تناول بومبيو في زيارته الخرطوم العديد من الملفات ومن ضمنها التطبيع مع إسرائيل (وكالة السودان للأنباء)
تابعنا

فتح الإعلان عن اتفاق أبراهام الإماراتي الإسرائيلي الباب واسعاً أمام التكهنات بالعواصم التي سيتوقف فيها قطار التطبيع، وبرزت الخرطوم مرشحاً قوياً في هذا الإطار، ولا سيما أن كل ما أحاط بزيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى السودان كان يعزز هذه التوقعات.

فقد استبق بومبيو وصوله إلى الخرطوم في الخامس والعشرين من الشهر الجاري بالإشارة في تغريدة إلى "سعادته" بالرحلة الجوية الأولى المباشرة بين إسرائيل والسودان، وأعلن في تغريدة أخرى مناقشته رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك "التزام" السودان "بتعميق" علاقته بتل أبيب.

نتنياهو يتطلع إلى السودان

كشفت تغريدة رئيس الوزراء الإسرائيلي إثر تصريحات الناطق باسم الخارجية السودانية المقال حيدر بدوي بالتوجه السوداني نحو التطبيع، رغبة تل أبيب في إنشاء علاقات علنية مع الخرطوم.

ويعزى ذلك إلى عديد من العوامل الداخلية والخارجية، وفي مقدمتها تحقيق انتصار سياسي يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي الغارق في أزماته استثماره في تسويق نفسه كقائد قوي استطاع إنجاز التطبيع مع مجموعة من الدول العربية دون أن يقدم أي تنازلات في المقابل.

وهو ما يدعم حظوظه السياسية ولا سيما أن تطبيع العلاقات مع السودان تحديداً سيسمح لتل أبيب بإعادة آلاف السودانيين الذين لجؤوا لـ"إسرائيل"، إعادتهم لبلدهم السودان، وهم الذين يشكلون نحو خمس العمالة غير المسجلة فيها، وهي خطوة ستلقى الكثير من الترحاب بين الجمهور الإسرائيلي الرافض لوجود هؤلاء اللاجئين لأسباب تبدأ من منافستهم للعمالة الإسرائيلية وتنتهي بكونهم غير يهود. حيث كان يجادل هؤلاء اللاجئون أنهم سيواجهون عقوبات في حال العودة إلى السودان باعتبار "إسرائيل" دولة معادية يُمنع السفر إليها.

كما أن هناك رغبة لما يوصف بمحور "الاعتدال العربي" في تشكيل منظومة أمنية اقتصادية تضمن تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة معادية لإيران، وهو ما تجلى في محاولة الإمارات السيطرة على المواني الحيوية في البحر الأحمر، وفي المنظومة الأمنية التي كونتها السعودية تحت اسم "مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" ، وبالنظر إلى تطبيع مصر والأردن وإريتريا مع إسرائيل فإن الخطوة السودانية، إن تمت، قد تكون مقدمة لانخراط إسرائيل في هذه المشاريع أو إنشاء منظومات جديدة تضمها.

وشهدت إسرائيل في الآونة الأخيرة مظاهرات حاشدة تطالب باستقالة نتنياهو وتحمله مسؤولية الفشل في إدارة ملف مكافحة جائحة كورونا، في حين تلاحق تهم الفساد رئيس الوزراء الإسرائيلي وتهدد مستقبله السياسي في حال الحكم عليه.

ترمب يبحث عن نصر خارجي

تُجمع استطلاعات الرأي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يعيش أسوأ كوابيسه الانتخابية أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، إذ يزداد الفارق بينهما بشكل مطرد، في انعكاس مباشر لفشل إدارته في مواجهة جائحة كورونا، حيث تحولت الولايات المتحدة إلى أكبر بؤرة لانتشار الوباء وتجاوز عدد ضحاياه 178 ألفاً.

هذا الإخفاق الكبير في الداخل يحاول الرئيس الأمريكي تغيير مساره بالبحث عن نصر خارجي في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، بعد عجزه عن إسقاط النظام الإيراني رغم نقضه الاتفاق النووي وممارسة سياسة "أقصى الضغوط" على طهران، وكذلك فشله في التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية رغم لقائه التاريخي مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، إلى جانب الإخفاق في إخضاع الصين لشروطه في الحرب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين.

عاد ترمب إلى ملعبه المفضل في الشرق الأوسط حيث عمل على إعلان دعمه لأكثر المواقف الإسرائيلية يمينية، ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تضغط باتجاه تطبيع الخرطوم وتل أبيب مستغلة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في محاولة من ترمب لتسويق ذلك كنصر لسياسته الخارجية وتعزيز فرصه الانتخابية في صفوف اليمين الأمريكي المحافظ واللوبي الإسرائيلي المتنفذ في الولايات المتحدة.

واستخدمت واشنطن هذه الورقة لابتزاز السودان عبر المراحل السابقة، حيث ربطتها على سبيل المثال بدفع تعويضات لأسر ضحايا تفجير المدمرة كول (2000) ثم بتعويض مماثل لأسر ضحايا تفجير سفارتي نيروبي ودار السلام (1998)، ويبدو أنها أعادت التلويح بها من جديد في وجه الخرطوم مستغلة مرورها بمرحلة انتقالية هشة، وهو ما تجلى في طلب حمدوك الفصل بين التطبيع مع إسرائيل والقرار الأمريكي بحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفقاً لبيان رسمي سوداني.

السودان وصعوبات المرحلة الانتقالية

تواجه الحكومة السودانية موجة من المشكلات التي تحف المرحلة الانتقالية الهشة في السودان، حيث تعاني أطراف البلاد من عدم الاستقرار نتيجة الصراعات القبلية المتكررة، كما تشهد البلاد مصاعب اقتصادية كبيرة كشح السيولة بالعملة الصعبة والتضخم المتواصل الذي سجل قفزة من 114.23% في مايو/ أيار الفائت إلى 136.36% في يونيو/حزيران، كما تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار من 150 إلى 210 في السوق الموازية خلال هذا الأسبوع، وأعلنت الحكومة سابقاً انخفاض إيرادات الدولة بنحو 200 مليار جنيه نتيجة تداعيات جائحة كورونا.

وفي هذا السياق تأتي الرغبة السودانية في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما سيتيح للخرطوم الحصول على قروض من المؤسسات الدولية، وفتح الباب أمام عودة السودان إلى النظام المصرفي العالمي، وهو ما قد يسهل الطريق أمام دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.

ورغم محاولات السودان المتكررة للدفع بهذا المطلب قدماً بدءاً من الانضمام إلى التحالف بقيادة السعودية بإرسال جنود من قوات الدعم السريع إلى القتال في اليمن (2015) وانتهاء بقطع العلاقات مع إيران (2016)، فإن الخرطوم كانت تواجه بالتأجيل المتكرر من قبل واشنطن، فيما يبدو استثماراً للورقة في تحقيق ضغوط على السودان لتحقيق مطالب أمريكية معينة، منها التطبيع مع تل أبيب.

التطبيع سودانياً.. هل ممكن الآن؟

زيارة وزير الخارجية الأمريكي ودعوته العلنية إلى التطبيع مع إسرائيل ستزيد تعقيدات العلاقات بين مكونات العملية السياسية في السودان، ولا سيما بين جناحي السلطة الانتقالية من المدنيين والعسكريين.

إذ إن الربط الضمني لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية بالتطبيع حوّل القضية إلى مسألة تباينت حولها الرؤى السياسية، ويميل مراقبون إلى أن الجناح العسكري في السلطة، الموصوف بالقرب من المحور السعودي الإماراتي، أقرب إلى فتح قنوات التطبيع الرسمية، مستشهدين بلقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية فبراير/شباط الماضي، حيث بُرر هذا اللقاء بشعور البرهان بضرورة العمل على "حفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني، وتحقيق المصالح العليا للشعب".

على الجانب الآخر استبقت بعض القوى السياسية زيارة بومبيو بالإعلان عن رفضها التطبيع، وأعلن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الذي قاد الانتفاضة الشعبية السنة الماضية، الثلاثاء، أن الحكومة الحالية ليست مفوضة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وجدد بيان المجلس إثر اجتماع له "الموقف من قضية التطبيع مع إسـرائيل باعتبارها ليست من قضايا حكومة الفترة الانتقالية المحكومة بالوثيـقة الدستـورية، وأمن على حـق الشعب الفلسطينـي في أراضيه وحق الحياة الحرة الكريمة".

ويبدو أن الضغوط الخارجية التي يعانيها السودان وتجاذبات الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي كانا وراء اللغة التوفيقية للبيان الحكومي بشأن مسألة التطبيع.

حيث نص على أن "المرحلة الانتقالية في السودان يقودها تحالف عريض بأجندة محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولاً لعقد انتخابات حرة، ولا تملك الحكومة الانتقالية تفويضاً يتعدى هذه المهام للتقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل، وأن هذا الأمر يجري التقرير فيه بعد إكمال أجهزة الحكم الانتقالي"، وهي صيغة وإن كانت تغلق باب التطبيع اليوم لكنها تبقيه موارباً في المستقبل.

TRT عربي
الأكثر تداولاً