صحيفة هآرتس تنشر تحقيقاً عن استخدام حكومات حول العالم لأنظمة تجسس إسرائيلية (Others)
تابعنا

نشرت صحيفة هأرتس الإسرائيلية، الجمعة، التحقيق تحت عنوان" صناعات التجسس الإسرائيلية تساعد الأنظمة الديكتاتورية حول العالم على ملاحقة مثليي الجنس والمعارضين". ويستند إلى شهادات ضحايا ودعاوى قضائية في محاكمة دولية، إضافة إلى إعادة فتح قضايا باتت معروفة والخوض في تفاصيلها، مثل قضية استعانة الإمارات بشركة "NSO" للتجسس على هواتف 159 من أبناء العائلة الحاكمة في قطر، إضافة إلى التجسس على هاتف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وولي العهد السعودي السابق متعب بن عبد الله بن عبد العزيز. كما استخدمت برامج الشركة للتجسس على المعارض الإماراتي أحمد منصور. 

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد كشفت في تحقيق، نشر في 31 أغسطس/ آب الماضي، تفاصيل المساعي الإماراتية للتعاون مع الشركة الإسرائيلية للتجسس على هواتف الجهات المذكورة، مستندة إلى وثائق خاصة، إضافة إلى النظر في دعوى قضائية رفعها مواطن قطري، وأخرى رفعها ناشط مكسيكي وصحفيون أجانب، أمام محاكم في تل أبيب وقبرص، وهو ما مهد الطريق أمام "هآرتس" للخوض في تفاصيل القضية. 

وتشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن تحقيقها اعتمد على دراسة 100 حالة في 15 دولة حول العالم، وأنّه قد خلص إلى أنّ إسرائيل تحوّلت إلى رائدة مجال تصدير برامج التجسس على المواطنين حول العالم، بواسطة شركات خاصة، إضافة إلى التعاون مع متخصصي وحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، وهو ما مهد الطريق أمام الأنظمة في دول مختلفة للتجسس على المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.

تتخذ شركة "NSO Group" من مدينة هرتسليا وسط إسرائيل، مقرًا لها، وهي الشركة الأم التي تنبثق عنها عدة شركات متخصصة في تطوير برمجيات اختراق الهواتف المحمولة، من ضمنها شركة "Verint System" التي تشارك في تصنيع عملاق التجسس الإسرائيلي، برنامج "بيغاسوس". ويبلغ عائد شركة "NSO Group" السنوي نحو 70 مليون دولار، ويعمل في فروعها حول العالم 5200 موظف، من ضمنهم ألف في إسرائيل، وفق مدير عام شركة "Verint Syste" دان بودنير، الذي قال إن"برامج الشركة تستخدم للأسف في أمور غير إيجابية". 

واستغرق الصحفيان الإسرائيليين، يوناتان يعكوفزون، وهدار شيزاف، عدة شهور في دراسة الوثائق، والإطلاع على بيانات القضايا المرفوعة في المحاكم الإسرائيلية والقبرصية، إلى جانب التواصل مع الضحايا لكشف تفاصيل الصفقات التي تبرمها الحكومات مع الشركات الإسرائيلية بسرية تامة، وكيفية استغلال البرمجيات في ملاحقة المعارضين السياسيين من قبل بعض الأنظمة، وملاحقة الخارجين عن القانون، ومثليي الجنس، أو "المرتدين" عن الدين في دول أخرى.

وكان طرف الخيط في التحقيق المذكور، المحاضر الجامعي المكسيكي فيستاجو أغيرا، الذي كان ينشط أيضا في مجال الدفاع عن المختفين قسرياً في بلاده. وتلقى أغيرا في أحد الأيام رسالة على هاتفه المحمول، جاءت على شكل رسالة من أحد طلابه، وتحتوي على رابط الكتروني، كان الضغط عليه بداية لعهد جديد من الملاحقة بعد السيطرة على هاتفه بشكل كامل، ما جعله أداة للتجسس في يد السلطات. 

"كل ما كان يصلني من رسائل كان يدعوني إلى زيارة الرابط، فهمت متأخراً وبعد أن سعيت إلى كشف ملابسات هذه الرسائل أنني ومن خلال الضغط على الرابط، ساعدت الحكومة في التجسس علي"، قال أغيرا. وأضاف" بدأت أشك أنني أتعرض للمراقبة بشكل غير مسبوق، هناك من يعرف كل شيء عني، كل خطوة أخطوها سواءً أنا أو أفراد عائلتي".

وقال أغيرا إن نحو 30 ألف مواطن اختفوا في المكسيك خلال السنوات العشرة الأخيرة، "هناك جماعات إجرامية تتحكم بمناطق واسعة في بلادنا، وهذه الجماعات متغلغلة في جهاز الشرطة وغيره من أجهزة الدولة، وتستعين بها لتصفية أعدائها، ولدينا حكومة تحارب نشطاء حقوق الإنسان".

ونجح المحاضر الجامعي المكسيكي في كشف ملابسات الاختراق والتجسس من خلال التعاون مع مركز "Citizen Lab" الكندي، حيث استطاع المركز من خلال دراسة الرسائل والبحث عن الروابط التأكد من أن أغيرا تعرض للاختراق بواسطة برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، الذي كانت الحكومة المكسيكية تعاقدت مع الشركة المصنعة في "هرتسليا" لاقتنائه قبل فترة وجيزة.

يشار إلى أن اسم أغيرا، إلى جانب مواطن قطري، ظهرا في دعاوى قضائية رفعت مؤخراً ضد شركة "NSO" الإسرائيلية، وشركة أخرى تحمل اسم " CIRCLES" وتبين أنها إسرائيلية أيضاً، حيث يتهمان الشركتين بأنهما تقفان وراء تسهيل التجسس عليهما إلى جانب مئات النشطاء الآخرين. ورفعا دعاوى في محكمة في إسرائيل وأخرى في قبرص. 

التحقيق يكشف أيضاً، تعاون العديد من دول العالم مع الشركات الإسرائيلية المذكورة لغايات مختلفة، ومن ضمنها أذربيجان التي استخدمت البرنامج الإسرائيلي للتجسس على هواتف مثليي الجنس وملاحقتهم، وأندونيسيا للتجسس على معتنقي ديانات مختلفة والأقليات، ودولة جنوب السودان في الحرب الأهلية ما أدى إلى مقتل المئات، والبحرين والإمارات لتعقب المعارضين.

ويكشف التحقيق أن إسرائيليين كانوا يزورون دولاً عربية من ضمنها البحرين بجوازات سفر غربية لتدريب السلطات على استخدام برامج التجسس.  ويشير "أرنون" وهو أحد موظفي شركة "Verint System" إلى أنّ موظفين إسرائيليين في الشركة زاروا البحرين التي حصلت على برنامج تجسس على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخر على الهواتف النقالة، وهم يحملون جوزات سفر غير إسرائيلية، ويمنعون من التحرك داخل الدولة، سوى في الفندق الذي يقيمون فيه.

وأشار إلى أنّه زار عدداً من الدول ودرب السلطات على استخدام البرنامج، "في البحرين على وجه الخصوص كان معظم الذين دربناهم من الهنود، إلى جانبهم كان يقف رجال المخابرات العرب ومن ضمنهم نساء، لقد منعونا من التحرك بحرية، اعتقد أنهم استخدموا البرنامج للتجسس على المتظاهرين ضد النظام".

تقول "هآرتس" إن الحدث الأهم والذي شكل منعطفاً في التحقيق، هو ما جرى للناشط الإماراتي أحمد منصور، والذي وصلته رسالة "SMS" على هاتفه في أغسطس عام 2016، وتم اختراقه بواسطة برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي.

أحمد منصور، يقضي حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات في سجون الإمارات بتهمة توجيه انتقادات للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر اسمه، وفق هآرتس، في الدعوى القضائية المرفوعة ضد شركة "NSO" الإسرائيلية.

وتظهر الدعوى القضائية أنه في أغسطس/ آب عام 2014 تلقى أريك بانون، وهو إسرائيلي يعمل في شركة" CIRCLES" بريداً الكترونياً من أحمد علي الحبسي، أحد رجال النظام في الإمارات. وطلب من بانون استعراض قدرات البرنامج، وجعل رئيس تحرير صحيفة "العرب" كبشاً للفداء، حيث حصل بعد يومين فقط على تسجيلات صوتية تحتوي على مكالماته الهاتفية.

ونقلت هآرتس عن "بن" وهو أحد الموظفين المعنيين في بيع أنظمة التجسس الإسرائيلية، قوله إن "دبي تحولت إلى زبون كبير بما يتعلق في أنظمة التجسس، إنهم يدركون جيداً أن التكنولوجيا المتطورة مصدرها إسرائيل". وأضاف" أعتقد أن المكالمة بيننا (يقصد حديثه مع هآرتس عبر الهاتف) مسجلة أيضاً، حتى المكالمات عبر التطبيقات يمكن تسجيلها، واتس أب على سبيل المثال، والتلغرام".

"الإمارات ليست وحدها"، تقول "هآرتس"، "قبل عدة أسابيع كشف معهد "Citizen Lab" أن هناك احتمالية كبيرة باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي في التجسس على معارض سعودي في كندا، حيث أشار المعهد إلى أن تحقيقاته تكاد تؤكد أن الرياض استخدمت تكنولوجيا شركة "NSO" للتجسس على "عمر عبد العزيز" الذي حصل على اللجوء في كندا مؤخراً.

التحقيق يكشف أيضاً أن دولا كثيرة حول العالم، استعانت بأنظمة التجسس الإسرائيلية لملاحقة المعارضين، لسجنهم، أو لقتلهم في أحيان كثيرة، من ضمنها دول في أميريكا الجنوبية، وأفريقيا، حيث تستخدمه نيجيريا في التجسس على عناصر تنظيم "بوكو حرام"، فيما تستخدمه ماليزيا لمراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي. 

وكانت رئيسة حزب "ميرتس" اليساري الإسرائيلي ايتمار زندبرغ رفعت دعوى قضائية للمحكمة العليا في القدس ضد الشركات المصنعة لأنظمة التجسس. وقد فرضت السلطات الإسرائيلية أمراً بحظر النشر في الموضوع.

ولم تصدر المحكمة العليا في إسرائيل قراراً بحظر تصنيع مثل هذه الأنظمة رغم التأكد من أنها تستغل لملاحقة المعارضين في دول تحكمها أنظمة ديكاتورية، وقالت رئيسة المحكمة "إنه اقتصادنا، ماذا نفعل؟ إنه يقوم على مثل هذه الصناعات". وفي الوقت ذاته، رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية الكشف عن أسماء الدول التي يحظر بيع البرامج إليها، وكذلك الكشف عن قوانين البيع، ومحدداته.

دان بودنير - مدير عام شركة Verint Syste (Others)
المحاضر الجامعي المكسيكي فيستاجو أغيرا (يسار)  (Others)
TRT عربي
الأكثر تداولاً