الوثيقة الدستورية تنص على أن العلاقات الخارجية هي اختصاص السلطة التنفيذية في السودان (Reuters)
تابعنا

لا تزال تبعات لقاء رئيس المجلس السيادي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا الاثنين، تلقي بظلالها على الوضع الداخلي السوداني.

وتتواصل عملية كشف تفاصيل اللقاء المفاجئ وكواليسه وتبعاته على العملية السياسية الداخلية، لا سيما أن عدداً من شركاء البرهان في الحكم أعلنوا رفضهم التقارب مع تل أبيب، في الوقت الذي أيّد فيه الجيش الخطوة، بعد تصريحات إعلامية أدلى بها المتحدث باسم الجيش السوداني العميد ركن عامر محمد الحسن في مقر القيادة العامة للجيش بالعاصمة الخرطوم.

زلزال داخلي

يترأس الفريق أول عبد الفتاح البرهان مجلس السيادة وفقاً للوثيقة الدستورية التي تتضمن محددات مرحلة انتقالية يُعد مجلس السيادة أحد هياكلها، وبدأت في 21 أغسطس/آب الماضي وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف مدني في مقدمته "قوى إعلان الحرية والتغيير".

وتنص هذه الوثيقة الدستورية على أن العلاقات الخارجية هي اختصاص السلطة التنفيذية، وعليه اعتبرت "قوى إعلان الحرية والتغيير" أن ما حدث يشكل تجاوزاً كبيراً في حق الوثيقة الدستورية.

وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان، إنه لا علم لها باللقاء ولم يتشاور معها أحد في أي وقت سابق، وهو أمر مخلٌّ ويلقي بظلال سالبة على الوضع السياسي بالبلاد.

إلا أن البرهان في تصريحات، أكد أنه أخطرَ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بلقاء عنتيبي قبل يومين من موعده.

وأعلن مدير إدارة السياسة الخارجية في مجلس السيادة السوداني رشاد فراج الطيب السراج الأربعاء، استقالته من منصبه، احتجاجاً على لقاء رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال السراج، في بيان استقالته، إنه "بعد سنوات حافلة بالعطاء من أجل وطني وشعبي العظيم، أجد اليوم عسيراً ومستحيلاً على نفسي الاستمرار في موقعي كمدير لإدارة السياسة الخارجية، إذ يتعين عليّ أن أخدم في حكومة يسعى رأسها للتطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني الذي يحتل القدس الشريف ويقتل أهلنا في فلسطين".

وأضاف: "أمانة التكليف تقتضي أن أقدم استقالتي قبل أن أرى أعلام الكيان الصهيوني ترفرف على القصر الذي قُتل فيه (تشارلز جورج) غردون (لواء بالجيش البريطاني قتل بالخرطوم) من قِبل المجاهدين من أبناء السودان، الذين قاتلوا وكلاء الاحتلال وبذلوا دماءهم مهراً للحرية".

وتابع: "أعلن بصفتي مديراً لإدارة السياسة الخارجية بمجلس السيادة الانتقالي، براءتي لله ولرسوله وللمؤمنين من ذلك الفعل (لقاء البرهان ونتنياهو)، كما أعلن أنني لم أعد مديراً لتلك الإدارة".

وكان رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي عقد اجتماعاً مع المجلس الحاكم أطلعه خلاله على ما جرى في اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

كما عقد مجلس الوزراء برئاسة عبد الله حمدوك اجتماعاً آخر في العاصمة الخرطوم، لبحث اللقاء الذي جرى بين البرهان ونتنياهو في أوغندا.

ومنع مجلس الوزراء السوداني مراسلي الإعلام المحلي الخاص والوكالات الأجنبية من دخول مقرَّه لتغطية الاجتماع الطارئ، وفقاً لمراسل وكالة الأناضول، واقتصرت التغطية الإعلامية للاجتماع على التلفزيون ووكالة الأنباء الرسميين بالبلاد.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر حكومي سوداني، أن المجلس السيادي الانتقالي الذي يضم مدنيين وعسكريين "عقد اجتماعاً لمناقشة الأمر"، وأن الفريق البرهان أطلع المجلس على مجريات لقائه مع نتنياهو.

من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح في تصريحات إعلامية، إن التصريحات بعد جلسة مجلس الوزراء أرجئت إلى حين انعقاد اجتماع مشترك بين مجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير (التحالف الحاكم)، ثم الاجتماع المشترك مع مجلس السيادة.

اتصالات منذ 3 أشهر

عقب عاصفة من الجدل أثارها إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن اللقاء، أكد رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان الأربعاء، أن الاتصالات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بدأت منذ 3 أشهر، حسب تصريحات نقلتها فضائية الجزيرة.

وكشف مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية عبر تويتر، عن لقاء نتنياهو والبرهان، مضيفاً أنهما اتفقا على "بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين البلدين".

ودعا البرهان إلى تشكيل لجنة من مجلسي السيادة والوزراء لدراسة مزايا العلاقة مع إسرائيل وعيوبها.

وأضاف: "المجلس لم يتصل بالسلطة الفلسطينية وأن الأخيرة نفسها تعترف بإسرائيل، وأن قرب علاقات السودان بإسرائيل قد يكون مفيداً في مساعدة الفلسطينيين"، مشدداً على أنه "لم نناقش خطة السلام الأمريكية مع نتنياهو أو الموضوع الفلسطيني".

من ناحيته، شكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو البرهان، على مبادرته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد لقائه نتنياهو، ووجّه إليه دعوة لزيارة واشنطن. وقال بيان للخارجية الأمريكية إن ذلك جاء خلال اتصال هاتفي أجراه بومبيو مع البرهان الاثنين.

ووفق البيان، أكد بومبيو والبرهان رغبتهما المشتركة في تحسين مشاركة السودان الفعالة في المنطقة والمجتمع الدولي والتزامهما العمل من أجل إقامة علاقة ثنائية أمريكية سودانية أقوى وأكثر صحة.

من جهته اعتبر البرهان دعوته لزيارة واشنطن واللقاء مع نتنياهو مرتبطان ببعضهما.

دور إماراتي؟

وبعد اعتراف البرهان باللقاء واجتماعات داخل المجلس العسكري السوداني والحكومة المدنية، أكد أنه لم يطلب من نتنياهو التوسط لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

واعتبر البرهان أن لقاءه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، استهدف "تحقيق المصالح العليا للشعب السوداني".

وقال البرهان في بيان لمجلس السيادة: "جمعني بالأمس لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا، وقمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ الأمن الوطني السوداني، وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني".

وأضاف: "أؤكد أن بحث العلاقة بين السودان وإسرائيل وتطويرها مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية".

وعلى الرغم من نفي البرهان أنه ناقش مسألة إزالة السودان من قوائم الإرهاب، كشفت صحيفة إسرائيلية أن الإمارات هي من رتبت اللقاء الذي جرى بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا.

وقالت صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" نقلًا عن مسؤول عسكري سوداني وصفته بـ"رفيع المستوى"، إن الإمارات رتبت اجتماع البرهان ونتنياهو وعلمت به "دائرة صغيرة" من كبار المسؤولين في السودان والسعودية ومصر.

وأضاف المسؤول أن البرهان وافق على لقاء نتنياهو، لأن المسؤولين ظنوا أن ذلك سيساعد على "تسريع" عملية إخراج السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية.

وفي وقت سابق الاثنين، نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤول عسكري سوداني كبير قوله إن الإمارات نسقت لقاء البرهان ونتنياهو، مضيفاً أن الاجتماع يستهدف رفع السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول عسكري سوداني رفيع قوله إن لقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، رتبت له دولة الإمارات، بعلم السعودية ومصر ودائرة ضيقة من كبار المسؤولين السودانيين.

وفي سياق التضارب بين رأس المجلس السيادي السوداني وتصريحات رأس الحكومة المدنية، يشير مراسل TRT عربي في الخرطوم، إلى المأزق الذي وقع فيه الرجلان البرهان وحمدوك، وعلى خلفيته ستقام جلسة استثنائية طارئة لمجلس الوزراء السوداني لمناقشة الأمر.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً