يُعتبر فيسبوك من مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها الفلسطينيون في نشر الأخبار ومتابعة الأحداث (Getty Images)
تابعنا

تزايدت في الآونة الأخيرة انتهاكات موقع فيسبوك ضدّ المحتوى الفلسطيني، وحاربه بطريقة لا تسمح للوكالات ووسائل الإعلام والأفراد بالتعبير عن رأيهم بحرية، ليشينّ حملات واسعة يحذف من خلالها مئات الحسابات المهمَّة والموثَّقة التي تساهم في نقل الرواية الفلسطينية وتفضح الجرائم الإسرائيلية.

هذه الإجراءات غير المبررة دفعت عديداً من الفلسطينيين إلى بدء حملة تغريد على هاشتاغ fbblockspalestine عبّر من خلاله الإعلاميون والنشطاء الفلسطينيون عن غضبهم لمحاولات فيسبوك المتكررة اجتثاث الرواية الفلسطينية بشكل كامل، وانحيازه لإسرائيل بطريقة واضحة.

ويُعتبر فيسبوك من مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها الفلسطينيون في نشر الأخبار ومتابعة الأحداث، فقد ساهم في الآونة الأخيرة في فضح الانتهاكات الإسرائيلية بشكل كبير، ونظّم النشطاء الوقفات التضامنية والشعبية من خلاله، الأمر الذي كبّل عديداً منهم بسبب هذه السياسة التي باتت غير مفهومة.

90% من طلبات الاحتلال الإسرائيلي لإزالة وحظر الحسابات والصفحات الفلسطينية، استجابت لهم فيسبوك منذ بداية عام 2019، وأكثر من 200 انتهاك للمحتوى الفلسطيني منذ بداية العام، بينها 100 انتهاك خلال شهر مايو/أيار و23 انتهاكاً خلال شهر يوليو/تموز، و17 انتهاكاً خلال شهر أغسطس/آب و17 خلال شهر شبتمبر/أيلول

موقع صدى سوشيال

فيسبوك يتحيز لإسرائيل

ينتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي تجاهل موقع فيسبوك للصفحات والحسابات الإسرائيلية التي تحرّض ضدّ الفلسطينيين، وتدعو إلى قتل الأطفال واعتقالهم وسلب الأراضي. وتساءل بعضهم عن سبب عدم حذف حسابات تحرّض مباشرةً ضدّ الفلسطينيين، مثل حساب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونجله يائير.

وكان يائير كتب على فيسبوك محرّضاً ضدّ البلدات العربية داخل أراضي الـ48، ونشر صورة مفبركة لمدينة طمرة مدَّعياً أن بناءها غير مرخَّص، داعياً الشرطة الإسرائيلية إلى التدخل في معالجة هذه الظاهرة.

בגליל, בנגב ובמשולש יש בעיה גדולה שמשטרת ישראל פשוט לא אוכפת את חוקי הבנייה במגזר הערבי. קחו לדוגמא את הכפר טמרה בגליל...

Posted by Yair Netanyahu on Friday, 23 November 2018

كذلك نشر يائير منشوراً عنصريّاً ضدّ المسلمين على فيسبوك، وكتب وفق ما أكَّدته صحيفة هآرتس الإسرائيلية "لن يكون سلام هنا حتى يغادر جميع العرب والمسلمين أرض إسرائيل". وكتب في منشور آخر "هل تعلمون أين لا تحدث هجمات؟ في آيسلندا واليابان، وللمصادفة لامسلمين هناك".

خوارزميات لمهاجمة المحتوى

بنى فيسبوك خوارزمية يُحذَف بناءً عليها عدد كبير من منشورات الفلسطينيين إذا جاء فيها مصطلحات معيَّنة دون النظر حتى إلى السياق الذي ترد به هذه المصطلحات، إذ تحظر المنشورات والصور والبث المباشر للنشطاء لفترات متفاوتة، وأضاف فيسبوك في هذه الخوارزميات مصطلحات فلسطينية لقائمة الحظر والانتهاكات، مدَّعياً أنها تنتهك معايير الموقع.

وحذفت إدارة الموقع خلال الأيام القليلة الماضية عديداً من المنشورات بسبب كلمات فلسطينية، وبعض هذه المنشورات يعود إلى أعوام ماضية، تضمنت مصطلحات تُستخدم في الحياة اليومية للفلسطينيين، من بينها "حماس - الجهاد - شهيد - القسام - السرايا - حزب الله" وغيرها، حسبما أفاد الصحفي والناشط الفلسطيني سامح مناصرة لـTRT عربي.

وقال مناصرة إن "المشكلة الأساسية تكمن في حظر مثل هذه الكلمات التي تُستخدم بشكل يومي في تعبير الفلسطيني عن واقعه الاجتماعي والسياسي"، مشيراً إلى أن "فيسبوك غير صادق في ادعائه، لأن كل مستخدميه كتبوا هذه المصطلحات في منشورات سابقة، ولو كانت هي سبب الحظر لأُزيلَت جميع حسابات الفلسطينيين دون استثناء".

ويضيف "هذا يدعنا نجزم بوجود قائمة معدة مسبقاً تتضمن مجموعة من الأسماء غير المرغوب فيها في الفضاء الأزرق، بدليل أنه عند إنشاء حساب جديد باسمٍ حذفه فيسبوك سابقاً، يُحذَف في غضون دقائق، إذا استخدم نفس الاسم والصورة والـIP في إنشائه، بما يعني أن فيسبوك تَحوَّل لأداة قمع بيد إسرائيل وليس منحازاً فقط له، ويلاحق شخصيات معينة دون غيرها".

ويتابع "فيسبوك اليوم تَحوَّل إلى قاعدة بيانات ضخمة لعدد كبير من المستخدمين حول العالَم، وحين يتعامل معنا بهذه الطريقة فبالتأكيد يستخدم البيانات الخاصَّة بنا ضدنا". ويتساءل مناصرة، الذي حذف فيسبوك صفحته أكثر من مرة "حين يتعامل معنا فيسبوك بهذه الطريقة، لمن يُكشَف محتوانا الخاصّ من رسائل وصور وغيرها؟".

في ذات السياق قال مدير مركز صدى سوشيال إياد الرفاعي لـTRTعربي، إن المركز وجّه رسالة شديدة اللهجة إلى مديرة قسم السياسات العامَّة في فيسبوك بالشرق الأوسط نشوى حسين، قدّم من خلالها شرحاً للتضييق الذي ارتفعت وتيرته مؤخَّراً تجاه المحتوى الفلسطيني.

وجاءت الرسالة عقب محاربة فيسبوك عديداً من الكلمات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وإدخالها حيّز الكلمات المحظور تداولها عبر الموقع الأزرق، مِمَّا عرّض مئات الحسابات والصفحات الفلسطينية للعقوبات المتنوعة من إدارة فيسبوك، ووصلت هذه العقوبات إلى إغلاق حسابات وصفحات عمرها أكثر من 10 سنوات.

ويرى الرفاعي أن فيسبوك يمارس عقوبات جماعية بحق الفلسطينيين عند وضعه الخوارزمية والحكم على بعض الكلمات على أنها كلمات إرهابية، لهذا السبب أطلق المركز حملة دعا فيها النشطاء إلى التغريد على تويتر تحت هاشتاغ fbblockspalestine من أجل الضغط على فيسبوك لوقف الانتهاكات.

وأشار الرفاعي إلى وجود مناقشات مستمرة مع إدارة فيسبوك، إذ كانت للمركز تجربة سابقة ناجحة عام2015 و2016، واستطاع استعادة 90%من الحسابات.

وأضاف "سندرس خطوات عملية على أرض الواقع من شأنها الضغط على فيسبوك للعدول عن التضييق الكبير الذي يرتكبه ضدّ المحتوى الفلسطيني، وسنعقد اجتماعاً لشبكة المنظَّمات الأهلية، لكي تتبني بياناً مشتركاً تضغط فيه على فيسبوك للعدول عن هذه الممارسات، وسنُجرِي مشاورات مع الحكومة الفلسطينية لكي يكون لها دور فعال في الموضوع".

استياء عالَمي من فيسبوك

اتهمت مؤسَّسة إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان، إسرائيل بأنها "توظف علاقاتها مع شركة فيسبوك في (محاربة) المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني الأزرق"، وربطت المؤسَّسة في تقرير لها بين شكاوى الفلسطينيين من قيود تفرضها فيسبوك على المحتوى الخاص بهم، ومصالح اقتصادية بينها وبين إسرائيل.

استضافة إسرائيل مقرّاً إقليميّاً لشركة فيسبوك أتاح لها التأثير بشكل متصاعد على المحتوى الفلسطيني حتى بلغ حدّ اعتقال عشرات الفلسطينيين بسبب ممارستهم مجرَّد حقهم في حرية التعبير

مها الحسيني - المديرة التنفيذية لمؤسَّسة إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان

وأبرزت مها الحسيني المديرة التنفيذية لمؤسَّسة إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان تكرار زيارات لكبار المسؤولين في شركة فيسبوك وإسرائيل وإبرام اتفاقيات بين الجانبين بدعوى محاربة التحريض، مما أسفر عن تقييد شديد للمحتوى الفلسطيني، في وقت يندر فيه التعامل مع المحتوى الإسرائيلي الذي يدعو إلى نشر الكراهية والدعاية ضدّ الفلسطينيين.

من جانبه وثّق المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) إغلاق شركة فيسبوك منذ مطلع العام الجاري، عشرات الصفحات لإعلاميين ونشطاء فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيراً إلى أن معظم الصفحات التي أُغلقت تحظى بمتابعات واسعة، ولم يتلقَّ أصحابها أي إنذارات مسبقة، أو تفسيرات لإقدام شركة فيسبوك على خطوة الإغلاق".

وتستمر إدارة شركة فيسبوك في التضييق على المحتوى الفلسطيني، ضاربة بكل المعايير والأخلاقيات المهنية والحقوقية عرض الحائط في تعاملها مع المحتوى الفلسطيني وخصوصيته كشعب واقع تحت الاحتلال، ففي يونيو/حزيران من العام الماضي، كشفت وزارة القضاء الإسرائيلية أن إدارة موقع فيسبوك استجابت عام 2017 لما يقرب من 85% من طلبات إسرائيل، لإزالة وحظر وتقديم بيانات بخاصَّة بالمحتوى الفلسطيني على موقع التواصل الاجتماعي.

الحملة الواسعة لشركة فيسبوك على صفحات إعلامية تُعتبر مساساً جسيماً وخطيراً بالحريات الإعلامية واستجابة لمواقف إسرائيل بشأن ما تعتبره تحريضاً عليها أو ضدّ سياساتها وجيشها

المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)

وفي أبريل/نيسان الماضي، نشرت صحيفة هآرتس العبرية عن استثمار كبير لشركة فيسبوك في عمليات الذكاء الصناعي في إسرائيل من خلال مركز جديد للبحث والتطوير مصمَّم لمساعدة عمل المهندسين والمبرمجين في الشركة الأمريكيَّة وخارجها. وأبرزت الصحيفة أن فيسبوك بين أكثر من 300 شركة متعددة الجنسيات فتحت منشآت للبحث والتطوير في إسرائيل.

منصة أمنية

الانتهاكات المستمرة للمحتوى الفلسطيني حوّل موقع فيسبوك إلى منصة أمنية يرصد الاحتلال الإسرائيلي من خلالها مشاركات النشطاء ويعتقلهم بناءً عليها ويحاكمهم عليها بتهم التحريض.

وأشارت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في منظَّمة التحرير الفلسطينية إلى أن إسرائيل اعتقلت ما يزيد على 70فلسطينيّاً عام2017، و350 فلسطينياًّ عام 2018، بينهم صحفيون وكُتَّاب بسبب منشورات وشعارات أو نشر ملصقات وصور قتلى وأسرى على صفحات فيسبوك، وأحياناً بسبب مشاركة وتسجيل إعجاب لمنشورات آخرين.

عدد كبير من المعتقلين حُوّلوا للاعتقال الإداري من بينهم أطفال ونساء، وعدد آخر أُصدِرَت لوائح اتهام بحقهم بتهمة المساس بأمن إسرائيل والتحريض

هيئة شؤون الأسرى والمحررين

كما لفتت الهئية إلى أن "وحدة خاصَّة إسرائيلية مشكَّلة في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي تسمى السايبر (أو الوحدة 8200) ترصد الأنشطة والآراء كافة وعمليات التضامن والتعبير عن الرأي والمواقف الصادرة عن الفلسطينيين، وتشنّ حملات اعتقال لأتفه الأسباب ولمجرد وضع صورة شهيد أو أسير على الموقع، أو التنديد بالممارسات الإسرائيلية وانتهاكات قوات الاحتلال المتصاعدة لحقوق الشعب الفلسطيني".

ورصد مركز أسرى فلسطين للدراسات عام 2017 اعتقال سلطات الاحتلال 450 فلسطينيّاً بتهمة التحريض عبر موقع التواصل الاجتماعي، خلال فترة انتفاضة القدس منذ عامين. واتهم المركز سلطات الاحتلال بخلق ذرائع جديدة لتبرّر اعتقال الفلسطينيين، من بينها الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً فيسبوك، إذ رصد عديداً من الحالات التي جُدّد الاعتقال الإداري لها بذات التهمة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً