المسؤولون الإماراتيون يحاولون إقناع واستمالة حكومة الولايات المتحدة للتدخل في ليبيا من باب حماية أمن مصر (Reuters)
تابعنا

كشفت رسالة إلكترونية حصلت عليها TRT World محاولة الإمارات الضغط على واشنطن للتدخل في ليبيا، بغرض المساعدة على قلب موازين القوى ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وضد تركيا الداعم الرئيس لهذه الحكومة.

ففي رسالة بعثها إلى مسؤولين أمريكيين، يقول سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة إن "في حال عدم مراجعة التحركات التركية في ليبيا، فإن الأمور قد تتجه من سيئ إلى أسوأ".

وبُعثت رسالة العتيبة في 22 يونيو/حزيران الجاري، موجّهة في ترويستها إلى "الأصدقاء"، وسُلّمت إلى المسؤولين الأمريكيين عبر هاجر العواد التي كانت تعمل سابقاً كمديرة للشؤون التشريعية في سفارة الإمارات في واشنطن، والتي تعمل الآن كموظفة في شركة الضغط (لوبي) Akin Gump.

ويبدو أن المسؤولين الإماراتيين يحاولون إقناع واستمالة حكومة الولايات المتحدة، أو جيشها، للتدخل من باب حماية أمن مصر، وفي الوقت نفسه التدخل ضد تركيا والدور الذي تقوم به لصالح دعم حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس.

وأشارت الرسالة إلى أن "تركيا تواصل الضغط والاستفزاز قرب مدينة سرت، وقامت بإرسال زوارق تابعة للبحرية العسكرية التركية إلى سواحل البلاد"، مضيفاً: "تحليلنا مفاده أن تركيا تقوم بذلك عمداً لجرّ مصر نحو التدخل في ليبيا"، مؤكداً أن "مصر تأخذ ذلك بعين الاعتبار وبشكل جدي حالياً".

وتابعت: "ما قد يحصل لاحقاً هو مواجهة عسكرية مباشرة بين مصر وتركياً"، مضيفةً: "إذا كان الاعتقاد بأن ليبيا تعيش في وضع فوضوي الآن، فإن هذا الأمر سيجعل الوضع أكثر سوءاً بمائة ضعف".

في المقابل، لا تشير الرسالة إلى الحضور القوي للإمارات وروسيا في ليبيا، إذ تعدّ الدولتان الداعم الرئيس للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في حين تقوم في المقابل بادّعاء متناقض مفاده أن ترك تركيا "تجد موضع قدم على الحدود الليبية المصرية" سيكون مشابهاً "لحلول الصين محلّ كندا، وروسيا محل المكسيك".

وتضيف الرسالة على لسان هاجر العواد أن "السفير (العتيبة) والقيادة الإماراتية قلقون جداً من التطورات في ليبيا"، وتتابع: "طلب مني السفير أن أشارك الرسائل أسفله مع كل من يقوم بتتبع الوضع في ليبيا، وأحثّكم على مشاركتها حالاً مع الأعضاء"، مؤكدة أن "الأوضاع تتطور بسرعة وتثير القلق جداً".

وتدّعي الرسالة التي أرسلها العتيبة عن طريق العواد أن تركيا تصعّد الصراع في ليبيا عن طريق إرسال "إرهابيين" إلى ليبيا وتحاول جرّ مصر إلى الصراع عبر إرسال زوارق عسكرية قرب حدود مصر المتوسطية.

صراع قادم؟

تنشط تركيا في ليبيا من خلال دعمها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وهي الحكومة الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة، والتي تقود المعارك ضد أمير الحرب خليفة حفتر.

في المقابل، تلقى قوات حفتر، التي تُسمي نفسها "الجيش الوطني الليبي"، دعماً من كل من مصر والإمارات وروسيا، وهي التي بدأت عدواناً لانتزاع العاصمة طرابلس من حكومة الوفاق الوطني في أبريل/نيسان 2019.

وتتهم حكومة الوفاق والأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتس، ميليشا حفتر بالقيام بخروقات من ضمنها زرع ألغام في مناطق سكنية، بعضها كان روسيَّ المنشأ.

وبعد سلسلة انتصارات لحكومة الوفاق الوطني، انسحبت ميليشيا حفتر على عجل من الضواحي الجنوبية لطرابلس ومن ثمّ من كامل الغرب الليبي بداية الشهر الجاري، لتتراجع إلى حدود مدينة سرت الساحلية التي تبعد قرابة 2000 كلم عن الحدود المصرية.

وتعدّ الإمارات واحدة من أقوى داعمي حفتر إلى جانب روسيا، وذهبت إلى حد إقناع السعودية كي تكون حليفاً تابعاً لها في ليبيا. كما أن هناك شبه إجماع على أن الإمارات هي التي تضغط على مصر كي تقوم بتدخل عسكري في ليبيا لصالح حفتر، وهو تحرّك يعارضه كثيرون داخل الجيش المصري.

في هذا الصدد، تدعي رسالة العتيبة أن مصر لن تسمح لدولة تدعم "الإخوان المسلمين" بإيجاد موطئ قدم على حدودها.

الهلال النفطي

لا يبدو واضحاً لماذا اعتبرت السلطات المصرية مدينة سرت "خطاً أحمر"، على الرغم من أنها تبعد قرابة 1000 كلم عن الحدود المصرية، غير أن سرت لطالما عُدّت بوابة "الهلال النفطي"، إذ تربط مواني السدرة وراس لانوف ومرسى البريقة والزويتينة التي تربط 11 خط أنابيب نفطي و3 قوات غاز بالساحل المتوسطي.

من جهة أخرى، فإن من يسيطر على مدينة سرت سيكون قادراً بالتالي على فرض سيطرته على أكثر من 350 كم على الساحل المتجه نحو مدينة بنغازي، التي تبعد قرابة 600 كلم عن الحدود المصرية.

وتعدّ هذه المنطقة مهمة لمستقبل ليبيا، ذلك أن مدخول بيع الكربوهيدرات يمثّل الجزء الأكبر من دخل البلاد في مجمله، فقبل الحرب كانت مداخيل المشتقات النفطية تمثّل قرابة 96٪ من مداخيل البلاد.

"سوريا جديدة"

في الوقت الذي تبدو فيه رسالة العتيبة مطالبةً بتدخل أمريكي، ومحذرةً من أن أي تصعيد بين مصر وتركيا قد يجعل الأزمة الإنسانية "أسوأ بمائة ضعف"، إلا أن نوايا واشنطن لا تزال غير واضحة.

من جهته، كان ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأمريكي سابقاً، لقناة الجزيرة، إن الأمريكيين عازمون على "عدم السماح للروسيين بجعل ليبيا سوريا جديدة"

ولم تتلقّ شبكة TRT رداً من سفارة الإمارات في واشنطن ولا من شركة اللوبي Akin Gump.

الدور الإماراتي في ليبيا

باعتبارها أهم داعمي حفتر، أمدّت أبو ظبي حفتر بأنظمة تسليح متقدّمة في خرق واضح لحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا الذي فرضته الأمم المتحدة.

كما أن ميليشا حفتر تعتمد بشكل مكثّف على الدعم الجوي الإماراتي الذي يشمل نقل طائرات مسيّرة صينية الصنع من نوع Wing Loong II والتي استخدمت في هجمات على حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

وكشف تقرير للأمم المتحدة أن الإمارات زوّدت حفتر بأنظمة دفاع جوي متقدمة من صنع روسيّ من نوع Pantsir S-1s، وتم تثبيتها في قاعدة الجفرة قرب مدينة غريان.

وأشارت تقارير في أبريل/نيسان الماضي إلى أن شركات مقرها الإمارات شحنت 11.000 طن من وقود الطائرات إلى حفتر، في خرق متكرر للحظر الدولي للأسلحة في ليبيا.

وتخضع هذه الشحنات للتحقيق من طرف الولايات المتحدة، ويعتقد أن قيمتها السوقية الإجمالية تقارب 5 ملايين دولار في الوقت الذي حمّلت فيه من الإمارات وسلّمت فيه إلى مقرات حفتر في الشرق الليبي خلال الشهر الماضي.

بعثت رسالة العتيبة في 22 يونيو/حزيران الجاري، موجّهة في ترويستها إلى "الأصدقاء"، وسُلّمت إلى المسؤولين الأمريكيين عبر هاجر العواد (TRT World)
TRT عربي
الأكثر تداولاً