السعودية تتخذ إجراءات مؤلمة لمواجهة التحديات الاقتصادية جراء فيروس كورونا وأزمة النفط (AP)
تابعنا

تسببت جائحة كورونا في شلل تام في العجلة الاقتصادية لدول عديدة، إذ توقفت بسببها الحركة وتقلصت اليد العاملة وتعطل الانتاج، إلا أن هذا الضرر العام يصبح مضاعفاً عندما يصيب الدول التي يعتمد اقتصادها على النفط.

تعتبر المملكة العربية السعودية أهم الدول النفطية في العالم إنتاجاً وتصديراً، إذ يرتكز ثلثا ميزانيتها العامة على هذا المجال، وهو ما جعل من اقتصادها الأكثر عرضةً للأزمة، ليس بسبب كورونا فقط، بل تزامناً مع الحرب الباردة التي خاضتها داخل أوبك+ من أجل التحكم في إنتاج النفط، وأفضت إلى تخفيض ملايين البراميل من الإنتاج يومياً، وهو ما يعني انعكاسات مباشرة على الميزانية العامة.

إجراءات مؤلمة وعدم استقرار

في سياق معركتها مع الجبهتين، أسعار النفط وكورونا، لم تجد المملكة ملجأ سوى الذهاب نحو الإجراءات المؤلمة، حسب تعبير وزير المالية السعودي محمد الجدعان.

الجدعان أكد قبل أيام، أن المملكة ستتخذ إجراءات "مؤلمة" لخفض النفقات، في ظل تراجع الإيرادات بسبب أزمة "كورونا".

وأضاف الجدعان، في مقابلة مع قناة "العربية" المحلية، أن السعودية يجب أن تخفض مصروفات الميزانية بشدة، نظراً إلى انخفاض الإيرادات النفطية إلى أقل من النصف، وتراجع الإيرادات غير النفطية بسبب الإغلاق في إطار إجراءات مكافحة "كورونا".

ومع تأكيد الوزير السعودي ضرورة الإجراءات "الصارمة" و"المؤلمة"، وعدم التوصل إلى خيار واضح للتعامل مع الأزمة، تدخل وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني على الخط، إذ عدلت نظرتها المستقبلية إلى السعودية من مستقرة إلى سلبية.

هذا التغيير لآفاق التصنيف الائتماني للسعودية الذي يعتبر الأول منذ أربع سنوات، جاء نتيجة انهيار أسعار النفط بسبب جائحة كورونا التي زادت المخاطر المالية على السعودية، وسيؤدي إلى تآكل احتياطياتها المالية السيادية، حسب الوكالة.

لم تكتف موديز عند ذلك، بل قالت إن الصدمة الشديدة التي أحدثها هبوط أسعار النفط ستؤدي إلى زيادة ديون السعودية إلى نحو 45% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط.

وذكرت موديز أن التوقعات تشير إلى انخفاض الإيرادات الحكومية للمملكة بنحو 33% خلال العام الحالي، وبنحو 25% خلال العام المقبل، قياساً بمستواها في العام الماضي.

من يدفع الثمن؟

هذه الإجراءات المؤلمة دعت صحيفة وول ستريت جورنال للتساؤل حول من سيدفع ثمنها، في تقرير أعده كل من روري جونز ودونا عبد العزيز.

إذ تشير الصحيفة إلى أن الشركات ورجال الأعمال الذين حضّروا أنفسهم للسعودية الجديدة في ظل إعادة تشكيل محمد بن سلمان للنظامين الاقتصادي والاجتماعي، يحاولون البحث عن شرايين حياة من الحكومة للبقاء بعد إغلاق كل المحال والمشاريع.

وفي ظل تراجع الاحتياطي السعودي إلى رقم قياسي بـ24 ملياراً في مارس/آذار، إذ أصبح الاحتياطي 479 مليار دولار، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي العام إلى 2.3% مقارنة مع 5.9% للولايات المتحدة و3% لبقية العالم. إلا أن العجز في الميزانية السعودية قد يرتفع إلى 13%.

المستقبل يبدو مختلفاً، وسيكون معدل الدخل أقل، ولن يعيش الشباب الحياة التي عاشها آباؤهم.

كارين يانغ - باحثة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بروكينغنز

وتنقل الصحيفة عن كارين يانغ الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بروكينغنز، قولها بأن “الحساب قادم” و”المستقبل يبدو مختلفاً، وسيكون معدل الدخل أقل ولن يعيش الشباب الحياة التي عاشها آباؤهم”.

وتشير الصحيفة إلى جهود إعادة تشكيل الاقتصاد وتقوية القطاع الخاص بعيداً عن النفط، وتأكيد السفر والسياحة والترفيه، إلا أن المشاريع الكبرى في هذا المجال لا تدفع النمو، ولا تزال هذه تعتمد على النفقات الحكومية التي يذهب نصفها إلى القطاع العام.

ويقول المحللون الاقتصاديون إن عدداً من المشاريع المفضلة لولي العهد يجب أن تتوقف أو يخف العمل بها حتى تُعاد عجلة الاقتصاد. وتتراوح هذه المشاريع من زيادة المساحات الخضراء في العاصمة الرياض إلى متنزهات وملاعب رياضية إلى مدينة المستقبل التي أُطلق عليها “نيوم”.

الحل: خفض الرواتب؟

وفي إطار حديثها عن الارتدادات الشعبية لأزمة كورونا في السعودية، لم تستبعد وول ستريت جورنال إمكانية حدوث ردات سلبية على العائلة المالكة التي قد تضطرها الأزمة إلى تخفيض الأجور في القطاع العام، مما سيهدد العقد الاجتماعي في السعودية.

وفي هذا الإطار، تقول صحيفة الشرق الأوسط إنها تحصلت على وثيقة قرار وزاري جديد في المملكة، لتنظيم عقد العمل في الفترة الحالية للظرف القاهر الخاص بفيروس كورونا، بتخفيض الرواتب في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء العقود.

القرار الصادر عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حسب الصحيفة، يتضمن تخفيض رواتب الموظفين 40% من كامل الأجر الفعلي لمدة 6 أشهر، بما يتناسب مع ساعات العمل، وإتاحة إنهاء عقود الموظفين بعد 6 أشهر من الظرف القاهر.

وعرّفت اللائحة الوزارية القوة القاهرة بأنها حال اتخاذ الدولة، وفقاً لما تراه أو بناء على ما توصي به منظمة دولية مختصة، إجراءات في شأن حالة أو ظرف يستدعي تقليص ساعات العمل أو تدابير احترازية تحد من تفاقم الحالة.

وبينت اللائحة أن تطبيق أحكامها لا يمنع صاحب العمل من الانتفاع بالإعانة المقدمة من الدولة للقطاع الخاص مهما كان نوعها، كالمساعدة في دفع أجور العاملين أو الإعفاء من الرسوم الحكومية، مشددة على عدم اللجوء إلى إنهاء عقد العمل، إلا بعد تحقق ثلاثة شروط لاعتبار الظروف ضمن وصف القوة القاهرة.

وتقول الصحيفة إن المذكرة التي يبدأ العمل بها بعد النشر في الجريدة الرسمية الحكومية قريباً، تنص على أن يتقاضى العامل أجره في حال أخذ إجازة سنوية في غضون فترة 6 أشهر.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً