حلف شمال الأطلسي (الناتو) يغدو أكثر حزماً في موقفه من الأزمة الليبية في ظل تنامي النفوذ الروسي في ليبيا (AA)
تابعنا

في الوقت الذي تتغير فيه خريطة الصراع في ليبيا جذرياً، يبدو أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أصبح راغباً في أداء دورٍ أكثر فاعلية في الملف الليبي، مدفوعاً بتخوفات من تزايد نفوذ روسيا الداعمة لمليشيات خليفة حفتر.

ورغم ذلك ما تزال فرنسا تواصل هجومها المستمر على تركيا حليفتها في الناتو، بسبب دعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، وفقاً لاتفاقيات وقعها الجانبان. ووصل الأمر إلى حد أن وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات حادة للحلف التاريخي، معتبراً إياه "ميتاً سريرياً".

لا يمكن وضع حكومة السراج، المعترف بها دولياً وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، في كفة واحدة مع خليفة حفتر.. الناتو مستعد لدعم حكومة طرابلس

ينس ستولتنبرغ - الأمين العام لحلف شمال الأطلسي

قلق من الأنشطة الروسية

بعد أيام من إصدار القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" بياناً شددت فيه على خطورة إرسال روسيا طائرات مقاتلة إلى ليبيا، لما لذلك من أثرٍ على النزاع الحالي وتعريض المدنيين للخطر، قال الأمين العامّ لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ الثلاثاء، إن الحلف "منزعج"، وأعضاءه يشعرون بـ"القلق" من تزايد أنشطة روسيا العسكرية في ليبيا.

وشدّد ستولتنبرغ على "انزعاج" الناتو من سياسة روسيا حيال شرق المتوسط عموماً، وزيادة قدراتها العسكرية في ليبيا عبر الطائرات الحربية والمقاتلين الأجانب، لافتاً إلى أن الحلفاء متفقون على ضرورة متابعة الوضع من كثب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وأشار إلى أن أعضاء الحلف متفقون أيضاً بشأن ضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة في ليبيا، برعاية الأمم المتحدة.

ويتفق ذلك الموقف مع مقاربة "الناتو" للملف الليبي، التي باتت أوضح خلال الأسابيع الماضية، ففي مايو/أيار الماضي صرّح ستولتنبرغ لصحيفة "لا ريبابليكا" الإيطالية، بأنه"لا يمكن وضع حكومة السراج، المعترف بها دولياً وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، في كفة واحدة مع خليفة حفتر. الناتو مستعد لدعم حكومة طرابلس".

وشدد على أن الحلف مستعد لمساعدة ليبيا في المجالات الدفاعية والأمنية، إذا تلقى طلباً من السراج.

وقال ستولتنبرغ إن مساعدة "الناتو" لليبيا ستأخذ بالحسبان الوضع السياسي والظروف الأمنية في البلد العربي، مجدداً تأكيده استعداد الحلف لدعم حكومة طرابلس.

وخلال اجتماع وزراء دفاع "الناتو"، في 17 يونيو/حزيران الجاري، أعرب ستولتنبرغ عن قلقه بشأن "المقابر الجماعية" التي عثر عليها الجيش الليبي في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، إثر تحريرها من مليشيات حفتر، في 5 يونيو/حزيران الجاري، مطالباً بإجراء تحقيق في انتهاكات حفتر.

أسباب أخرى لتغير الموقف

وتشير التصريحات والمواقف الأخيرة إلى تغير في ديناميات "الناتو" في تعامله مع الملف الليبي. وبالإضافة إلى القلق من تمدد النفوذ الروسي جنوب المتوسط على بعد كيلومترات من قواعد الحلف، ربما يكون لمذكرتي التفاهم اللتين وقّعتهما تركيا والحكومة الليبية أثر مهم في هذا التغير.

إلا أن التغير الأبرز بات واضحاً بعد نشر "أفريكوم" صوراً لطائرات حربية روسية تقلع من قاعدة "الجفرة" الجوية بليبيا، معتبرةً روسيا "تاجر السلاح الأول" الذي استفاد من الصراعات وحالة عدم الاستقرار في القارة الإفريقية.

في السياق نفسه يمكن أن يكون التقارب الأخير بين الولايات المتحدة والحكومة الليبية في طرابلس، في ظل المتغيرات الأخيرة، أدى دوراً مهماً في حسم "الناتو" موقفه.

ففي آخر تطور عقد وزير الداخلية بالحكومة الليبية فتحي باشاغا اجتماعاً بعدد من المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لمناقشة التعاون الأمني.

وأوضحت وزارة الداخلية الليبية في بيان، أن "الاجتماع تمحور حول جهود إصلاح القطاع الأمني في ليبيا وخطة الوزارة لتطوير أجهزتها وأقسامها المختلفة، بالإضافة إلى برنامج الوزارة لإعادة التفكيك والتسريح والإدماج DDR".

والمقصود ببرنامج إعادة التفكيك والتسريح والإدماج هو إدماج المليشيات المسلحة في داخلية الوفاق.

وأوضح البيان أن "الجانب الأمريكي أثنى على عمل الوزارة (الليبية) في إصلاح القطاع الأمني، وجديتها في تطبيق برنامج تفكيك وتسريح وإعادة إدماج متكامل، وعرضوا تقديم المساعدة في هذا المجال".

ولفت البيان إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت وزارة الداخلية، في هذا الاجتماع، بأنهم يدرسون مع المكاتب والإدارات المختلفة في واشنطن إمكانية المساعدة في نزع الألغام وإزالتها.

فرنسا تغرد وحيدة

على صعيدٍ آخر يبدو أن فرنسا باتت تُغرِّد وحدها في موقفها إزاء ليبيا، وهو ما ظهر في التصريحات المرتبكة للمسؤولين الفرنسيين، على رأسهم رئيس الدولة ووزير خارجيته.

فبعد هجومٍ شنّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام على تركيا بسبب دعمها الحكومة الليبية، وصف ماكرون حلف الناتو بأنه "ميت سريرياً".

وأخيراً تسعى باريس لحشد دول الاتحاد الأوروبي ضد تركيا، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمام البرلمان أن "فرنسا ترى أنه بات ضرورياً أن يفتح الاتحاد الأوروبي على نحو عاجل نقاشاً، بلا خطوط حمراء ولا حسابات كثيرة، حول آفاق العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة"، زاعماً أن "الاتحاد يجب أن يدافع عن مصالحه الخاصة بقوة، لأنه يملك القدرة على فعل ذلك"، في تهديد صريح لتركيا.

في هذا الصدد، قال الكاتب والباحث السياسي عبد الله الكبير: إن "فرنسا تتعامل بازدواجية، فمن جهة تعلن دعمها حكومة الوفاق وتصوِّت لصالح الحكومة في كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، لكنها من طرف خفي تدعم خليفة حفتر".

وردّاً على الاستفزازات الفرنسية، أصدرت وزارة الخارجية التركية قبل أيام بياناً، قالت فيه: إن "فرنسا أشعلت الأزمة في ليبيا من خلال دعمها للانقلابي حفتر وعدم وقوفها بجانب الحل السياسي، ودعم محاولة الإطاحة بالحكومة الشرعية، وإقامة نظام استبدادي في البلاد".

وتمكّنت قوات الحكومة الليبية في الأسابيع الأخيرة من طرد مليشيات حفتر من العاصمة طرابلس وجميع مدن الساحل الغربي وصولاً إلى الحدود مع تونس، كما حررت الجمعة مدينتَي ترهونة وبني وليد، وباتت على بعد كليومترات من مدينة سرت.

وبدعم من دول عربية وأوروبية شنت مليشيات حفتر منذ 4 أبريل/نيسان 2019، هجوماً فشل في السيطرة على العاصمة مقر الحكومة الشرعية بليبيا.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً