إيران تهدد بغلق مضيق هرمز والولايات المتحدة تعدّ ذلك تصعيداً غير مسبوق  (Reuters)
تابعنا

خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2017، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقل رسالة خاصة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، أراد من خلالها مقابلة الرئيس الإيراني سراً وفقاً لمسؤولين غربيين وإيرانيين.

ماكرون اتصل وقتها بروحاني وسأل عما إذا كان مهتماً بذلك، لم يُخفِ الزعيم الإيراني وأعضاء وفده وقتها دهشتهم من هذا الطلب بخاصة بعد الخطاب المؤثر الذي ألقاه ترمب أمام أكثر من 100 من قادة العالم أعلن خلالها أن "إيران ديكتاتورية فاسدة قام قادتها بتحويلها من دولة ثرية إلى دولة مارقة مستنفدة اقتصادياً"

لاعتبارات عدة رفض روحاني العرض، أهمها المشاكل التي يمكن أن يواجهها في بيته الداخلي، إذ أخبر ماكرون بأن مكالمة هاتفية من الرئيس السابق باراك أوباما، في عام 2013 كانت كفيلة وقتها بفتح مئات المشاكل.

بعد ما يقارب السنتين، تغيرت المعادلة كاملةً، فترمب لم يعد مهتماً بمقابلة روحاني، والاتفاق النووي الذي رعاه الأوروبيون انفرط عقده، فيما توالت العقوبات على إيران، التي كان آخرها وأشدها تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، ما بات يهدد بإغلاق مضيق هرمز المعبر الرئيسي للنفط العالمي.

هرمز.. حرب الخاسرين

يفضل المحللون الغربيون في مؤسسة سترافور الإشارة إلى مضيق هرمز بوصفه "الخيار النووي الحقيقي" الذي تمتلكه إيران، لذلك فإن التلويح بغلقه يعد سبباً كافياً لدق طبول الحرب مهما تكرر، وينطبق ذلك بشكل أخص على كلام قائد البحرية التابعة للحرس الثوري علي رضا تنكسيري، الذي قال "وفقاً للقانون الدولي، فإن مضيق هرمز ممر بحري، وإذا مُنعنا من استخدامه فسوف نغلقه".

أهمية المضيق تكمن في مكانه الاستراتيجي، إذ قدّرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن 18.5 مليون برميل من النفط المنقول بحراً تمر عبره يومياً. ما يعني مرور نحو 30% من النفط الخام في العالم وغيره من السوائل النفطية منه.

شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية قالت إن ما يقدر بنحو 17.2 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات جرى نقلها عبر المضيق في 2017، ونحو 17.4 مليون برميل يومياً في النصف الأول من 2018.

ومع بلوغ الاستهلاك العالمي للنفط نحو 100 مليون برميل يومياً، فإن ذلك يعني أن قرابة خُمس تلك الكمية تمر عبره،

ويمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك".

الممر المائي الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب، يمر عبره أيضاً كل إنتاج قطر تقريباً، أكبر مُصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال.

وحسب سترافور فإن إيران منذ تأسيس ما يعرف بالـ"الجمهورية الإسلامية" عملت على إبراز قواتها العسكرية في الخليج، بداية من حربها ضد ناقلات النفط العراقية في الثمانينيات، مروراً بمناوشاتها المتكررة مع البحرية الأمريكية، إلا أنها لم تقدِم في أي وقت على محاولة إغلاق المضيق بالكامل على الرغم من أنها طالما جهرت بقدرتها على فعل ذلك.

وعلى الرغم من إدراك إيران للأهمية الجيوسياسية لقربها من المضيق، وسعيها الدائم لتعزيز ترسانتها من الصواريخ المضادة، فإن استراتيجية طهران الدفاعية لم تتضمن أبداً غلق المضيق بشكل فعلي، بقدر ما اعتمدت على توسيع عواقب أي عمل عسكري ضدها عبر التهديد بإشعال الفوضى في أسواق النفط العالمية، وكانت هذه الاستراتيجية فعالة للغاية، حيث مكنت إيران من رفع تكلفة أي عمل عسكري فعلي ضدها أو حتى احتماليته.

لكن تلك الاستراتيجية لم تخلُ من مشاكل كامنة على الجانب الآخر، أبرزها أن تسويق عملية إغلاق أحد أكثر المضايق حيوية للعالم لا يمكن بيعه كإجراء "دفاعي"، وهو أمر إن حدث كفيل بأن يوحّد العالم في وجه طهران، في الوقت الذي تراهن فيه الحكومة الإيرانية على إبقاء أوروبا في صفها، ودفع زبائنها الآسيويين للتمسك بأكبر قدر من حصصهم من النفط الإيراني في مواجهة التهديدات الأميركية المتواصلة بفرض العقوبات.

واشنطن.. حسابات معقدة

أبدت صحيفة فيننشال تايمز استغرابها من سياسة الرئيس دونالد ترمب تجاه الشرق الأوسط ففي الوقت الذي أوفى فيه بتعهده بالانسحاب من "الحروب التي لا نهاية لها" وعدم بدء أي حروب جديدة، مثل الانسحاب من أفغانستان والانسحاب من سوريا، يقرع البيت الأبيض حرباً أخرى مع إيران، ما يبدو أنه ورقة انتخابية أكثر من إجراءات عقابية حسب الصحيفة.

ومما يثير الحيرة بنفس القدر حسب الصحيفة، أن سحب واشنطن إعفاءات توريد النفط الإيراني تقوض أهداف السياسة الخارجية لترمب.

أهم هذه الأهداف هو إبرام صفقة تجارية مع الصين في الأسابيع المقبلة، إلا أن حديث ترمب عن فرض عقوبات ثانوية على الصين إذا استمرت في استيراد النفط الإيراني وهو ما يعني إمكانية عدم التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، فإن ذلك سيعزز وجهة نظر الصين بأن الولايات المتحدة لن يتم الوثوق بها أبداً، بخاصة بعد الشكوى التي أرسلتها إليها حول الإعفاءات.

في المقابل تعد الصحيفة أن تركيا التي ترفض "الإملاءات الأمريكية" هي أهم التحديات لترمب، بسبب حاجته إليها في مساعدته لإكمال إخراج قواته من سوريا، فيما تعد الهند ،المُقْدمة على انتخابات مصيرية والمستوردة الأولى للنفط الإيراني، الخيط الرفيع في هذه الإجراءات، إذ تمثل حصن واشنطن ضد الصين، ومثل هذه العقوبات قد تدفع إلى إعادة التفكير في ذلك لدى القادة في نيودلهي.

إلا أن مجلة نيويوركر أكدت أن الملف الإيراني هو أحد أهم الملفات التي جاء من أجلها وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، الذين تصفهم بمهندسي التصعيد ضد إيران، وتصريحات جواد ظريف في نيويورك في الأيام الأخيرة جاءت في هذا السياق، إلا أنها أشارت إلى الخلاف بينهما وبين رؤية ترمب في هذا الملف.

وحسب المجلة فإن الرئيس الأمريكي شن حملات ضد الحرب التي تخوضها قواته في المنطقة، مستشهداً بمليارات الدولارات التي أنفقت في العراق وأفغانستان، وهو ما يفسر اعتقاد كبار الدبلوماسيين الغربيين المتواصلين في البيت الأبيض أن ترمب لا يريد حرباً مع إيران، على عكس بومبيو، وبخاصة بولتون، المساند لمجاهدي خلق والضيف الرئيس لاجتماعاتهم السنوية والذي وعدهم بإحياء ذكرى الثورة القادم في إيران، الأمر الذي عبّر عنه ظريف بقوله إن "حلف B هو من يريد الحرب على إيران" (قاصداً محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو إضافة لبومبيو وبولتون).

سوق النفط.. إلى أين؟

تشكّل فرضيات إغلاق مضيق هرمز، وتصفير الإنتاج الإيراني للنفط، معضلة دولية للسوق العالمي للذهب الأسود، بعيداً عن المعارك الثنائية بين واشنطن وطهران.

في هذا السياق يأتي تأكيد السعودية والإمارات أنهما مستعدتان لزيادة إنتاج النفط لتعويض الفقد المحتمل إذا تم منع إنتاج إيران أو إغلاق مضيق هرمز.

هنا، يشير المختص في الطاقة الذرية والنفطية، عامر البياتي، إلى أن الإمدادات النفطية على المدى القصير متوفرة في السوق، مشدداً أنه "على مر السنوات سيترك النفط الإيراني فراغاً كبيراً فيه".

البياتي أفاد لـTRT عربي بأن فرضية غلق مضيق هرمز مستبعدة حالياً على الرغم من كل التهديدات، إلا أنه يرى أن في حال حصوله سيتجاوز سعر البرميل الواحد 100 دولار.

وعن تعويض النفط الإيراني، يعتقد البياني أن السعودية والإمارات ستضخان كميات كبيرة في السوق من أجل عدم الإخلال بالسوق، لافتاً إلى أن إقناع روسيا بذلك أيضاً أمر وارد.

ويقول البياتي إن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستواصل بيع نفطها في السوق السوداء عن طريق البنوك العراقية، وعلى الرغم من ذلك فإن الأسعار سترتفع.

فرضية غلق مضيق هرمز مستبعدة حالياً على الرغم من كل التهديدات، إلا في حال حصوله سيتجاوز سعر البرميل الواحد 100 دولار

عامر البياتي - المختص في الطاقة الذرية والنفطية

في المقابل ترى شبكة CNBC أن هناك شكوكاً لا يمكن تجاهلها حول مدى قدرة السعودية على الوفاء بمتطلبات صفقة ترمب. ففي حين أن المملكة أكدت في أكثر من مناسبة امتلاكها لقرابة مليونَي برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية لاستخدامها من أجل ضبط الأسواق، يؤكد خبراء الصناعة أن أكبر عضو في "أوبك" يمكن أن يرفع الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً أي إلى 11 مليون برميل يومياً في أقصى الأحوال ولتلبية طلب قصير الأمد فقط وليس لفترة طويلة ممتدة، وأن المملكة ربما تكون في حاجة إلى عام على الأقل لتكون قادرة على مواصلة الإنتاج بمستويات تقترب من 12 مليون برميل يومياً.

ومع افتراض أن السعودية ستكون قادرة على ضح مثل هذا الرقم متجاهلة مصالحها الخاصة إرضاءً لحليفها الأمريكي، حسب موقع أبستريم لأخبار النفط والغاز، فإن ذلك رقم يكفي بالكاد لتعويض الفاقد المتوقع في صادرات النفط الإيراني، ويعني ذلك أن السوق العالمي سيُترك دون أي طاقة أمان احتياطية لتلبية الارتفاعات الطارئة في الطلب.

وحتى في حال استبعاد سيناريو حدوث افتعال إيران للاضطرابات في مضيق هرمز، فقد كان محافظ إيران في أوبك حسين كاظم بور أردبيلي واضحاً حين حذر من أن سياسات ترمب ستدفع أسعار النفط إلى 100دولار للبرميل، قائلاً إن تلك نتيجة متوقعة لمحاولات منع ثالث أكبر منتج للنفط في أوبك من الوصول إلى الأسواق العالمية.

طاائرات حربية أمريكية تحلق فوق مضيق هرمز  (Reuters)
سفن نفطية إيرانية مارة من مضيق هرمز  (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً