الحراك الاحتجاجي في العراق يمر بمنعطفٍ هامّ بعد تَحوُّل التيار الصدري وزعيمه من داعمٍ إلى معادٍ له (Reuters)
تابعنا

تحولات كبيرة يمرّ بها الحراك الاحتجاجي في العراق في أعقاب تغيُّر موقف مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، الذي أعلن دعمه رئيس الوزراء المكلَّف محمد توفيق علاوي، على نقيض رفض شريحة واسعة من المحتجين تكليف الرجل الذي شغل مناصب وزارية في حكومات سابقة.

ويُعَدّ الخلاف بين موقفَي الصدر والمحتجين الأول من نوعه تقريباً منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أكثر من أربعة أشهر، فالصدر بات اليوم يتخذ موقفاً مماثلاً لموقف الفصائل الشيعية التي طالما هاجمها وندّد بعنفها الذي أسقط مئات القتلى بين صفوف المحتجين.

فعلى مدار الأيام الأخيرة تصاعدت وتيرة الاشتباكات الدامية بين أتباع الصدر من حركة "سرايا السلام" المسلحة، التي يُعرَف عناصرها بأصحاب القبعات الزرقاء، والمحتجين الذين تزداد أعداد القتلى والجرحى بينهم على نحو مطّرد.

موجة عنف جديدة

تشهد الساحة العراقية موجة جديدة من العنف والدماء، تختلف عن سابقتها التي تمثّلَت أطرافها في القوى الأمنية وفصائل الحشد الشعبي من جهة، والمحتجين من جهة أخرى، في حين أن رحاها اليوم تدور بين أنصار الصدر والمحتجين، الذين كانوا حتى وقتٍ ليس بعيداً في معسكر واحد.

ففي آخر تطورٍ، أفاد مصدر طبي يعمل في مستشفى الصدر التعليمي الخميس، بارتفاع عدد ضحايا الاشتباكات في محافظة النجف جنوبي البلاد، إلى 11 قتيلاً و122 جريحاً، مشيراً إلى أن "غالبية القتلى والجرحى تَعرَّضوا لإطلاق الرصاص وكرات حديدية وطعنات سكاكين"، وفقاً لما نقلته وكالة الأناضول.

وقال مصدر أمني في قيادة شرطة المدينة، إن "قوات مكافحة الارهاب (قوات النخبة) انتشرت وسط النجف، وتولت إدارة الملف الأمني بعد تصاعد حدة الاشتباكات بين أنصار مقتدى الصدر والمحتجين".

ويرتفع بذلك عدد قتلى المتظاهرين على يد أنصار الصدر إلى 12، بعد تسجيل سقوط قتيل في مدينة الحلة مركز محافظة بابل الاثنين، إذ يشنّ الأخيرون "حملة منسقة" لتفريق تجمعات المحتجين في مدن وبلدات وسط وجنوبي البلاد، وفق ناشطين.

ما يفعله أنصار الصدر الآن هو رفع درجة التحدي أمام المتظاهرين الذين أصبحوا مولعين بتلك التحديات

منقذ داغر - مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة غالوب للأبحاث

اتفاق سرّي في إيران

نشر موقع "ميدل إيست آي" الأربعاء، تقريراً ربما يفسِّر أسباب تحوُّل موقف الصدر من الاحتجاجات، إذ تشير معدّة التقرير سؤدد الصلحي، إلى أن اتفاق الكتل الشيعية البرلمانية مع مقتدى الصدر على اختيار محمد توفيق علاوي رئيساً للحكومة لم يجرِ في العراق، بل في إيران.

وتنقل الصلحي عن قادة شيعيين لم تسمِّهم، قولهم إن "الاتفاق بين الفرقاء جرى التوصل إليه في مدينة قم الإيرانية في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد مفاوضات استمرت على مدار ثمانية أسابيع، وانتهت بقبول زعيم كتلة الفتح بالبرلمان هادي العامري تشكيل علاوي، المفضَّل لدى الصدر، للحكومة العراقية، في مقابل وضع حدّ للاحتجاجات" المتمسكة بمطلب رحيل كامل الطبقة السياسية التي تحكم العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

ويلفت التقرير إلى أن "اللقاءات بين الصدر والعامري جرت في بيت الأول بمدينة قم، وكان يحضرها أحياناً مساعدو الصدر والمسؤولون الإيرانيون، لتنتهي المباحثات بقبول أن يكون المكلَّف تشكيل الحكومة مرشح إجماع بدلاً من ترشيح أكبر كتلة في البرلمان له".

وينقل التقرير عن أحد القادة الشيعيين أن موافقة العامري على ترشيح علاوي ترجع إلى كونه "أضعف من عبد المهدي، اختاروه بالضبط لأنه ضعيف"، مضيفاً: "لن يُسمَح له (علاوي) بفتح ملفات الفساد، ولا تتمتع حكومته بصلاحية اتخاذ قرارات استراتيجية، بما في ذلك إخراج القوات الأجنبية من البلاد".

ويتابع القائد الشيعي بأن حكومته "ستكون انتقالية، وقد قال المرجعية الشيعية في النجف بوضوح من قبل إن الحكومة الانتقالية لا يحقّ لها اتخاذ قرارات استراتيجية".

مفترق طرق

نقل تقرير "ميدل إيست آي" عن محللين قولهم إن تكليف علاوي تشكيل الحكومة في تحدٍّ لمطالب المحتجين، وما يقف وراء الخطوة من تغيرٍ جذريّ في موقف التيار الصدري وزعيمه من الحراك برمته، يجعل الاحتجاجات العراقية التي صاحبتها أكبر موجة عنف تشهدها البلاد منذ 2003، عند "مفترق طرق"، فإما تهدأ الاحتجاجات حتى تنطفئ جذوتها نتيجة قمع الصدريين وحلفائهم، وإمّا تتخذ طريقاً أعنف وأشد دموية.

في هذا الصدد يوضح مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة غالوب الدولية للأبحاث، في حديث لـ"ميدل إيست آي"، أن "علاوي وجد نفسه منذ اللحظة الأولى في موقف خصومة مع الحراك الشعبي بعد أن رشّحته نفس القوى التي أتت بعبد المهدي إلى المنصب".

ويضيف داغر أنه "بعد ما فعله أصحاب القبعات الزرقاء خلال الأيام القليلة الماضية، فقد فشل (علاوي) في أن يكون ممثلاً للمحتجين، وأصبح ممثلاً للنظام".

وعند سؤاله عما إذا كان أصحاب القبعات الزرقاء قادرين على فعل ما فشلت فيه الدولة العميقة والمليشيات وقوى الأمن التي حاولت وأد الحراك، قال داغر إن "ما يفعله أنصار الصدر الآن هو رفع درجة التحدي أمام المتظاهرين الذين أصبحوا مولعين بتلك التحديات".

TRT عربي
الأكثر تداولاً