تظاهرات في لبنان لليوم الثالث على التوالي ضد الطبقة السياسية (Reuters)
تابعنا

72 ساعة، مدة أمهلها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لشركائه في الحكومة لدعم الإصلاحات في لبنان، بعد اتهامه لبعضهم بتعطيل عمله، تلك المهلة التي كانت مثار سخرية الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام، ومستبعدين أن تُنهي الحكومة ما يعيشونه من فقر وفساد وأزمة اقتصادية خلال أيام، بينما لم تستطع فعل ذلك منذ أشهر مضت.

يشهد لبنان لليوم الثالث على التوالي تظاهرات شارك بها آلاف اللبنانيين في مناطق عدة من بيروت ومدن أخرى، عقب إعلان الحكومة فرض ضرائب جديدة في موازنة العام القادم، تطال قطاع الاتصالات المجانية عبر الهاتف الخلوي وغيره، بهدف توفير إيرادات جديدة لخزينة الدولة.

وأجبر الحراك في الشارع اللبناني، مجلس الوزراء اللبناني في بيروت إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة الجمعة، إلا أن مصادر حكومية قالت لوكالة رويترز السبت، إن المجلس سيعقد جلسة الأحد لمناقشة كيفية الخروج من الأزمة.

وفي وقت يجري فيه رئيس الوزراء اللبناني اجتماعات متواصلة بعيداً عن الإعلام، أشار وزير المال اللبناني بعد لقاء الحريري إلى أنه تم الاتفاق على الموازنة دون أي ضريبة أو رسوم جديدة وإلغاء كل المشاريع المقدمة بهذا الخصوص، فيما حاول الرئيس اللبناني ميشال عون تهدئة الشارع قائلاً إنه سيكون هناك حل مطمئن للأزمة.

المظاهرات مستمرة

غضب الشارع اللبناني الذي قال عنه الحريري إنه "رد فعل طبيعي على فشل الأطراف السياسية في حل الأزمات الاقتصادية"، ما زال مستمراً، حيث خرج مئات اللبنانيين إلى الشوارع للتظاهر السبت لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في وقت تبادلت فيه القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع.

وتشهد العاصمة ومناطق عدة منذ الخميس حراكاً جامعاً لم يستثنِ منطقة أو حزباً أو طائفة أو زعيماً، في تظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات، رفضاً لتوجُّه الحكومة إلى إقرار ضرائب جديدة في وقت لم يعُد بإمكان المواطنين فيه تحمُّل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة.

وبعد تظاهرات حاشدة ليلاً، تَخلَّل بعضها اشتباكات واعتقالات، عاد اللبنانيون إلى الشارع وتَجمَّع المئات حاملين الأعلام اللبنانية أمام مقرّ الحكومة وسط بيروت، الذي بدا صباحاً أشبه بساحة معركة، تتصاعد منه أعمدة الدخان وسط تناثر الزجاج ومستوعبات النفايات.

وتَولَّى الجيش صباحاً إعادة فتح بعض الطرق الدولية، فيما كان شبان يجمعون الإطارات والعوائق تمهيداً لقطعها مجدداً، وفق ما أفاد به مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية.

المظاهرات التي يصمم الشعب اللبناني أنه لا تراجع عنها دون تحقيق مطالبه، أجبرت قيادة الجيش اللبناني السبت على إعلان تضامنها مع مطالب المتظاهرين، ودعتهم للتعبير بشكل سلمي عن مطالبهم وحقوقهم، معربة في منشور على موقعها الإلكتروني عن "تضامنها الكامل مع مطالبهم المحقّة".

وقال مدير مركز المشرق للدراسات سامي نادر لـTRT عربي، إن موقف مؤسسة الجيش اللبناني كان لافتاً، خاصة مع وجود الامتعاض من تصرفات القوى الأمنية الجمعة، مشيراً إلى أن اللبنانيين بأطيافهم كافة يُجمعون على أن المسؤول الأول عن سوء الحال الذي وصلوا إليه هو نظام المحاصصة الطائفية.

حزب الله.. الحاكم الفعلي

انضم حزب الله إلى قائمة الرافضين لاستقالة الحكومة اللبنانية، وسبقه في ذلك الرفض وزيرة الداخلية ريّا الحسن التي قالت إنها لا تؤيد الاستقالة بحجة أنها لا تحقق أي هدف. كذلك قال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل "إن أي بديل للحكومة الحالية سيكون أسوأ بكثير"، بالإضافة إلى رؤساء حكومة سابقين في لبنان (فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام) الذين أبدوا دعمهم لرئيس الوزراء سعد الحريري.

وقال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله السبت إن حزبه لا يؤيد استقالة الحكومة وإن البلاد أمامها وقت ضيق لحل الأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أنه يدعم الحكومة الحالية "ولكن بروح جديدة ومنهجية جديدة" وأن الاحتجاجات المستمرة تظهر أن الطريق للخروج من هذه الأزمة ليس بفرض ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود.

"أمام لبنان خياران، إما الانهيار المالي والاقتصادي أو الانفجار الشعبي نتيجة المعالجات الخاطئة"

الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله

واتهم الأمين العام لحزب الله بعض القوى السياسية بالتنصل من مسؤولياتها وإلقاء التبعات على الآخرين. وقال إن هذا الأمر لن يفضي إلى أيّة نتيجة وينم عن انعدام روح الوطنية.

ويعتبر المحامي والحقوقي اللبناني طارق شندب في تصريحات لـTRT عربي، أن إقدام رئيس الحكومة على الاستقالة أمر خطير ومخيف في الوقت الراهن، لأن رئيس الحكومة يتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية وشخصية مع دول العالم، ما يعطي طمأنينة لهذه الدول من أجل الاستثمار في لبنان.

وأوضح شندب أن وجود رئيس الحكومة هو مؤشر قوة، ولكن الأمر لا يكفي لأن الكثير من الفرقاء السياسيين يريدون الاحتفاظ به كشماعة لحفظ الحكومة، ودعم لبنان مقابل الاستمرار في تمرير سياستهم وفرض أمر واقع.

وقال شندب إن "الحاكم الفعلي على الأرض اللبنانية هو حزب الله، وهو يعاني ضيقاً مادياً وحصاراً اقتصادياً بخاصة من قبل الإدارة الأمريكية، لذلك رئيس الحكومة هو الوحيد الذي يستطيع أن يعطي قبولاً أمام دول العالم من أجل الاسثمار في لبنان".

وعلى وجه السرعة يحتاج لبنان، أحد أكثر دول العالم مديونية، لإقناع حلفائه في المنطقة والمانحين الغربيين بأنه سيتحرك بجدية أخيراً لمعالجة مشاكل متأصلة مثل قطاع الكهرباء الذي يعاني من الإهدار ولا يمكن التعويل عليه.

وأوضحت مقابلات أجرتها وكالة رويترز مع ما يقرب من 20 من مسؤولي الحكومة والساسة والمصرفيين والمستثمرين أن لبنان يواجه، إذا لم يحصل على دعم مالي من الخارج، احتمال تخفيض قيمة العملة أو حتى التخلف عن سداد ديونه في غضون أشهر.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً