تتجاوز آثار فيروس كورونا الإنسان ومناعته الجسدية منها إلى الجانب النفسي الأمر الذي يستدعي مراعاة الصحة النفسية للفرد  (AFP)
تابعنا

مع تفشي فيروس كورونا بشكل متسارع عالمياً، وتجاوزه القارات ليصبح وباء عالمياً "جائحة" كما صنفته منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار الجاري، فإنه يتجاوز بآثاره الإنسان ومناعته الجسدية منها إلى الجانب النفسي، الأمر الذي يهدد الصحة النفسية للأفراد. فكيف يمكن حماية هذا الحصن المعنوي المناعي لدى الفرد حال انتشار الأوبئة؟

فور ظهور فيروس كورونا وتفشيه بشكل متسارع حول العالم بدأت التكهنات والتحليلات سواء ما يتعلق بنظرية المؤامرة وما يرافقها من اتهامات لدول كبرى، أو إرجاع ما يجري لأسباب دينية، أو الإحالة لأفلام وكتب وروايات تنبأت بهذا النوع من الأوبئة والأزمات، كل ذلك أثار هلعاً لدى الكثيرين.

ويزيد حدة القلق ما تمارسه الدول من إجراءات احترازية لم يعتد عليها أفراد المجتمع في الظروف الطبيعية، وهي وإن كانت منطقية وملزمة بدعوى مكافحة الفيروس إلا أنها تحدث نوعاً من الخوف لدى الأفراد لمخالفتها الروتين اليومي الذي اعتادوا عليه من ذهابهم إلى العمل فالتسوق وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والخارجية.

وهذا ما أشارت إليه أيلا يازجي، إحدى أبرز المحللين النفسيين في تركيا، وعضو الرابطة الدولية للتحليل النفسي، في مقابلة لها على موقع TRTِWORLD بقولها التغيير ليس له تأثير سلبي على الاقتصاد والسياسة العالمية فحسب، بل أيضاً على علم النفس البشري، الذي قد يكون تأثيره أكثر سوءاً.

كورونا والهلع

وكان أستاذ علم النفس الإكلينيكي والأستاذ في جامعة بريتيش كولومبيا بكندا ستيفن تايلور، أشار في كتابه علم نفس الأوبئة ، الذي نُشر عام 2019 على أهمية العوامل النفسية "لفهم وإدارة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالأوبئة، مثل العوامل التي تنطوي على انتشار الخوف المفرط" .

وتتفق يازجي بشكل كامل مع وجهة نظر تايلور حول ما تولده الأوبئة من زيادة الشعور بالشك والخوف إلى حد الجنون، وتسقط ذلك على سلوك الأفراد وتفاعلهم مع المجتمع المحيط مع توالي الأخبار التي تسجل ارتفاعاً في عدد الإصابات الناجمة عن الفيروس سواء بتركيا أوغيرها من دول العالم.

وتفسر المحللة النفسية خوف صاحب متجر من خسارة المال بسبب الفيروس، وسلوكاً غير مؤدب لشابة تصرخ على أحدهم آمرة إياه بالعزلة الاجتماعية وإلا فسيعرض حياة الجميع للخطر بأنه قد يصل ليصبح نوعاً من الهذيان أو الفصام.

وترتبط حالة تعاظم الشك أو ما يسمى بالوسواس القهري لدى الأفراد بحدوث خيبات أمل سابقة لديهم، أو الشعور بزحف المرض كما ترى يازجي.

وتضرب على ذلك مثلاً بشخص عاشق تحوم في رأسه الشكوك بأن حبيبته قد خانته كونه لا يشعر بقربها منه، إلا أنه سرعان ما تذهب هذه الشكوك بعيداً عندما يتلقى اتصالاً هاتفياً منها خلال وقت قريب، وهكذا يتخلص من شكوكه إذا ما كان الواقع جيداً، ينطبق الأمر ذاته على الشكوك التي تتبادر إلى ذهن الفرد حول فيروس كورونا، والتي بدورها ترفع ضغط العالم الخارجي ما يزيد من مخاوف تهديد الفيروس على المستوى الشخصي للفرد.

وتتساءل يازجي من سيتصل بنا هنا على سياق ذاك العاشق ليخبرنا أن الفيروس قد رحل؟ يتمثل ذلك برأيها في الدور الذي تقوم به الحكومات الآن تجاه مواطنيها بنصحهم بعدم الخروج في إطار مكافحة الفيروس المميت،

ومع ذلك تلاحظ يازجي أن بعض المواطنين مازالوا يخرجون معتقدين أنه لن يحدث لهم أي شيء، وهنا يكون الفرد قد وصل إلى مرحلة فقد حدود الواقع، من هنا يأتي دور الدولة والنظام الاجتماعي الذي يضع القواعد المتراوحة ما بين عمليات العزل وحظر التجول لتحديد حدود الواقع لديهم .

كيف نتغلب على تهديد الفيروس؟

تشدد يازجي على ضرورة عدم سماح الفرد لجنون الارتياب والخوف بتملكه، وتؤكد حقيقة "أننا ما زلنا بحاجة إلى بعض المخاوف الأساسية للتعامل مع المخاطر الحقيقية في الخارج".

وتقول المحللة النفسية: نحتاج إلى إيجاد توازن بين المخاوف الأساسية وجنون القلق.

كما تؤكد على ضرورة الالتزام بالمنزل لأطول وقت، وإيجاد طريقة لتهدئة هذا الخوف وإيجاد فرصة للتعايش مع بعضنا البعض. وتتابع "إذا تمكنا من إيجاد طريقة لتهدئة هذا الخوف البدائي، أعتقد أنه يمكننا أيضاً إيجاد طرق للتعايش مع بعضنا البعض".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً