محطات تابعة لشركة أرامكو السعودية تعرضت لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة اتُهمت بتنفيذها إيران (Reuters)
تابعنا

على مدار أشهر، خيّم شبح الحرب على منطقة الخليج في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران والدول والمجموعات المتحالفة معها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين من جهة أخرى. إلّا أن الحالة بدت مختلفة في الآونة الأخيرة؛ إذ تشير تصريحات ومواقف المسؤولين من الطرفين إلى أن العودة إلى طاولة المفاوضات باتت خياراً أكثر قبولاً عما كان عليه الأمر من قبل.

انفتاحٌ سعودي

أظهرت الرياض مؤخراً مؤشرات على استعدادها للحوار مع طهران من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للاحتقان والتوتر اللذين يميزان العلاقة بين البلدين منذ عقود، ووصلا إلى حدهما الأقصى خلال الفترة الأخيرة.

أحد المؤشرات المهمة على التحوّل في الموقف السعودي تَمثّل في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها ولي العهد محمد بن سلمان، والذي يُعده كثيرون بمثابة الحاكم الفعلي للسعودية، وأعرب فيها عن عدم رغبته في وصول الأمور إلى مواجهة عسكرية مع إيران.

فعلى الرغم من تأكيد الأمير السعودي أن بلاده لا تزال متمسكة بالاتهامات التي وجّهتها لإيران حول وقوفها وراء الهجمات الأخيرة التي استهدفت منشآت نفطية تابعة لأرامكو، معتبراً إياها "عملاً حربياً"، قال بن سلمان، في مقابلة له مع برنامج 60 دقيقة على شبكة CBS الأمريكية، إنه لا يتمنى أن يكون الحل عسكرياً "فالحل السياسي السلمي أفضل بكثير من الحل العسكري".

بالتزامن مع هذه التصريحات أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، الاثنين، أن بلاده تلقّت رسائل من السعودية عبر وسطاء، دون الكشف عن محتوى تلك الرسائل، مضيفاً في مؤتمر صحفي "تلقّى الرئيس حسن روحاني رسائل من السعودية عبر قادة بعض الدول"، حسبما نقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية شبه الرسمية.

وقال ربيعي "إن كانت السعودية تريد فعلاً تغيير سلوكها فنحن نرحب بذلك"، مضيفاً "نود أن تكون إحدى الرسائل العلنية للسعودية هي ضرورة إنهاء حرب اليمن".

ترحيبٌ إيرانيٌ

رحب رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، الثلاثاء، بما نُقل عن ولي العهد السعودي من رغبة في حل القضايا مع إيران بالحوار. ونقلت قناة الجزيرة التلفزيونية عن لاريجاني قوله "نرحب بما نُقِل عن محمد بن سلمان بأنه يريد حل الخلافات عبر الحوار، أبوابنا مفتوحة للسعودية ونرحب بحل الخلافات عبر الحوار مع طهران".

في السياق ذاته، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان إن "المبادرات والتصريحات السعودية تلقى ترحاباً في طهران".

وأضاف صدقيان في حديث لـTRT عربي أن "المملكة العربية السعودية إن كانت صادقة وراغبة في ما قاله ولي العهد، فإن إيران سترحب بلا شك".

وتابع "إيران مدّت يدها من قبل، عبر أكثر من مبادرة، والسعودية هي التي كانت ترفض هذه المبادرات".

وأشار الباحث الإيراني إلى أن "الرئيس حسن روحاني مؤخراً طرح مبادرة من على منصة الأمم المتحدة ودعا لتشكيل تحالف سلام في مضيق هرمز".

أمّا في ما يتعلق بشروط الحوار، رأى صدقيان أن "الحديث عن الشروط سواء كانت من الجانب السعودي أو الجانب الإيراني، لن يُفضي إلى نتيجة إيجابية، وأن ثقافة الحوار يمكن أن تكون الفيصل في حل المشكلات العالقة".

وبخصوص الموقف الأمريكي، قال صدقيان إن "الولايات المتحدة عندما تقبل أو تعارض أي تحرك، فإنها تفعل وفقاً لمصالحها وأجندتها التي ليست بالضرورة تتفق مع الأجندة الإقليمية لدول المنطقة".

هل تَبدد شبح الحرب؟

أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، طلبه من مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون الاستقالة من منصبه، وتأكيده وجود خلافات كبيرة في الرؤى معه، موجةً من التكهنات حول علاقة فشل الإدارة الأمريكية باستبعاد بولتون، الذي كان يُعد واحداً من أهم صقور الإدارة في ما يتعلق بالموقف من إيران.

في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، نشرت فورين بوليسي الأمريكية تقريراً بعنوان "سياسة ترمب تجاه إيران فاشلة"، ولفت التقرير إلى أن سياسة ترمب التصعيدية تجاه إيران عبر فرض المزيد والمزيد من الضغوط الاقتصادية، التي سمّتها إدارته "سياسة الضغوط القصوى"، لم تُفضِ إلى شيء سوى وصول المنطقة إلى نقطة خطيرة تمثّلت في شن طهران، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، هجمات كبيرة على قلب إمدادات النفط العالمية في السعودية، وفقاً لادعاءات كلٍّ من واشنطن والرياض.

التقرير رجّح أيضاً أن يرضخ ترمب في نهاية المطاف ويقبل بتقديم تنازلات من أجل الدخول في مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين.

في السياق ذاته، نشر الدبلوماسي الأمريكي السابق دنيس روس، في مجلة فورين أفيرز الأمريكية، تقريراً عزا فيه ما وصفه بـ"تصرفات إيران الوقحة"، في إشارة إلى التصعيد في منطقة الخليج ومضيق هرمز والهجمات الأخيرة على منشآت أرامكو، إلى سياسة "الضغوط القصوى" كما تحب إدارة ترمب أن تسميها.

روس رأى أن تلك السياسة التي لا تعدو كونها "ضغوطاً اقتصادية قصوى" قد استنفدت فاعليتها، ولم يعد أمام الأمريكيين سوى القبول بتقديم تنازلات للدخول مع إيران في مفاوضات، طالما أن واشنطن ليست راغبة (أو قادرة) على اتخاذ الخيار العسكري.

على الجهة الأخرى، استبعد الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، احتمال نشوب حرب بين بلاده والولايات المتحدة، مبرراً بأن "واشنطن تدرك أنها لن تتمكن من إدارة حرب تخوضها مع إيران"، وفقاً لتصريحات أدلى بها لوكالة الأناضول.

الحوثييون يضغطون

يأتي الجنوح السعودي نحو المصالحة مع إيران، في ظل ازدياد ملحوظ في عمليات جماعة الحوثيين اليمنية التي تستهدف الأراضي السعودية، وخاصة تلك التي استهدفت منشأتي "بقيق" و"خريص" التابعتين لشركة "أرامكو"، بطائرات مُسيّرة.

وحملت السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إيران مسؤولية تلك الهجمات.

والأحد، أعلن يحيي سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، أن الجماعة "حررت 350 كيلو متراً مربعاً في المرحلة الأولى من عملية (نصر من الله)، بما فيها مواقع ومعسكرات وسقوط 3 ألوية في محور نجران السعودية"، بحسب ما بثته قناة "المسيرة" التابعة للجماعة.

وأضاف "نفذنا مؤخراً أكثر من 20 عملية بالطائرات المسيّرة أربكت قوات التحالف، منها عملية على هدف عسكري حساس في (العاصمة السعودية) الرياض".

ويعتقد مراقبون، أن هجمات جماعة الحوثي المدعومة من إيران، ربما ساهمت في توجه السعودية نحو التصالح مع إيران أو التهدئة.

علي ربيعي قال تلقينا رسائل عبر وسطاء من السعودية للحوار (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً