العلاقة مع إسرائيل تراجعت بعد قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة (Reuters)
تابعنا

بعد أيام قليلة من إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، أعلنت تركيا موقفها الرافض لهذا الإعلان وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني... لم ولن نترك فلسطين لقمة سائغة لأحد أبداً".

وفي الوقت الذي تحدّث فيه أردوغان عن إمكانية تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات أو سحب سفير تركيا من أبو ظبي، راجت إشاعات مضلّلة تنطلق من كون تركيا لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لتروّج أقوالاً تتجاهل عدداً من الحقائق فيما يخص علاقات أنقرة بتل أبيب، سواء ما يتعلق منها بالجانب الاقتصادي أو التاريخي أو السياسي-الدبلوماسي.

حقائق تاريخية وسياسية

حينما قدم حزب العدالة والتنمية التركي إلى الحكومة مطلع القرن الحالي، حاملاً معه مشروعاً سياسياً جديداً له وجهة نظر مختلفة في عدد من القضايا الدولية، وجد أمامه تركةً سياسية ودبلوماسية ثقيلة ورثها من الحكومات السابقة، كان بينها العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

هذه العلاقات بُنيت في الأساس من أجل انضمام تركيا إلى حلف الناتو منتصف القرن الماضي، وعلى الرغم من أن العلاقات التركية-الإسرائيلية عاشت تذبذباً صعوداً وهبوطاً خصوصاً بعد مواقف تركيا خلال العدوان الثلاثي عام 1956، أو بعد الحرب العربية-الإسرائيلية التي أدتّ إلى نكسة 1967، فإنها عرفت تقارباً خلال تسعينيات القرن الماضي.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، شهدت العلاقات تراجعاً لافتاً، ترجمه عدد من الأزمات، أولاها وصف تركيا لعملية اغتيال القيادي في حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بـ"إرهاب الدولة"، مروراً بالموقف التركي الرافض للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عامي 2008 و2009، وصولاً إلى الهجوم الإسرائيلي على أسطول "مافي مرمرة" التركي الذي كان متوجهاً لكسر الحصار على قطاع غزة عام 2010.

منذ ذلك الوقت، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، وسحبت تركيا سفيرها من تل أبيب، وعلى الرغم من التهدئة الدبلوماسية التي حدثت عام 2016 بشروط تركيا، فإن العلاقة استمرت في برودها مع تصريحات تركية دورية ومستمرة رافضة لتصرفات الاحتلال الإسرائيلي، سواء فيما يتعلق بحصار غزة أو الاستيطان في الضفة الغربية أو وضع القدس والمسجد الأقصى، وفي غياب أية علاقات ودِّية أو زيارات متبادلة أو مشاريع مشتركة.

عداء الحاضر

من جهة أخرى، زاد الخلاف بين تركيا وإسرائيل في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً بعد الموقف التركي الداعم للثورات والانتفاضات العربية بعد 2011، في الوقت الذي زاد فيه التقارب الإسرائيلي مع الديكتاتوريات العربية.

كذلك فإن الموقف التركي المُصرَّ على رفض ما يسمى "صفقة القرن" وخطة الضم الإسرائيلية، بالإضافة إلى تمسُّكها وعدم تفريطها بحقوقها شرق المتوسط وسط تفاهم إسرائيلي-مصري-يوناني-قبرصي، عوامل ساهمت في تشكُّل عداء جديد بين أنقرة وتل أبيب، وصل إلى حدِّ عنونة صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية: "تركيا أصبحت تهديداً لإسرائيل بشكل متصاعد".

في المقابل، تقدّم تركيا دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية وللموقف الفلسطيني في المحافل الدولية إلى جانب الدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدات الإنسانية، فعلى الرغم من وجود التمثيل الدبلوماسي، فإن ذلك لا يتنافى مع الموقف التركي الثابت في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.

على المستوى الشعبي، لم تتغير نظرة الشعب التركي إلى عدالة القضية الفلسطينية، إذ يستمر العداء لإسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي من دون محاولات للترويج للاحتلال أو تبييض صورته، وهو ما عبّرت عنه جيروزاليم بوست بالقول إن "تهديد تركيا لإسرائيل لا يتوقّف عند كونه شفهياً، بل هو تهديد إيديولوجي وديني".

في هذا الصدد، يقول عبد الله معروف أستاذ التاريخ في "جامعة 29 مايو/أيار" التركية إن "ما فعله حزب العدالة والتنمية منذ تسلُّمه الحكم في تركيا، فيما يتعلق بإسرائيل، كان يدور دائماً حول قصقصة فروع تلك العلاقة والتخفف منها، وتحويل تركيا وإسرائيل من صديقين حميمين إلى نِدَّين لَدودَين لديهما علاقات دبلوماسية شكلية".

من جهته، أورد موقع ميدل إيست آي أن تركيا وإسرائيل كانتا على علاقة استمرت 50 عاماً، وأنه على الرغم من استمرار علاقات اقتصادية وسياحية حالياً فإنه على المستوى السياسي يوجد خلاف حاد، كذلك فإن التعاون الأمني والاستخباراتي الذي كان سابقاً قد "غرق" ويشهد أدنى مستوياته تاريخياً.

هذا الأمر وصل إلى حدّ إدراج شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، في تقديرها الاستخباراتي لعام 2020، تركيا ضمن قائمة الدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي.

ماذا عن الاقتصاد؟

في الوقت الذي كانت فيه العلاقات الدبلوماسية متقاربة قبل أن تتدهور في السنوات الأخيرة، نمت إلى جانب ذلك علاقات اقتصادية بين تركيا وإسرائيل، وصولاً إلى توقيع "اتفاقية التجارة الحرة التركية-الإسرائيلية" عام 2000، قبل قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.

في المقابل، شهدت أرقام التبادل التجاري بين البلدين صعوداً من ذلك الحين، غير أن هذه الأرقام لا تعكس ارتفاع مستوى التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل كدولة، بل تشمل أيضاً نسباً مهمة للعلاقات التجارية بين تركيا والفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في داخل الخط الأخضر، وهي كلها أرقام تسجّل في السجل التجاري الإسرائيلي.

فقرابة 4 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، وفيما يشكّل الفلسطينيون داخل الخط الأخضر ربع سكان إسرائيل، تمر تجارتهم جميعاً من خلال المعابر والمطارات والمواني الإسرائيلية وتسجَّل لصالح السجل التجاري الإسرائيلي، كذلك كثير من التعاملات التجارية مع قطاع غزة تمر عبر المعابر والمواني الإسرائيلية وتُحتَسب في هذه الأرقام.

وشهدت السنوات الأخيرة تعزيزاً بشكل كبير للعلاقات التجارية بين تركيا والفلسطينيين سواء سكان الضفة الغربية أو الداخل، ما ساهم في ارتفاع السياحة والتبادل التجاري، بالإضافة إلى افتتاح مراكز تجارية ومحلات ومطاعم ومشاريع تجلب بضائعها بشكل متواصل من تركيا إلى الداخل الفلسطيني، وهو بالتالي ما يفسر تنامي أرقام التبادل التجاري مع إسرائيل وهي بالحقيقة تعكس تنامي التبادل التجاري مع الفلسطينيين.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً