رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أعلن قراره تقديم استقالته نزولاً على مطالب المحتجين بعد 13 يوماً من حراك احتجاجي واسع (AFP)
تابعنا

بعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات الضخمة التي تعم مختلف أرجاء لبنان، أعلن سعد الحريري عصر الثلاثاء، قراره الاستقالة من رئاسة الحكومة، واصفاً القرار بـ"الصدمة الكبيرة" التي كانت ضرورية من أجل "تأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين".

وعلى الرغم من أن استقالة الحريري تُعد تلبية لمطلب أساسي من مطالب المحتجين برحيل جميع مكوّنات النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية، فإن البعض يُحذِّر من أن تتسبب الخطوة في امتصاص الحراك الشعبي قبل تحقيق أهدافه، فيما يتخوّف آخرون من أن تجر استقالة الحريري لبنان إلى مزيد من الفوضى، لا سيما وأن أطرافاً أبرزها حزب الله أعلنت رفضها إسقاط هذه الحكومة ولوّحت ضمنياً بأن ذلك قد يفتح مجالاً لحرب أهلية جديدة.

احتفالات شعبية ومطالبات بحكومة انتقالية

بمجرد إعلان الحريري قراره تقديم استقالته من رئاسة الحكومة نزولاً على"إرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات للمطالبة بالتغيير"، عمّت احتفالات واسعة بين صفوف المحتجين الذين رأوا في الخطوة أولى ثمار حراكهم الملموسة.

على الرغم من ذلك، أكّد بعض المشاركين في الحراك أنهم مستمرون في احتجاجاتهم حتى تحقيق كامل المطالبات الشعبية برحيل بقية مكونات الطبقة السياسيّة الحاكمة المتهمة بالفساد، تحت شعار "كلن يعني كلن".

وقالت ما تُعرف بحركة شباب الثورة في بيان، إن "إعلان استقالة الحكومة ليس إلّا المرحلة الأولى"، ودعت إلى "تأليف حكومة مصغّرة حيادية مستقلّة من المتخصصين، تحضيراً لانتخابات نيابية مبكّرة"، مشددةً على أن "تعطيل الدولة وشلل البلاد يقتضي الامتثال للقضاء والمحاسبة وإعادة الأموال المنهوبة، بعد إنشاء محكمة محلية دولية".

على المستوى الميداني، أفاد مراسل TRT عربي في بيروت أحمد شلحة بأن إعلان الحريري أعقبه اجتماع لمجموعات الحراك المدني أسفر عن اتفاق معظم هذه المجموعات على إعادة فتح الطرقات كـ"بادرة حسن نية"، وتجمّعت عناصر الجيش عند أغلب مداخل ومخارج الطرقات التي فُتحت، باستثناء بعض الطرق التي لا تزال تُجرى بشأنها مفاوضات بين المعتصمين والجيش.

من جانبها، أعلنت الرئاسة اللبنانية، الأربعاء، قبول استقالة حكومة سعد الحريري، وتكليفها بتصريف الأعمال لحين تشكيل وزارة جديدة. وقالت الرئاسة في بيان متلفز "عطفاً على أحكام البند 1 من المادة 69 من الدستور المتعلقة بالحالات التي تعتبر فيها الحكومة مُستقيلة، وبعد استقالة رئيسها سعد الحريري، أعرب فخامته (الرئيس ميشال عون) عن شكره لدولة الرئيس (الحريري) والوزراء وطلب من الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما تُشَكَّل حكومة جديدة".

تخوّفات سياسية واقتصادية

على الرغم من تفاؤل كثيرين باستقالة الحريري التي مثّلت حسب تعبيره نفسه، استجابة مباشرة لمطالب المحتجين، بما يحمله ذلك من تحدٍ لأطراف مهمة، أبرزها حزب الله الذي أعلن أمينه العام حسن نصر الله قبل أيامٍ رفضه المطالب المنادية بـ"إسقاط العهد"، إلا أن آخرين يتخوفون من احتمالات تطوّر الأمور في اتجاه سيئ على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية.

فقبيل إعلان الحريري بساعات، شهدت بعض ساحات الاعتصام في وسط بيروت هجوماً شنّه مؤيدون لحزب الله وحركة أمل على المحتجّين باستخدام العصي والحجارة، وأحرق المهاجمون بعض خيام المعتصمين، قبل أن تفصل قوات الأمن بين المشتبكين.

على صعيدٍ آخر، قطع مؤيدون لتيار المستقبل، الذي يتزعمه سعد الحريري، طرقات في بيروت احتجاجاً على استقالة زعيمهم بمفرده دون بقية الطبقة السياسية الحاكمة. وطالب مؤيدو الحريري باستقالة كلٍّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون.

لم يعد ممكناً الاستسهال وتمضية الوقت باتباع النهج المسمّى بالمحاصصة الطائفية والذي ظل قابضاً على نظام البلاد السياسي لنحو 30 عاماً

الباحث السياسي اللبناني أمين قموري

على الصعيد الاقتصادي، يتخوّف البعض من سيناريوهات قاتمة تهدد اقتصاد البلاد الهش أساساً؛ فاستقالة الحريري جاءت غداة تحذير رئيس المصرف المركزي رياض سلامة من احتمال انهيار الاقتصاد إذا استمرت الاحتجاجات، لا سيّما وأن أبواب المؤسسات المصرفية ظلّت مغلقة منذ اليوم الثاني لاندلاع المظاهرات.

في هذا الصدد، يقول الباحث السياسي اللبناني أمين قموري إن "ما يريده الناس هو أكثر بكثير من استقالة الحريري، فأمعاء السلطة والنظام السياسي خرجت إلى العلن في الفترة الأخيرة".

ويضيف قموري لـTRT عربي أنه على الرغم من ضبابية المشهد الحالية، فإن "لبنان مقدِم على مرحلة جديدة، ربما يكون أبرز ملامحها ظهور لاعب جديد هو الناس".

ويتابع: "لم يعد ممكناً الاستسهال وتمضية الوقت باتباع النهج المسمّى بالمحاصصة الطائفية والذي ظل قابضاً على نظام البلاد السياسي لنحو 30 عاماً".

الأمم المتحدة تدعو للتهدئة

دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، جميع القوى السياسية في لبنان إلى الهدوء، مطالباً قوات الأمن بحماية المتظاهرين السلميين والمحافظة على أمن البلاد.

وقال فرحان حق نائب المتحدث الرسمي باسم غوتيريش، في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء في المقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك، إن "الأمين العام للأمم المتحدة أحيط علماً باستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في وقت سابق، وهو يدعو جميع الأطراف للمحافظة على الهدوء، ويطالب قوات الأمن بالمحافظة على أمن البلاد وحماية المتظاهرين السلميين".

وأضاف: "نأمل أن تتوافق جميع القوى السياسية وتجتمع معاً بحيث تتم المحافظة على السلام والأمن في هذا البلد".

ويشهد لبنان، منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، احتجاجات واسعة تطالب برحيل جميع رموز الطبقة السياسية الحاكمة وتشكيل حكومة كفاءات وإجراء انتخابات مبكرة واستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد المستشري ومحاسبة المفسدين، وفق المحتجين.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً