مفاعل ديمونا يزداد توسعاً في هذه الأيام كما تُظهِر صور وكالة الأنباء الأمريكية (AP)
تابعنا

لم يكن من قبيل الصدفة أن لا تنكشف معالم البناء الإسرائيلي الآخذ بالتوسع في مفاعل "ديمونا" النووي الذي تُنسج حوله الحكايات، ويقوم على بئر واسعة من الأسرار، عبر صور بثّتها وكالة أسوشيتد برس الأمريكية بشكل حصري، في الوقت الذي لم تستطع فيه أي وكالة أنباء رغم نفوذها، إسرائيلية كانت أو دولية، الاقتراب منه أو تصويره طيلة السنوات الماضية إلا بإذن إسرائيل التي تفرض رقابة مشددة جوياً وأرضياً حول منطقة "ديمونا" كلها في صحراء النقب.

تمثل وكالة الأنباء الأمريكية الدولة بشكل أو بآخر، ولعلها تتحدث بلسانها ولسان إدارتها، ولم يسبق للوكالة أن كشفت شيئاً حول برنامج إسرائيل النووي خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب أو غيره من الرؤساء الذين سبقوه، مما يفتح الأبواب أمام سيل من التساؤلات حول توقيت نشر صور المفاعل.

وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية نشرت الوكالة الأمريكية صوراً عدة لمفاعل ديمونا، أثارت ضجة عارمة حول العالم وجدلاً واسعاً في إسرائيل نفسها، تناقلتها وسائل الإعلام العبرية دون زيادة أو نقصان ولو بحرف واحد، فمن يجرؤ على الحديث بشأن مفاعل لا تتحدث عنه إسرائيل سراً أو علانية، فيما يقبع كل من ينبس ببنت شفة داخل زنازين مظلمة، مثل العالم الإسرائيلي مردخاي فعنونو الذي كشف أسرار المفاعل وقضى من حياته سجيناً أكثر من عشرين عاماً ولا يزال يلاحَق؟

أكبر مشروع منذ عقود

تقول الوكالة إن "مفاعل ديمونا الإسرائيلي يشهد أكبر مشروع إنشائي له منذ عقود، حسب صور الأقمار الصناعية التي حلّلتها الوكالة".

وتضيف: "تُظهِر الصور حفرة بحجم ملعب كرة قدم، ومن المحتمل أن يشير هذا العمق إلى بناء من عدة طوابق يقع الآن على بعد أمتار من المفاعل القديم في مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية في صحراء النقب، بالقرب من مدينة ديمونا".

وتؤكّد الوكالة الأمريكية أن "المنشأة النووية هي بالفعل موطن لمختبرات تحت الأرض عمرها عقود من الزمن تعيد معالجة قضبان المفاعل المستهلكة للحصول على البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة لبرنامج القنبلة النووية الإسرائيلي".

موقع إسرائيلي: الإدارة الأمريكية معنية كما يبدو بإثارة الشأن النووي الإسرائيلي (AP)

إسرائيل تتستر

وتقول: "لا يزال سبب البناء غير واضح، ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على أسئلة مفصلة من وكالة أسوشيتد برس حول العمل. وفي ظل سياسة الغموض النووي التي تنتهجها إسرائيل، فهي لا تؤكد ولا تنفي امتلاك أسلحة ذرية. وهي من بين أربع دول فقط لم تنضمّ قط إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي اتفاقية دولية تاريخية تهدف إلى وقف انتشار الأسلحة النووية".

من جانبه قال داريل جي كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، ومقرها واشنطن، إن "ما تفعله الحكومة الإسرائيلية في هذه المنشأة السرية للأسلحة النووية هو أمر على الحكومة الإسرائيلية الكشف عنه".

في الوقت ذاته ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية نقلاً عن جهات لم تسمِّها، أن "الحكومة الإسرائيلية تسعى لتأمين المفاعل النووي وإطالة عمره الافتراضي لأربعين عاماً إضافية".

ويقول محللون لوكالة أسوشيتد برس، إن المخاوف المتعلقة بالسلامة قد تؤدّي إلى وقف السلطات لعمل المفاعل أو تعديله.

وقال أف نير كوهن، أستاذ دراسات منع الانتشار في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، الذي كتب بشكل موسع عن ديمونا: "أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية مهتمة بالحفاظ على القدرات النووية الحالية للدولة والإبقاء عليها".

وتابع: "إذا كان مفاعل ديمونا يقترب بالفعل من التوقف عن العمل، كما أعتقد، فإن المرء يتوقع أن تتأكد إسرائيل من الاستبدال الكامل لوظائف معينة للمفاعل، لا تزال لا غنى عنها".

كشف موقع "تيك ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي أن الإدارة الأمريكية تبدو معنية في إثارة موضوع النووي الإسرائيلي، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تسليط الضوء على مفاعل ديمونا والبرنامج النووي لتل أبيب في وسائل الإعلام الأمريكية الأكثر شهرة خلال الأيام الماضية، مشيراً إلى أن وكالة الأنباء الأمريكية لم تكن وحدها التي تطرقت إلى الموضوع، فقد نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريراً منتصف الشهر الماضي أوصت من خلاله إدارة بايدن بإنهاء "النفاق الأمريكي" تجاه البرنامج النووي الإسرائيلي.

وكانت مجلة فورين بوليسي نشرت بالفعل تقريراً في 17 نوفمبر/تشرين الثاني قالت فيه إن "على الإدارة الأمريكية الجديدة إنهاء سياسة الكيل بمكيالين في ما يتعلق بالسلاح النووي الإسرائيلي، بعدما حرص زعماء أمريكا السابقون ما قبل جو بايدن على عدم التطرق إلى هذا الملف رغم سعيهم وتبنيهم سياسة حظر الانتشار النووي".

وأشار التقرير إلى أن "البرود الذي أبداه الرئيس جو بايدن من خلال تأخير اتصاله برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد فوزه بالانتخابات، وهو ما درجت العادة عليه خلال فترات الرؤساء السابقين، قد يكون مؤشراً على أن بايدن لم يوقع بعدُ الرسالة الروتينية التي تطالب إسرائيل من خلالها رؤساء أمريكا بعدم إثارة ملف الأسلحة النووية الخاصة بها أو الضغط عليها لتقليل ترسانتها النووية".

هل يساوم بايدن إسرائيل؟

ويوضح الموقع الإسرائيلي أن وتيرة تناول الملف النووي الإسرائيلي في وسائل الإعلام المقربة من الإدارة الأمريكية الجديدة تزداد يوماً بعد يوم، وكان آخرها نشر صور لتوسعة المفاعل النووي في ديمونا.

ويقول: "من الصعب بطبيعة الحال إخفاء حقيقة أن يداً واحدة تقف خلف كل هذه التسريبات. هل تسعى إدارة بايدن فعلاً إلى الاستجابة إلى التوجهات التي تطالبها بإزالة الغطاء الأمريكي عن البرنامج النووي الإسرائيلي، في خطوة تهدف إلى إلجام إسرائيل وترويضها في ظلّ الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي؟

ويضيف: "يُطرح سؤال إضافي في هذه الأثناء: هل تسعى إدارة بايدن لتهيئة الأرض من أجل مفاوضات لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي بشكل عامّ؟ الإجابات عن هذه الأسئلة لا بد من أن تظهر خلال الأسابيع، وربما الأيام، المقبلة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً