شهدت سنوات حكم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ثورة في العلاقات الهندية الإفريقية في مواجهة النفوذ الصيني.  (Dibyangshu Sarkar/AFP)
تابعنا

احتلت إفريقيا في الآونة الأخيرة مكانة متقدمة كساحة لتنافس القوى الدولية الراغبة في تعزيز مكاسبها الاستراتيجية هناك، وحجب زخم صراع الولايات المتحدة والصين في المنطقة المنافسة المتزايدة بين الأخيرة والهند.

ولا ترى نيودلهي في التصاعد المستمر للصين في إفريقيا استراتيجية اقتصادية فقط، بل محاولة لتطويقها وتهديد مصالحها في مناطق لطالما عُدت مساحات نفوذ حيوي للهند، بدءاً من المحيط المسمى باسمها وصولاً إلى شرق إفريقيا.

لماذا إفريقيا؟

تعد القارة السمراء سوقاً هامة تحتوي الكثير من الفرص التي تتطلع إليها نيودلهي،حيث تضم العديد من الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، كما تشير الأرقام إلى أنها ستوفر 1.52 مليار مستهلك بحلول عام 2025، مع طبقة وسطى صاعدة آخذة في الاتساع.

كما تتوفر القارة على كميات هائلة من الثروات الطبيعية الحيوية للهند، وعلى سبيل المثال تعكس إحصاءات واردات النفط الهندية الخام لعام 2014 أن الهند حصلت على 16 بالمئة من استهلاكها من إفريقيا، كما شهدت واردات الهند النفط من إفريقيا قفزة إلى 26% تقريباً في عام 2015.

القوة الناعمة البوابة الخلفية للنفوذ

أمام "دبلوماسية الديون" الصينية تعمل الهند على تطوير أدوات قوتها الناعمة في إفريقيا، ومن ذلك تبني خطاب يقوم على دعمها للديمقراطية ومكافحة الاستعمار والعنصرية، وخلق علاقات بين الطرفين تقوم على دعم الأفارقة للاستفادة من الإمكانيات التي تستطيع نيودلهي تقديمها.

وهو ما تبلور في خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في العاصمة الأوغندية كمبالا في يوليو/تموز 2018 حيث حدد 10 نقاط للاستراتيجية الهندية تجاه إفريقيا، ضمت بجانب كون إفريقيا من بين الأولويات القصوى للهند، صناعة شراكة تنموية حسب الأولويات الإفريقية، والمساعدة في تسخير الثورة الرقمية في إفريقيا، وتحسين الإمكانات الزراعية لإفريقيا.

ومثلت سياسات مودي ثورة في الدبلوماسية الهندية في إفريقيا، وذكر وزير الخارجية الهندي هارش شرينغلا في خطاب له عام 2020 أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت 34 زيارة خارجية لدول إفريقية على مستوى الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء.

ووضح أنه لا توجد دولة واحدة في القارة لم يزرها وزير هندي واحد على الأقل، مضيفاً أن بلاده ستتفتح 18 سفارة جديدة في إفريقيا، ليرتفع العدد الإجمالي للبعثات الهندية إلى 47 من إجمالي 54 دولة في إفريقيا.

كما ركزت الهند على تطوير القوى البشرية الإفريقية من خلال العديد من المبادرات التعليمية، حيث أعلن مودي في مؤتمر القمة الثالث لمنتدى الهند وإفريقيا عام 2015 عن تخصيص 50 ألف منحة دراسية للطلاب الأفارقة، وهو ما يوفر للهند الفرصة لبناء علاقات من الطلاب الذي سيكونون نخب بلادهم مستقبلاً.

وهذا ما أشار إليه شرينغلا مفتخراً بحقيقة أن 13 بين رؤساء حاليين أو سابقين ونواب رئيس ورئيس وزراء في إفريقيا قد درسوا في مؤسسات تعليمية في بلاده.

وقدمت الهند في عام 2017 قروضاً تنموية للدول الإفريقية بلغ مجموعها 10 مليارات دولار، كما أعلنت عن منحة قدرها 600 مليون دولار توزع حتى عام 2020، الذي شهد قروضاً بقيمة 11 مليار دولار إلى 41 دولة إفريقية . وهذا يجعل إفريقيا أكبر وجهة إقليمية للمساعدات الخارجية الهندية.

في البر والبحر تعاون أمني وعسكري

في مواجهة الوجود البحري الصيني المتزايد في المحيط الهندي قامت البحرية الهندية بثلاث عمليات انتشار مستمرة في غرب المحيط المذكور، تتضمن إحداها مكافحة القرصنة في خليج عدن، بجانب بعثة تقوم بدوريات شمال المحيط الهندي ومدخل الخليج العربي، في حين تركز الأخيرة على سيشيل ومدغشقر وموريشيوس وجنوب المحيط الهندي.

بدأت نيودلهي منذ عام 2007 بإنشاء قاعدة مراقبة بحرية في شمال مدغشقر، كما أعلنت عن خطط لإنشاء شبكة من 32 محطة مراقبة ساحلية بالرادار ضمن مواقع منها موريشيوس وسيشل.

وفي عام 2018 أعلن رئيس الوزراء الهندي ورئيس سيشيل أنهما سيواصلان التعاون في تطوير قاعدة بحرية في جزيرة أسامبشن، ووافقت الهند على قروض بقيمة 100 مليون دولار لسيشيل لشراء معدات عسكرية، والتبرع ببرنامج طائرات دورية بحرية للجيش السيشيلي.

وقام رئيس أركان الجيش الهندي الجنرال بيبين راوات في ديسمبر/كانون الأول 2018 بجولة في كينيا وتنزانيا لوضع الأساس لتنمية التعاون العسكري.

وشهد العام الذي يليه مناورات عسكرية بين القوات المسلحة الهندية وجيوش 17 دولة من جهات إفريقيا الأربع، وذكر بيان هندي أن "الهدف من المناورات هو ممارسة الدول المشاركة في التخطيط وإجراء عمليات المساعدة الإنسانية المتعلقة بالألغام وحفظ السلام بموجب الفصل السابع من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام".

وتساهم الهند في البعثات الأممية لحفظ السلام في الكونغو والصومال وليبيريا وبوروندي والسودان.

كما قدمت الهند الدعم للمؤسسات العسكرية الإفريقية من خلال برامج تدريب الضباط العسكريين الأفارقة في المؤسسات الهندية، والمساعدة في إنشاء أكاديميات دفاعية في دول مثل نيجيريا وإثيوبيا وتنزانيا.

الهند واليابان ووعد "التنمية الآسيوي الإفريقي"

تعد الهند الآن ثالث أكبر شريك تجاري لإفريقيا، حيث تمثل 6.4 في المئة من إجمالي التجارة الإفريقية بقيمة إجمالية قدرها 62.6 مليار دولار في 2017-2018.

وبالمقارنة تعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا حيث بلغت قيمة التجارة الصينية الإفريقية 185 مليار دولار في 2018، وإزاء عجز الهند عن مضاهاة هذا التفوق الصيني عمدت إلى استراتيجيات منها التعاون الثنائي والثلاثي ومن ذلك التوقيع مع اليابان على مبادرة "ممر النمو الآسيوي الإفريقي" عام 2016.

وهو مشروع يهدف البلدان من من خلاله إلى تحقيق تعاون تنموي أوثق مع إفريقيا، من خلال الاستثمار في مجالات مختلفة منها بناء البنية التحتية في إفريقيا. من المفترض أن يتم استكمال هذا المسعى بالتوصيل الرقمي عبر القارة، مستفيداً من القوة الناعمة الهندية في إفريقيا والدعم المالي الياباني الذي يتوقع أن يبلغ 200 مليار دولار.

وفي هذا الإطار وقع البلدان في سبتمبر/أيلول 2020 على ميثاق الخدمات اللوجستية المتبادلة الذي يهدف لتعزيز التعاون المشترك بين القوات المسلحة للبلدين. وبموجب هذا الاتفاق سوف تحصل البحرية الهندية على إمكانية الوصول إلى القاعدة اليابانية في جيبوتي، حيث افتُتحت عام 2017 قاعدة عسكرية صينية رأت فيها نيودلهي انتقالاً للسياسة الصينية في إفريقيا من المجال الاقتصادي إلى المجال العسكري الأمني.

وتعكس هذه التحركات المخاوف الهندية اليابانية من مبادرة "الحزام والطريق الصينية" التي يخشى البلدان من أنها تعمل على سيطرة بكين على الممرات التجارية الحيوية لهما، فالمحور البحري الممتد بين جيبوتي وميناء جوادر الباكستاني على سبيل المثال يهدد بقطع إمدادات الطاقة من الخليج العربي وإفريقيا.

خارج القارة الآسيوية تجد هذه الاستراتيجيات الهندية الدعم أيضاً من الولايات المتحدة التي خسرت أمام بكين موقعها كأكبر شريك تجاري لإفريقيا، حيث انخفضت الصادرات الأمريكية من السلع إليها من نحو 38.09 مليار دولار في عام 2014 إلى 22.28 مليار دولار في عام 2016، في حين زادت صادرات الصين إلى إفريقيا من 13.22 مليار دولار في عام 2005 إلى 103.19 مليار دولار في عام 2015.

TRT عربي
الأكثر تداولاً