسلحة قوية وقادرة على حفظ أمن وسيادة إثيوبيا وردع أي عدوان خارجي".

وقال مفتي، في مؤتمر صحافي بمناسبة ذكرى تأسيس "منظمة الوحدة الأفريقية" في أديس أبابا: "على الجانب الإثيوبي، يجب أن نعلم أن لدينا دفاعاً على مدار 24 ساعة".

وشهدت الأشهر الأخيرة، بالتوازي مع الانسداد في ملفي سد النهضة والنزاع السوداني الإثيوبي في الفشقة، تصاعداً في العلاقات المصرية السودانية حيث وقع الطرفان اتفاقية عسكرية للدفاع المشترك في مارس/آذار الماضي، كما شارك السودان لأول مرة في مناورات سيف العرب ونسور النيل 1و2 في مصر، في حين عدت إثيوبيا هذه الخطوات موجهة ضدها.

هل اقتربت ساعة الصفر؟

وفقاً للعديد من المراقبين تعد هذه المناورات لافتة على أكثر من صعيد، فمن حيث حجم القوات المشاركة ورغم عدم التصريح برقم معين فإن الفريق عبد الله البشير نائب رئيس أركان الجيش السوداني قال في تصريحات: إن "القوات المشتركة ليست بالقليلة".

وكذلك من حيث تنوع الاختصاصات العسكرية حيث ستشارك أذرع القوات المسلحة براً وبحراً وجواً في المناورات، التي ستشمل مناطق متعددة في السودان، وهو ما يعد خطوة متقدمة عن مناورات نسور النيل 1و2 التي اقتصرت على سلاح الجو.

كما كان التوقيت هاماً إذ تأتي هذه المناورات في لحظة وصلت فيها التوترات بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي إلى أعلى مستوياتها، بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق في كينشاسا الشهر الماضي، وفي ظل إصرار إثيوبيا على ملء ثانٍ لسد النهضة في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، وإن لو لم تتوصل إلى اتفاق، وهو ما ترفضه كل من الخرطوم والقاهرة.

ورغم تصريح الفريق البشير أن "التدريبات ليست معنية بشيء بعينه، وسد النهضة يمكن هو جديد، والتدريبات غير مرتبطة به"، فإن مجمل الظروف المحيطة بها أدت إلى ربط اسمها "حماة النيل" بأشد التهديدات التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لهجة في ما يتعلق بملف سد النهضة.

حيث ذكر في 30 مارس/آذار الماضي أن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".

نسور النيل 2 في أبريل/نيسان المضي (القوات المسلحة المصرية)

ومع الإعلان عن المناورات ضجت شبكات التواصل الاجتماعي المصرية بتوقعات ودعوات لتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة، باعتباره الفرصة الأخيرة والنهائية للقضاء على التهديد الوجودي الذي يمثله السد على مصر، وفقاً لهم، إذ ستضمحل هذه الإمكانية بعد الملء الثاني.

غير أن آراء العديد المراقبين نحت منحى آخر يضع هذه التوقعات في خانة الاحتمال غير المرجح، ولا سيما في ظل الأوضاع المعقدة التي تعيشها إثيوبيا والسودان والتي تؤثر على جاهزية كل منهما للحرب.

حيث تعاني إثيوبيا من ظروف داخلية سيئة تأتي في مقدمتها الحرب التي لم تنطفئ أوراها في إقليم تيغراي، بجانب العديد من الصراعات الإثنية العابرة لأقاليم البلاد، في حين أن السودان يمر بفترة انتقالية تعاني من الهشاشة العسكرية والأمنية.

كما أن الأوضاع الاقتصادية في السودان لا تتيح الفرصة لتمويل حرب، خاصة أن القوى الدولية غير راغبة في انزلاق المنطقة في أتون اشتباك عسكري يهدد استقرار الإقليم بأكمله، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى حلحلة ملف تيغراي كمدخل لتفكيك ملفات المنطقة المشتعلة.

كل هذه العوامل تكبح من الاندفاع نحو العمل العسكري، وتضع هذه المناورات في خانة الضغوط على إثيوبيا للتنازل في طاولة المفاوضات، ما يبدو صعب التحقق نظراً لقدرة إثيوبيا عملياً على فرض أمر واقع خلال السنوات الماضية، وهو ما يضع الخرطوم والقاهرة أمام اختبار جدي تكاد تنعدم فيه الخيارات.

المبادرة الغامضة

وفي سياق الأزمة المركّبة التي يعيشها الإقليم، لم يكن من المفاجئ ما أوردته قناة الشرق عن مصدر في المجلس السيادي السوداني حول إعلام أبو ظبي للخرطوم بسحب مبادرتها للوساطة في النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، دون إعلان رسمي عن ذلك.

ورغم الغموض الذي أحيطت به إذ لم تُعلن بنودها رسمياً، فإن تتبع ما ورد على لسان بعض المسؤولين السودانيين يقود إلى تلمس ملامحها العامة.

ففي تسجيل فيديو نشره وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر يوسف (سلك) في 14 مايو/أيار الجاري، ذكر أن المبادرة تقوم على ثلاثة بنود أساسية: تكثيف العلامات الحدودية بين البلدين على أساس اتفاقيات 1902، وتوفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين، ووقف التصعيد الحربي والإعلامي بين الخرطوم وأديس أبابا.

وفي توضيحه للنقطة الثانية ذكر أن أبو ظبي اقترحت أن تقوم بتمويل مشروع تنموي يتضمن بنى تحتية وجسوراً يستفيد منه المزارعون من البلدين والمموّل الإماراتي، وفقاً لنسب يقسم على أساسها العائد من المشروع

وبعده بأيام ذكر وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريح لموقع محلي أن الإمارات لم تتقدم بتعهدات واضحة في مؤتمر باريس في انتظار حسم مصير المبادرة، وأن الحديث يجري حول استثمارات إماراتية بقيمة 8 مليارات دولار في "أراضي الفشقة المستردة".

ومبكراً في 6 أبريل/نيسان أعلن عضو مجلس السيادة مالك عقار في ندوة بالخرطوم أن الإمارات تريد تقسيم الفشقة "25% و25%" دون توضيح تفاصيل هذه الأرقام، مبيناً رفضه القاطع لهذه المبادرة "السخيفة" حسب تعبيره.

ووفقاً لتقارير إعلامية مختلفة فقد تم الحديث عن تقسيم الفشقة بصيغتين مختلفتين: الأولى تنص على 40% للسودان و40% للإمارات و20% للمزراعين الإثيوبيين، والثانية 25% للسودان و25% للمزارعين الإثيوبيين و50% للإمارات.

رفض شعبي ورسمي

منذ وقت مبكر لم تُقابل المبادرة بالترحيب شعبياً حيث رفضها تجمع أهل القضارف في السودان في أواخر مارس/آذار الماضي، معللاً ذلك بأنه "لم يتم إشراكنا ونرفض أي مبادرة لم نشارك فيها"، كما أعلن تجمّع الأجسام المطلبية واللجان الأهلية الخاصة بأراضي الفشقة في بيان رفضه المبادرة.

وأثار الغموض الذي أحاط بالمبادرة الكثير من الجدل شعبياً حيث تمت مطالبة الحكومة بكشف بنود المبادرة للعموم، كما أبدى السودانيون تخوفهم من عودة المزارعين الإثيوبيين إلى الفشقة بعد تحريرها، ومن محاولة أبو ظبي استغلال الحاجة السودانية إلى الاستثمارات وربط ذلك بتقسيم الفشقة، ما عدوه مساً بالسيادة الوطنية.

على المستوى الرسمي ووفقاً للوزير خالد عمر يوسف فقد درس مجلس الأمن والدفاع المبادرة في 5 اجتماعات، وكان ردّه الذي سلّمه للوسيط الإماراتي، هو أن يتم وضع العلامات الحدودية أولاً، ثم بعد ذلك ينظر في بقية النقاط الواردة في المبادرة.

والجدير بالذكر أن الوزير كان ضمن الوفد الذي توجه برئاسة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني إلى أبو ظبي في 10 مايو/أيار لإبلاغها بالرد السوداني على المبادرة الإماراتية، وهو ما أعلنت الأخيرة احترمها له وفقاً لما ذكره موقع قناة الشرق.

وأعلنت الإمارات في يناير/كانون الثاني الماضي رغبتها في التدخّل لتخفيف حدة التوتر على الحدود بين السودان وإثيوبيا، وزار وفد منها كلاً من الخرطوم وأديس أبابا، للاستماع إلى وجهتي النظر، غير أن المبادرة لم تتحرك عملياً إلا في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، وبداية أبريل/نيسان الحالي.

TRT عربي