اتهمت الدوحة رباعي الحصار بمحاولة فرض الوصاية على قرارها الوطني (Getty Images)
تابعنا

تدخل الأزمة الخليجية ومعها حصار قطر عامها الرابع، ففي 5 يونيو/حزيران 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وأغلقت كل المنافذ الجوية والبحرية والبرية معها، في أسوأ أزمة منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981.

فرضت هذه الدول على قطر ما سمَّته "إجراءات عقابية"، فيما اتهمت الدوحة رباعي الحصار بمحاولة فرض الوصاية على قرارها الوطني، ومنذ ذلك الحين ازداد الشرخ بين دول مجلس التعاون الخليجي أساساً.

وفي الوقت الذي جاهدت فيه قطر لتخطي تبعات الحصار ونجحت في مواجهة أغلبها، خسرت دول الحصار اقتصادياً، كما خسرت السعودية -ومن خلفها الإمارات- الدوحة كحليف إقليمي في مجلس التعاون الخليجي، وفي حرب اليمن التي أصبحت عبئاً يثقل كاهل الرياض.

تخطي جدار الحصار

رفعت دول الحصار شعار "دعم قطر للإرهاب" في محاولتها لتبرير حصارها دولياً، واستفادت من انتخاب دونالد ترمب رئيساً لتسويق هذه الفكرة وجلبه إلى صفها، وهو ما حدث فعلاً في بداية الأزمة، لكن ذلك لم يدم طويلاً.

إذ أشارت ورقة تقدير موقف لـ"المركز العربي" إلى أن قطر بدأت "فوراً في العمل لتبديد سوء الفهم مع البيت الأبيض والناجم عن استقاء معلومات من مصدر واحد، كما كثفت العمل في الكونغرس"، فيما كرّس اللقاء بين ترمب وأمير قطر في يوليو/تموز 2019، "التغيير في موقف الرئيس ترمب بوضوح من الأزمة الخليجية".

وأضافت الورقة أن القمة الأخيرة بين الزعيمين "توّجت جهود قطر في تغيير موقف الرئيس الأمريكي الذي تحوّل تدريجياً من تبنّيه لفكرة أن قطر تدعم الإرهاب وصولاً إلى الاعتراف بها حليفاً رئيساً في تحقيق استقرار المنطقة وأمنها".

من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كانت فيه "أقسى العقوبات" اقتصادية بالأساس، بإغلاق الحدود البرية التي أوقفت تدفُّق السلع، أكمل الاقتصاد القطري -على مستوياته القطاعية كافة- عام الحصار الثالث والأرقام الرسمية القادمة من الدوحة تُشير إلى أن الاقتصاد عاد أكثر قوة من ذي قبل.

إذ إن الدوحة، ومباشرة بعد الحصار، اعتبرت هذه التطورات فرصة لإعادة بناء الاقتصاد المحلي على الصعد التجارية والنقدية والزراعية والمعيشية، واستطاعت خلال ثلاث سنوات إحراز تقدم لافت، حسب تقرير مفصّل لوكالة الأناضول.

في السياق ذاته، أشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن قطر تخطت الحصار سريعاً، و"فتحت طرق تجارة بديلة، ووجدت مورِّدين بدلاء، خصوصاً عبر تركيا وإيران والهند". كما تلقت الدوحة دعماً سياسياً وعسكرياً بديلاً.

فبعد الأزمة "أرسلت تركيا إليها وحدات عسكرية إضافية، وأجرى جيشا الدولتين تدريبات مشتركة"، في الوقت الذي "لا تزال فيه قطر محافِظة على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة التي تملك آلاف الجنود في قطر وتقوم بعملياتها الجوية من هناك"، حسب تعبير بلومبيرغ.

مَن الخاسر الأكبر؟

على المستوى السياسي الإقليمي، قال المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في ورقة تقدير موقف، إن الأزمة أضرّت "بمجلس التعاون وبصورته العالمية، كما أضرّت بمؤسساته وأهدافه".

في السياق ذاته، رأى الباحث في شؤون العالم العربي علاء الحمارنة أن دول الخليج تكبدت "خسارة الشعور بالوحدة وانطباع المصير المشترك الذي كان يمنحه مجلس التعاون الخليجي للدول المنضوية تحت سقفه".

وأضاف الباحث أن "الخسارة الأساسية لهذه الدول هي خسارتها كتلة إقليمية، كانت تجمعها في إطار علاقاتها الدولية والإقليمية، كانت تدعى مجلس التعاون الخليجي"، حسب ما نقلته عنه شبكة DW الألمانية.

أما على المستوى السياسي الدولي، وبعد أن كانت دول الحصار تعوّل على دعم إدارة ترمب، فإنها باتت اليوم في موقف صعب بعد أن طرأت متغيرات على رؤية الولايات المتحدة بعد الانتهاء من قتال "داعش"، وتحول استراتيجيتها إلى التركيز على النفوذ الإيراني، حسب وكالة الأناضول.

في هذا السياق، يعتقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن استمرار الأزمة الخليجية من دون التوصل إلى حل، يصبّ بالتالي في مصلحة إيران، وهو ما أجهض محاولات عزل قطر دولياً وإبعادها عن الحليف الأمريكي، في خسارة واضحة لدول الحصار.

على صعيد آخر، بعد أسابيع قليلة من بداية الحصار، سحبت قطر قواتها التي كانت تشارك في حرب اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية، ما أدى إلى إضعاف التحالف في اليمن، حسب تقرير سابق لوكالة رويترز.

في المقابل، وبعيداً عن الحروب استمرت الدوحة في جهودها الدبلوماسية دولياً، خصوصاً جهود الوساطة التي تكللت بتوقيع اتفاق السلام بين واشنطن وحركة "طالبان" الأفغانية بعد سنوات طويلة من الحرب بينهما.

من جهة أخرى وعلى المستوى الاقتصادي، أشار تقرير سابق لمجلة ذي إيكونوميست إلى خسائر اقتصادية تكبدتها الإمارات والسعودية جراء مقاطعتها قطر، بعد أن فقدت السعودية السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها الغذائية ومركز استثمار للشركات السعودية العاملة في مجال الإعمار والبناء، بالإضافة إلى أن القطريين كانوا من كبار المستثمرين في سوق العقارات الإماراتية التي تعاني كساداً اليوم.

بعد الأزمة تلقَّت قطر دعماً تركياً، وأرسلت أنقرة إليها وحدات عسكرية إضافية وأجرى جيشا الدولتين تدريبات مشتركة (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً