خريطة عثمانية تُظهر طرق انتشار الكوليرا (Arşak Garveyan Matbaası, 1327)
تابعنا

حروب ضارية شنتها الدولة العثمانية عبر تاريخها الطويل، ضد أوبئة قاتلة أبرزها الطاعون والكوليرا، واختبرت خلاله بداية ظهور نظام الحجر الصحي وأماكن تطبيقه والأجهزة المكلفة بإدارته.

البروفيسورة غولدن صاري يلديز عضو هيئة التدريس بقسم إدارة المعلومات والوثائق بكلية الآداب في جامعة إسطنبول التركية، قالت إن أول تطبيق لنظام الحجر الصحي في الدولة العثمانية كان في عهد السلطان محمود الثاني أثناء تفشّي وباء الكوليرا عام 1831.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قالت إن العثمانيين كانوا يستخدمون مصطلح "أصول تحفّظ" و"تحفّظ خانة" للدلالة على الحجر الصحي والمكان الذي يحصل فيه الحجر، وليس المصطلح المستخدم حالياً "كارانتينا".

وأضافت أن الـ"تحفُّظ خانة" كانت أماكن يجري فيها التحفظ لمدة معينة على الراغبين بدخول المدينة أو الخروج منها، بهدف منع انتشار الوباء وانتقال العدوى واحتجاز المشتبه في إصابتهم بعيداً عن الأصحاء، ومعالجة المرضى.

أما أول تطبيق لنظام الحجر الصحي فكان في فينيسيا ودوبروفنيك عام 1377، وأول محجر صحي تأسس في جزيرة سانتا ماريا دي ناتسارت بالقرب من فينيسيا عام 1423، حسب صاري يلديز.

وأضافت أنه اعتباراً من نهاية القرن الرابع عشر، بدأ اتخاذ إجراءات الحجر الصحي في مواني شرق البحر المتوسط، وبعد ذلك بدأ تطبيقه بحزم في النقل البري أيضاً.

وأوضحت أن الأوبئة الكبرى التي انتشرت كان لها أثر كبير في ظهور تطبيق الحجر الصحي بالمفهوم الحديث، وبخاصة وباء الكوليرا أشهر أوبئة القرن الـ19، الذي ساعد في تسريع وتيرة تأسيس المؤسسات الصحية وإبرام اتفاقيات وتعاون بين دول العالم في قطاع الصحة.

وأضافت صاري يلديز أن جائحة الكوليرا في القرن التاسع عشر أخذت مكان وباء الطاعون الذي فتك بالإنسانية على مر العصور.

وقالت صاري يلديز إن أول تطبيق لنظام الحجر الصحي في الدولة العثمانية كان في عهد السلطان محمود أثناء تفشي وباء الكوليرا الذي تعرضت له البلاد عام 1831.

وأضافت أنه صدرت قرارات باحتجاز كل السفن القادمة إلى إسطنبول لمدة في مضيق البوسفور.

وتقرر فرض حجر صحي على السفن القادمة من الدول الإسلامية إلى إسطنبول في الميناء الكبير، والسفن القادمة من الدول الأخرى في خليج إستينيا، لمدة 5 أيام.

وخلال تلك الفترة، كان يُعزل المصابون بالوباء ويوضعون في الحجر الصحي بمستشفى مالتبه، وفي "برج الفتاة" وهو برج صغير يقع على جزيرة عند المدخل الجنوبي لمضيق البوسفور.

ولفتت إلى أن الطبيب أنطوان لاغو الذي كان يعتني بالمرضى الموجودين بالحجر الصحي في "برج الفتاة"، كتب رسالة حول تطبيق أسلوب الحجر الصحي في أوروبا ومكافحة انتشار الأمراض المعدية، وكان لهذه الرسالة أثر كبير في تأسيس نظام الحجر الصحي في أوروبا بعد ذلك.

وأوضحت صاري يلديز أن نظام الحجر الصحي بدأ يُطبق بشكل ممنهج أكثر في جناق قلعة عام 1835، وأنه خياماً للحجر الصحي أُسست في جناق قلعة بسبب وباء الكوليرا الذي أثّر على منطقة البحر المتوسط وما حولها، إضافة إلى فرض حجر صحي مؤقت على السفن المتجهة إلى إسطنبول ومرمرة.

فحص السفن

كان السلطان محمود الثاني يهتم كثيراً بمسألة الحجر الصحي، وبناء على أمر منه اجتمع مجلس الشورى وشارك به أيضاً العلماء، ورأى المجلس أن الحجر الصحي جائز، وعقب ذلك تأسست إدارات ومؤسسات مثل مجلس الحجر الصحي.

ولفتت إلى أنه "وُضعت قاعدة تنص على عدم دفن أي شخص يموت في مناطق أيوب سلطان وغلاطه وأسكودار ومنطقة مضيق البوسفور من دون إبلاغ مجلس الحجر الصحي وأخذ ترخيص بالدفن، مهما كان المرض المتسبب في الوفاة ومهما كانت قومية المتوفى أو عرقيته".

وكانت المستشفيات تختلف حسب كل مجموعة عرقية، ولم تكن مستشفيات خاصة باليهود واليهود القرائين، ولذلك سُمح لهم ببناء مستشفيات خاصة بهم في منطقة خاص كوي بإسطنبول.

ولأن المباني المخصصة للحجر الصحي لم تكن قد بُنيت بعد، خُصصت سفينة من الترسانة العامرة وسُحبت إلى منطقة غلاطة واستخدمت للحجر الصحي.

وعندما بدأت بعض الأمراض تظهر على متن السفينة، حُوِّل مبنى الجمارك القديم إلى مبنى للحجر الصحي.

وأصبح إلزامياً من أجل المسافرين بالسفن من إسطنبول وإليها، كتابة الوضع الصحي بالمكان الذي قدموا منه في وثيقة المرور التي تُعطى إليهم، وأُسس عدد كبير من المحاجر الصحية خارج إسطنبول في بورصة وطرابزون وجناق قلعة وسيروز وجزيرة ميديللي.

ولم يكن خبراء في تطبيق الحجر الصحي بالدولة العثمانية، لذلك أُحضِر رئيس الأطباء بالحجر الصحي في زمون بالنمسا الطبيب ميناس ومساعده ومترجمه بموجب اتفاقية مع النمسا.

كما جرى تأسيس مجلس لإدارة شؤون الحجر الصحي ومتابعتها، وبالإضافة إلى الأطباء الأوروبيين أُشرِك ممثلو السفراء الأجانب أيضاً في المجلس، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح الأجانب هم الأغلبية في المجلس، مما أدى لاحقاً إلى نتائج لم تكن في صالح الدولة العثمانية.

قطاع الصحة ومعاهدة لوزان

وبخصوص أعداد العاملين في المحاجر الصحية آنذاك، قالت البروفيسورة صاري يلديز: "عام 1896 كان يوجد 125 مركزاً للحجر الصحي بخلاف الحجر الصحي في الحجاز ويعمل بهم 511 فرداً".

وعند إلغاء "مديرية الصحة"، كان 42 طبيباً و425 موظفاً يعملون بها، وعندما ألغيت الامتيازات الأجنبية في مؤتمر لوزان، اعترض الأوروبيون وطلبوا تأسيس لجنة الطب بدلاً من مديرية الصحة الملغاة، إلا أن الوفد التركي رفض ذلك وألغيت الامتيازات الأجنبية في الصحة وأُمِّم قطاع الصحة".

وأشارت صاري يلديز إلى أن الدولة العثمانية أرسلت وفوداً طبية عدة مرات إلى منطقة الحجاز عند تفشي وباء الكوليرا بين الحجاج عام 1865، وتسببه في حصد أرواح الكثير منهم.

وأوضحت أنه بناء على قرارات مؤتمر الصحة الدولي المنعقد بإسطنبول عام 1866، تأسس أكبر مركز للحجر الصحي في الدولة العثمانية في جزيرة كمران بمدخل البحر الأحمر، من أجل السفن والمسافرين القادمين من الشرق الأقصى والهند حيث ظهر وباء الكوليرا.

ولفتت إلى أن الدولة العثمانية بدأت في تأسيس العديد من مراكز الحجر الصحي على سواحلها بالبحر الأحمر لتقوية وضعها ومنع أي تدخل خارجي.

وعقدت الدول الأوروبية مؤتمر الصحة الدولي الثاني بباريس عام 1894، لبحث الحفاظ على الصحة العامة في مكة أثناء الحج ومنع أي تهديد على الصحة في خليج البصرة.

وكشفت الدول الكبرى خلال المؤتمر، عن نيتها ورغبتها في التدخل بالحج بذريعة الحفاظ على الصحة العامة، مما دفع الدولة العثمانية إلى التعهد بإجراء إصلاحات في قطاع الصحة بمنطقة الحجاز، وفي عام 1895 تأسست مديرية الصحة بمكة، وفق البروفيسورة التركية.

سينوب، تركيا (Sinop Belediyesi Yayını, 2007)
البخاخ ذو العجلات (Geneste-Herscher, 1896)
صورة لامرأة فينيسية قُبض عليها في الكوليرا (Wellcome Library, London)
خطة مستشفى طرابزون حميدية قربة - الأرشيف العثماني لرئاسة الوزراء سنة 1300 (Başbakanlık Osmanlı Arşivi)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً