تغيب فرحة عيد الأضحى في الدول العربية مع ارتفاع ثمن الأضاحي وتردي الأوضاع الاقتصادية بسبب انتشار فيروس كورونا (Reuters)
تابعنا

عيدٌ آخر يأتي في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، ويحمل معه ظروفاً غير معتادة تلغي ما اعتاد عليه المسلمون في الدول العربية من مظاهر العيد، في ظل اتباع الحكومات العربية إجراءات السلامة بين المواطنين الذين يشكون من أوضاع اقتصادية صعبة بسبب الفيروس.

وقررت 8 دول عربية حتى مساء الثلاثاء، منع إقامة صلاة عيد الأضحى الجمعة، في عموم المساجد والساحات، خشية تفشِّي فيروس "كورونا"، بينما قررت 7 أخرى إقامتها جزئياً أو كلياً، ولم تعلن الـ7 المتبقية عن موقفها بعد.

ويأتي عيد الأضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، بعد انتهاء وقفة عرفة، إذ يقف الحجيج خلال هذا اليوم على جبل عرفة لأداء أحد أهم مناسك الحج.

واقتصر الحج هذا العام على 10 آلاف شخص من داخل السعودية، تجنباً للاختلاط وتفشي فيروس كورونا في المسجد الحرام في مكة المكرمة، المصمم لاستقبال ما يقارب 2 مليون حاج.

وقررت المملكة العربية السعودية إقامة حج هذا العام، بأعداد محدودة جداً للراغبين في أداء مناسك الحج من مختلف الجنسيات الموجودين داخل المملكة، مشيرة إلى أن السبب هو ما يشهده العالم من تفشي فيروس كورونا في أكثر من 180 دولة حول العالم.

وأشارت إحصائية رسمية إلى أن الحج منذ فُرض في العام التاسع للهجرة، توقف 40 مرة، لأسباب بينها انتشار الأمراض والاضطرابات السياسية والأمنية والغلاء، حسب صحيفة "مكة" السعودية.

الأضاحي في سوريا.. حلم غالي الثمن

ووسط غياب مقومات شراء الأضحية، نظراً لارتفاع سعرها، يُقبل ملايين السوريين في منطقة "خفض التصعيد" بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا على عيد الأضحى، في أجواء هادئة نسبياً وفي ظل وقف إطلاق النار الساري بالمنطقة.

وينغص الغلاء الكبير على السوريين فرحتهم، وتنتظر الكثير من العائلات الفقيرة أقرانهم من المسلمين مد يد العون إليها.

ويشكل بُعد السوريين عن ديارهم أكبر المشاكل التي يعيشونها، فظروفهم صعبة جداً في الخيام المكتظة والتي تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية.

ولم تستطع معظم العائلات هناك شراء أضاحٍ، بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية وارتفاع أسعار الأضاحي، حيث يبلغ سعر الأضحية نحو 365 دولاراً، بالإضافة إلى أن معظم اللاجئين السوريين يعيشون على صندوق مساعدات تأتيهم إلى المخيمات.

ويقول التجار السوريون إن الطلب على شراء الأضاحي قليل هذا العام، بسبب الغلاء الكبير، الناتج عن إغلاق المعابر التجارية بسبب جائحة كورونا، مع انقطاع التواصل مع المناطق الأخرى.

ولا يختلف الأمر فيما يخص الملابس التي ارتفعت أسعارها في سوريا، تزامناً مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية (الدولار= 2000 ليرة).وحرم ذلك الأطفال من شراء ملابس العيد.

فلسطين.. أزمة اقتصادية ومخاوف سياسية

ولا يختلف مشهد سوق الأضاحي في فلسطين كثيراً، إذ يشهد حركة تجارية ضعيفة قبل يومين من حلول عيد الأضحى، متأثراً بضعف السيولة بين أيدي المواطنين جراء تبعات جائحة كورونا، إلى جانب أزمة مقاصة، تدخل الأسبوع المقبل شهرها الثالث.

وجعل إعادة ترتيب أولويات الإنفاق خلال الجائحة وأزمة المقاصة من جانب المستهلكين، من شعيرة الأضحية، مسألة ثانوية خلال الموسم الحالي.

ويمتلىء السوق الفلسطيني بالأضاحي لكن دون مشترين، إذ تكبد سوق الأضاحي خسائر كبيرة هذا العام، بسبب تدني أسعار الأضاحي وندرة المشترين مقارنة بمعدلات الشراء خلال مواسم سابقة.

وبينما يبلغ متوسط عدد الأضاحي سنوياً 80 ألفاً في الظروف الطبيعية، إلا أن تجاراً قدروا تراجع المبيعات هذا العام بنسبة 50%.

والأحد، أعلنت الحكومة الفلسطينية بدء صرف جزء من رواتب موظفيها اعتباراً من الاثنين، عن شهر يونيو/حزيران الماضي بواقع 50%، وبحد أدنى 500 دولار، وسط استمرار أزمة أموال الضرائب المقاصة مع إسرائيل.

ومنذ مطلع يونيو الماضي، لم تتسلم الحكومة الفلسطينية أموال المقاصة عن شهر مايو/أيار السابق، المقدرة بـ 190 مليون دولار شهرياً، تمثل 63% من إجمالي الإيرادات. وتشترط إسرائيل لتحويل أموال المقاصة، تراجع الرئيس محمود عباس، عن تعليق التنسيق الأمني معها، وهو أمر رفضته الحكومة الفلسطينية.

وفي غزة، يتدفق المواطنون هناك نحو الشواطئ ويتوافدون على أسواق بيع الحلوى والملابس قبل أيام من حلول عيد الأضحى متحررين بشكل كبير من قيود فيروس كورونا التي تؤثر على احتفالات المسلمين في أماكن أخرى، إذ لم تُسجل أي حالات إصابة بالفيروس في البلدات ومخيمات اللاجئين التي يقطنها مليونا فلسطيني في غزة لكن جرى رصد 75 إصابة وحالة وفاة واحدة في مراكز الحجر الصحي.

وبناء على ذلك يستعد سكان غزة بشكل شبه عادي لقدوم عيد الأضحى، مع التزام قلة من الناس بوضع الكمامة في المراكز التجارية التي تزدحم بالناس بعد مغيب الشمس.

ويعتمد 80% من سكان غزة، الذين شهدوا ثلاث حروب خلال 12 عاماً، على المساعدات الإنسانية.

زيادة الفقر في غزة من 53% إلى 64% بسبب تراجع طلب المستهلكين نتيجة خفض محتمل لأجور العمالة بالقطاع العام في أنحاء الأراضي الفلسطينية وخسائر محتملة بسبب الإغلاق السابق للقطاع

البنك الدولي

وعلى الصعيد الوطني، يتخوف الفلسطينيون من خطة الضم الإسرائيلية وغيرها من ممارسات الاحتلال التي تنغص عليهم حياتهم.

وحذرت مؤسسة القدس الدولية عدداً من الأحزاب والهيئات العربية والإسلامية من وجود مخططات لتنظيم اقتحامات جماعية كبيرة للمسجد الأقصى المبارك، في ذكرى ما يسمى خراب الهيكل.

الأردن.. تراجع الطلب على السلع

وفي الأردن، يخشى مربو وتجار المواشي في الأردن تأثر الطلب على أضاحي العيد خلال الأيام القليلة المتبقية، مع تراجع إجمالي الطلب على مختلف السلع الأساسية، كإحدى النتائج لتفشي جائحة كورونا.

ويأتي ذلك، بعد إجراءات مختلفة دفعت بها الحكومة الأردنية، لمواجهة تداعيات الأزمة الوبائية، تباينت في أثرها على مختلف القطاعات، لا سيما وأن المملكة تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، فرضتها أزمات المنطقة.

توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى انكماش اقتصاد بلاده في 2020 لأول مرة منذ عقود

وزير المالية الأردني - محمد العسعس

وانطلاقاً من ذلك، يخشى تجار المواشي أن يطالهم أثر الفيروس على مبيعاتهم السنوية، خلال عيد الأضحى، الذ ي يعتبر موسم الذروة لمربي الثروة الحيوانية.

وتراجع الطلب على السلع في الأسواق الأردنية، على خلفية تفشي جائحة كورونا، بعد غلق الأسواق المحلية لأكثر من 50 يوماً واقتطاع جزء من رواتب الموظفين في القطاع الخاص، وعلاوات القطاع الحكومي.

المغرب.. جفاف يؤثر على الأضاحي

وبالإضافة إلى الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا في المغرب، يؤثر الجفاف على مدخول بيع أضاحي العيد لسكان البوادي المغربية، وهو ما قد يترك أثراً سلبياً حتى على موسم العيد.

وخفض التجار هناك الأسعار بسبب ضعف الطلب. وإذا كانت البوادي المغربية أقل تضرراً من تفشي وباء كوفيد-19 مقارنة بالمدن، فإنها لم تسلم من التداعيات الاقتصادية للأزمة الصحية.

وأظهر بحث للمندوبية السامية للتخطيط، أن انخفاض الدخل أثناء فترة الإغلاق الصحي شمل 70% من سكان البوادي، وطال 77% من العاملين في القطاع الزراعي على الخصوص.

وفرض المغرب في 20 مارس/ آذار إغلاقاً صحياً لمواجهة انتشار الوباء قبل أن يبدأ تخفيفه على مراحل منذ مطلع يونيو/حزيران. وكان من نتائج هذا الإغلاق "توقف آلاف الشباب القرويين عن العمل في المدن، وبالتالي توقف التحويلات المالية التي كانوا يزودون بها أسرهم، فضلاً عن الكساد التجاري بسبب إغلاق الأسواق الأسبوعية"، كما يوضح الباحث في الشؤون الزراعية العربي الزكدوني.

وتفاقم الوضع بسبب شح الأمطار التي يتوقف عليها إلى حد بعيد إنتاج القطاع الزراعي، وهو القطاع الأهم في الناتج الداخلي الخام بالمغرب، ما جعل المزارعين الصغار يعولون على بيع المواشي لتقليل الخسائر وسداد الديون وتكاليف الأعلاف.

وفي الجزائر، يُستقبل ثاني عيد في ظل إجراءات العزل العام والقيود المفروضة على التجمعات للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. ويحاول الجزائريون رغم قسوة الظروف الحفاظ على سنة شراء الأغنام والتضحية بها في المناسبة الدينية السنوية.

ويقولون إن هذا العيد يختلف عن كل الأعياد التي سبقته، فكثير من الناس إما مرضى أو يعانون من ضائقة مالية بسبب موجة البطالة التي اجتاحت البلاد في مارس/آذار.

السودان.. توقف صادر الهدي

ويخيم التشاؤم على القوة الشرائية داخل أسواق المواشي السودانية لشراء الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك، مع تكاليف الضغوط والقيود الاقتصادية على المواطنين في البلد الإفريقي الغني بالماشية.

ورغم امتلاك السودان أكثر من 107 ملايين رأس من الماشية، إلا أن أسعار الأضاحي ترتفع بنسب عالية عاماً بعد آخر، في ظل تفضيل الحكومة تصدير الضأن إلى الخارج، لجلب النقد الأجنبي.

وفقد السودان منذ 2011، فقد 80% من إيرادات النقد الأجنبي بعد انفصال جنوب السودان، على خلفية فقدانه ثلاثة أرباع آباره النفطية لدولة الجنوب، بما يقدر بـ 50% من إيراداته العامة، مخلفاً شحاً في وفرة الدولار.

وتعتبر الثروة الحيوانية في السودان، أحد مصادر النقد الأجنبي، بسبب الصادرات الكبيرة للمواشي والأبقار إلى الخارج، بمتوسط عائدات سنوية مليار دولار، وفق إحصاءات حكومية.

والأسبوع الماضي، أعلن وزير الثروة الحيوانية المكلف في السودان عادل إدريس فرح، أن وزارته تلقت خطاباً رسمياً من الرياض، تعتذر فيه للسودان عن إيقاف صادر الهدي والأضاحي لحج هذا العام.

وقال فرح لوكالة الأنباء السودانية، إن الخطاب اشتمل على أسباب أهمها، عدم وجود سوق للهدي، وضعف أعداد الحجاج، واختصار حج هذا العام على المواطنين والمقيمين بالمملكة فقط، إضافة إلى آثار جائحة كورونا على السعودية.

وأضاف أن السودان كان يصدر الهدي والأضاحي للمملكة بين 600 - 800 ألف رأس من الضأن في كل موسم، مؤكداً أن الصادرات الاعتيادية متواصلة دون تغيير للأسواق المحلية.

على الرغم من ذلك، فإن أسعار الأضحية ترتفع بنسبة تصل 110% عن أسعار العام الماضي، التي تراوحت بين 8 آلاف و 12 ألف جنيه (146 - 220 دولاراً). فيما سجلت أسعار الأضاحي هذا العام، أسعاراً تراوح بين 18 - 25 ألف جنيه (328 - 455 دولاراً) في الأسواق العامة، وفق السعر الرسمي للجنيه.

ليبيا واليمن.. حروب تُغيب الفرحة

وفي ليبيا، لن يكون الفرح ممكناً مع الآثار التي تركتها الأزمة الليبية ووسط الظروف الاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى تفشي فيروس كورونا هناك.

وتؤثر انعكاسات الحرب في ليبيا منذ تسع سنوات، إذ تغيب مظاهر الأعياد بين المواطنين، وترتفع الأسعار.

ويعرض مئات التجّار بضائعهم المتعلقة بالعيد كالأضاحي ولوازمها على الطرقات سواء في طرابلس أو بنغازي، كبرى مدن البلاد، إلا أن الإقبال عليها كان ضعيفاً جداً.

وعلى الرغم من منع الحكومة إقامة الأسواق الشعبية في قراراتها الخاصة بالإجراءات الاحترازية لتفشي الوباء، إلا أنها لم تمنع إقامة أسواق الأغنام المنتشرة بشكل واسع بين الأحياء وعلى الطرقات الرئيسية والفرعية، خصوصاً في أكبر مدينتين.

اليمن.. ويلات الحرب

أما في اليمن الذي يعاني من حرب طاحنة منذ سنوات، طالب المبعوث الأممي لليمن، مارتن غريفيثس، الثلاثاء، بخطوات مباشرة وسريعة لوقف النار في اليمن. وقال في إحاطته لمجلس الأمن، إن الوضع الإنساني في اليمن، يزداد صعوبة، كاشفاً عن مساعٍ لإقرار هدنة لوقف إطلاق النار في اليمن خلال عيد الأضحى.

كما عبر عن أسفه لتفاقم الأوضاع المعيشية، مشيراً إلى استخدام الاقتصاد كأداة سياسية.

ونبه في كلمته إلى تزايد العنف في محافظة الحديدة، مضيفاً أن بعثة اتفاق الحديدة تواصل جهودها لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف.

أسعار الأضحية في السودان ترتفع بنسبة تصل 110% عن أسعار العام الماضي (AA)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً