القاهرة طالبت بوسيط دولي بعد تعثر المفاوضات (Reuters)
تابعنا

تعثرت جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية لبحث ملف سد النهضة، ووصلت إلى طريق مسدود نتيجة ما وصفته القاهرة بـ"تشدد الجانب الإثيوبي" عقب انتهاء اجتماع ثلاثي استمر يومين لوزراء الموارد المائية والري في مصر والسودان وإثيوبيا بالعاصمة الخرطوم.

القاهرة طالبت بوسيط دولي بعد تعثر المفاوضات، واستنكرت موقف إثيوبيا التي "قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها، مقترحاً جديداً يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، بحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصري محمد السباعي.

مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة الأطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية وتتجنب إحداث ضرر جسيم

محمد السباعي - المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية

من جانبه، قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إن إثيوبيا اقترحت ما بين 4 إلى 7 سنوات لملء سد النهضة، وفيما لم يصدر بيان ختامي عن الاجتماع، قال عباس "الاجتماعات حققت من وجهة نظرنا نجاحات كبيرة في القضايا الفنية، وهناك بعض الاختلافات في الأرقام والحد الأدنى للتصرف المسموح به للمياه، والموسم والشهور التي يتم فيها ملء السد".

تضارب التصريحات

في المقابل، قال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سلشي بقل إن مفاوضات سد النهضة لم تصل لطريق مسدود، وأوضح الوزير الإثيوبي أن بلاده ترفض الوساطة من أي جهة، وأن التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق. كما أكد رفض حكومته تقديم أي ضمانات بشروط مصرية لانسياب مياه نهر النيل.

وتبدو هذه التصريحات متضاربة مع التصريحات المصرية التي تقول إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، بينما تتشبث أديس أبابا بمواصلة الحوار الثلاثي بشـأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي وترفض تدخل وسيط رابع، حسب بيان لرئاسة الوزراء الإثيوبية التي قالت إن أديس أبابا تثني على جهود وزراء الري والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا، وعلى مواصلة الحوار الثلاثي.

وأكد وزير الري السوداني في تصريح صحفي مقتضب عدم الاتفاق على دخول طرف رابع مفاوضات سد النهضة، وهو الأمر الذي دعت إليه مصر.

وشددت إثيوبيا على حقوق جميع دول حوض النيل البالغ عددها 11 دولة في استخدام مياه النهر وفقاً لمبادئ الاستخدام العادل، دون التسبب في أي ضرر كبير للآخرين، موضحاً أن ذلك يشمل حق إثيوبيا في تطوير مواردها المائية لتلبية احتياجات شعبها.

تدخل دولي

بينما ترفض أديس أبابا تقديم أي ضمانات بشروط مصرية لانسياب مياه نهر النيل، حسب وزير الري الإثيوبي، تأتي مطالب مصر بالتدخل الدولي نتيجة تخوفها من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، 55 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار. وتقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، والهدف من بناء السد توليد الكهرباء في الأساس.

ومؤخراً، رفضت إثيوبيا مقترحاً قدمته مصر بشأن عملية ملء خزان السد، وقال وزير الري الإثيوبي، في تصريحات سابقة "إن بلاده رفضت الاقتراح لأنه ينتهك الاتفاقية الموقّعة بين الدول الثلاث حول الاستخدام العادل والمعقول لمياه نهر النيل".

ويتمثل الخلاف الأساسي حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف.

وعلى الرغم من أن الطرفين يتفقان على أن تستغرق المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد عامين، فإن الاقتراح المصري يشترط أنه في حال تزامن بدء أعمال المرحلة الأولى مع فترة جفاف في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 متراً، وهو ما ترفضه إثيوبيا على نحو قاطع، وفقاً للتصريحات المصرية.

وبعد المرحلة الأولى من التعبئة، يتطلب اقتراح مصر تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب، وفقاً للمذكرة التي وزعتها وزارة الخارجية المصرية على الدبلوماسيين.

وتنسب المذكرة إلى إثيوبيا أنها قالت بعد الاطلاع على المقترح المصري إنه "يضع عملية ملء السد في وضع مستحيل"، وهو أمر تنفيه مصر التي تشدد على أن ما يريده الإثيوبيون "منحاز بقوة، ومجحف لمصالح دول المصب"، وفقاً للمذكرة التي اطلعت عليها وكالة رويترز.

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل"، وكتب على تويتر أن مصر مستمرة في "اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفى إطار محددات القانون الدولي، لحماية هذه الحقوق، وسيظل النيل الخالد يجري بقوة رابطاً الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا".

وكان السيسي قد قال في كلمة أمام الأمم المتحدة، قبل أيام، إن المفاوضات حول سد النهضة مع إثيوبيا لم تفضِ إلى نتائجها المرجوة، محذراً من انعكاسات سلبية جراء "التعثر".

وقالت الرئاسة المصرية إنها تتطلع لقيام الولايات المتحدة بدور فعال مشددة على أن المفاوضات لم تُفضِ إلى تحقيق أي تقدم ملموس، مما يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال لتجاوز التعثر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل لاتفاق عادل ومتوازن.

وأكدت الرئاسة في بيان لها على انفتاحها على كل جهد دولي للوساطة من أجل التوصل إلى الاتفاق المطلوب، مُرحّبة بالتصريح الصادر عن البيت الأبيض بشأن المفاوضات الجارية حول سد النهضة.

وذكر البيت الأبيض في بيان له، أن الإدارة الأمريكية تدعم المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق تعاوني ومستدام ومتبادل المنفعة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.

وذكر المُتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية السفير بسام راضي أن بلاده تتطلع للعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً فعالاً في هذا الصدد، خاصة على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في 2015.

صرح السفير بسام راضي، المُتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية، بأن جمهورية مصر العربية ترحب بالتصريح الصادر عن البيت...

Posted by ‎المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية-Spokesman of the Egyptian Presidency‎ on Saturday, 5 October 2019

تطور الأحداث

بدأت أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا قبل نحو ثمانية أعوام، عندما أعلنت أديس أبابا في 2011 عن عزمها الشروع في بناء سد النهضة، الذي قالت إن تكلفة بنائه ستبلغ 4 مليارات دولار، وإنه صُمّم ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميجاوات.

ورفضت مصر في البداية القرار الإثيوبي جملة وتفصيلاً، معللة بأنها تحصل على أكثر من 90% من المياه اللازمة للري والشرب من نهر النيل، وأن الخطوة تخالف معاهدات أُبرمت في خمسينيات القرن الماضي وتحظر على دول المنبع المساس بحصة دولتي المصب، مصر والسودان، من مياه النيل.

بعد ذلك، خاضت الدول الثلاث المعنية جولات من المفاوضات، إلا أنها في المجمل مرّت بتعثرات متعاقبة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، حدث تطورٌ لافتٌ، إذ تغيّر الموقف السوداني من معارضة بناء السد إلى تأييده.

وبعد انخراط لجنة مشكّلة من وزراء الخارجية والري للدول الثلاث، وُقعت أخيراً وثيقة الخرطوم، عام 2015، والتي أقرت فيها مصر بحق إثيوبيا في بناء السد، كما اتُّفق على تكليف مكتب استشاري فرنسي بتنفيذ الدراسات الفنية للسد بالتعاون مع مكتب هولندي، وإلزام إثيوبيا بالبند الخامس من الوثيقة، المشترِط الاتفاق على قواعد الملء الأول والتشغيل للسد. وهو ما تراجعت عنه إثيوبيا لاحقاً، كما تنازلت مصر ووافقت على قيام المكتب الفرنسي منفرداً بتقديم الاستشارات الفنية.

وفي يونيو 2018، أجرى رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد زيارة إلى القاهرة، انتهت باتفاق الطرفين على ضرورة بدء التفاوض حول اتفاقية ملء السد، ولكن أبي أحمد بعدها أعلن أن بلاده تنوي بدء الملء في العام نفسه.

وظلّت المفاوضات منذ ذلك الحين معلّقة حتى انعقدت الجولة الأخيرة في القاهرة، قبل أن تعلن مصر تعثّرها.

يُذكر أن تقريراً صادراً عن مجموعة الأزمات الدولية هذا العام، حذّر من أن مصر وإثيوبيا والسودان يمكن "أن تقع في أزمة إن لم تبرم صفقة قبل بدء عملية تشغيل السد".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً