وصول تعزيزات عسكرية تابعة للحكومة الليبية إلى تخوم مدينة سرت وسط ترقب لبدء المعركة (AA)
تابعنا

مبادرة "سلام" من القاهرة الداعم الرئيسي للانقلابي حفتر، تلتها دعوة من موسكو الموجودة عبر أذرعها غير الرسمية في ليبيا لوقف إطلاق النار، مروراً بمواقف المسؤولين الفرنسيين المتضاربة التي يناقض بعضها بعضاً، والهدف واحد بحسب حكومة الوفاق وهو عدم دخول قواتها إلى سرت والجفرة.

ورغم ذلك تستميت حكومة طرابلس الشرعية من أجل هدفها، وهو إعادة الوضع لما قبل العدوان على العاصمة من قبل حفتر، إذ يشهد محيط مدينة سرت منذ أيام تعزيزات عسكرية ضخمة وسط حالة من الترقب من كل الأطراف، والانتظار لبداية المعركة.

بالتزامن مع ذلك تحاول تركيا الداعم الرئيسي للحكومة الشرعية التنسيق مع الفاعلين الرئيسيين من أجل ليبيا، إذ كثفت اتصالاتها بموسكو وواشنطن في الآونة الأخيرة من أجل تقريب وجهات النظر والمضي نحو حل يلائم جميع الأطراف.

سرت-الجفرة طريق تدفق النفط

لم يكن تصريح أحمد المسماري، المتحدث باسم مليشيا حفتر، بأن الساعات المقبلة ستشهد "معركة كبرى" في محيط سرت والجفرة، مجرد تخمين منه، بل هو تأكيد للتطورات الحاصلة من الجهتين.

فإصرار حكومة الوفاق على بسط سلطتها على الحقول النفطية صار أشد من أي وقت مضى، خاصة بعد سيطرة المرتزقة عليها ومنع تدفق النفط الذي يشكل أكثر من 90% من اقتصاد الليبيين.

هذا الأمر الذي أكده المتحدث باسم الجيش العقيد محمد قنونو حين قال: إنه "حان الوقت ليتدفق النفط مجدداً، والضرب على الأيدي الآثمة العابثة بقوت الليبيين، وإنهاء تواجد المرتزقة الداعمين لمجرم الحرب (الجنرال الانقلابي خليفة حفتر) الذي أباح لهم أرض ليبيا وسماءها".

قنونو أضاف أن حكومة الوفاق "تؤكد على موقفنا الثابت بأننا مستمرون في الدفاع المشروع عن أنفسنا، وضرب بؤر التهديد أينما وجدت، وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون المستهينة بأرواح الليبيين في كامل أنحاء البلاد".

وتابع مؤكداً: "نبشر كل الليبيين الشرفاء أننا ماضون إلى مدننا المختطفة، ورفع الظلم عن أبنائها، وعودة مهجريها، وسنبسط سلطان الدولة الليبية على كامل ترابها وبحرها وسمائها".

ووجه قنونو رسالة إلى فلول مليشيا حفتر، قائلاً: "الجواب ما ترون لا ما تسمعون. ونعاهد شعبنا بأن جرائم المقابر الجماعية وزرع الألغام لن تمر دون عقاب".

هذا التهديد العسكري الصريح سبقه تصريحات سياسية من قادة ليبيين بأن دخول سرت-الجفرة والسيطرة على تدفقات النفط هو الطريق الوحيد من أجل الحل السياسي في ليبيا، إذ أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، أنه لا محادثات سياسية دون عودة حقول النفط للشرعية وخروج مليشيات حفتر لما قبل العدوان على العاصمة، أي الحدود التي رسمها اتفاق الصخيرات الموقع سنة 2015.

تحركات أنقرة

على وقع الأنباء الواردة من محيط سرت-الجفرة، يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العمل على التنسيق بين الدول الكبرى الفاعلة في ليبيا من أجل ضمان استقرار ليبيا واقتصادها.

إذ بحث أردوغان في يوم واحد المجريات في ليبيا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصالين منفصلين.

وقالت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية: إن "أردوغان وترمب أجريا اتصالاً هاتفياً، بحثا فيه عدداً من القضايا الإقليمية في مقدمتها الملف الليبي فضلاً عن العلاقات بين البلدين".

في حين أفاد بيان آخر أن الرئيس التركي بحث مع نظيره الروسي آخر المستجدات الحاصلة في ليبيا وسوريا، مضيفاً أن الزعيمين اتفقا على مواصلة التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

قبل ذلك كانت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو واضحة بشأن ليبيا، إذ أكد خلال لقائه قناة TRT ضرورة انسحاب خليفة حفتر ومليشياته ن هذه المدينة وإلا فسيواجه عملاً عسكرياً.

وقال وزير الخارجية التركي في هذا الشأن: "هناك تحضيرات لعملية، لكن نجرب المفاوضات لانسحاب حفتر والقوات الداعمة له"، وتابع قائلاً إن بلاده تأمل أن يسلك حفتر المسار السياسي وينسحب من سرت دون عمل عسكري ضده.

وأشار جاوش أوغلو إلى الأصوات التي تتعالي لوقف إطلاق النار من معسكر حفتر مع تأكيد مخاوف حكومة الوفاق بشأن القبول بأي وقف إطلاق النار بسبب عدم صدق نيات الداعين إليه، وخاصة عدم ضمان التزام حفتر به الذي سبق أن أخل بالاتفاقات السابقة.

وأكد جاوش أوغلو أن تركيا تريد وقف إطلاق نار، وتؤمن بأن الحل السياسي هو الوحيد، وهذا موقفها منذ البداية، "لكن لأن الطرف الآخر يفكر ويتحرك بشكل مغاير لهذا قمنا باتخاذ الخطوات اللازمة في الميدان وعلى الطاولة، فالحل السياسي هو الوحيد ومستعدون لذلك، لكن يجب توفر الشروط اللازمة من أجل وقف إطلاق النار والعملية السياسية"، على حد قوله.

ماذا يجري في معسكر حفتر؟

بكثير من التخبط بين القول والفعل، يدخل معسكر الداعمين لخليفة حفتر مرحلة سرت-الجفرة دون استراتيجية واضحة بحسب تصريحات الدول الرئيسية فيه.

ومع حديث المسماري عن المعركة الكبرى بالتزامن مع تصويت برلمان طبرق على استدعاء الجيش المصري رسمياً للأراضي الليبية، وتعويله على تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن سرت-الجفرة خط أحمر بالنسبة لبلده.

رصد الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية وصول إمدادات عسكرية قادمة من مصر إلى مدينة طبرق شمال شرقي ليبيا.

وبث المركز الإعلامي للجيش الليبي صورة لسيارات نقل مخصصة لحمل الأسلحة والعتاد الحربي، يقف بمحاذاتها أشخاص يرتدون زياً عسكرياً، دون ذكر أي تفاصيل أخرى.

وفي 8 أبريل/نيسان الماضي نشر المركز الإعلامي صورا تُظهر وصول سفينة من مصر إلى ميناء طبرق (شمال شرق)، على متنها 40 حاوية تحمل إمدادات عسكرية وذخائر لدعم مليشيا حفتر.

كما نشر أيضاً في 6 يوليو/تموز 2019 صورا تُظهر وصول إمدادات عسكرية وذخائر براً من مصر إلى مليشيا حفتر، بحسب المصدر ذاته.

لكن هذه التعزيزات العسكرية المصرية تأتي عكس الرياح التي تجري معها مرتزقة فاغنر الروسية، التي توجد بقوة في سرت والجفرة، إذ اختارت الانسحاب في وقت الاستعداد للمعركة.

في هذا السياق أكد الناطق باسم غرفة تحرير سرت والجفرة التابعة للحكومة الليبية العميد عبد الهادي دراه في حديث مع TRT عربي، رصد قواتهم انسحاب مجموعات من مرتزقة فاغنر والجنجويد من مدينتي هون وسوكنة في اتجاه شرق البلاد.

وأبان دراه أن قواتهم تتحرى عن وجهة المجموعات المنسحبة من المدينتين، مؤكداً في الوقت ذاته استمرار تحشيدات مليشيات المتمرد خليفة حفتر في مدينة سرت التي تشهد هدوءاً منذ أكثر من شهر.

من ناحية أخرى تأتي تصريحات إماراتية لافتة، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي اعتبر أن "طبول الحرب التي تقرع حول سرت في ليبيا تهدد بتطور جسيم وتبعات إنسانية وسياسية خطيرة".

بل طالب قرقاش بالوقف الفوري لإطلاق النار وتغليب الحكمة، والدخول في حوار بين الأطراف الليبية وضمن مرجعيات دولية واضحة، مشيراُ إلى ضرورة عودة تدفق النفط الليبي، ولكنه تجاهل بذلك اتهامات حكومة الوفاق لأبو ظبي بالسيطرة على حقول النفط والتستر على بيعه بطريقة غير شرعية.

وبين الانسحابات والتعزيزات العسكرية والمطالبات بوقف إطلاق النار من قبل داعمي الانقلابي حفتر، يبدو أن إصرار الحكومة الليبية على انهاء التمرد في سرت والجفرة بات ضرورة قصوى من أجل عودة اقتصاد البلاد إلى الانتعاش، وإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي، وهو اتفاق الصخيرات والشرعية الدولية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً