استمرار المشاورات الليبية في المغرب لإنهاء الأزمة (Reuters)
تابعنا

ما إن بدأت المشاورات غير الرسمية التي جمعت بالمغرب وفدين من المجلس الأعلى للدولة، ومجلس نواب طبرق، حتى بدأت مليشيا حفتر بإنهاء أمل الكثير من الليبيين في أن تكون تلك المشاورات فاتحة لبدء حوار جاد يخرج البلاد من المراحل الانتقالية ويضع حداً لأزمة دموية طال أمدها، وذلك بخرقها لهدنة وقف إطلاق النار عدة مرات.

وأعلن الجيش الليبي، الاثنين، خرق مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر وقف إطلاق النار في سرت للمرة الرابعة، عبر إطلاقها قذائف صاروخية تجاه المدينة.

وقال المتحدث باسم الجيش محمد قنونو إن القوات الليبية رصدت "خرقاً متوقعاً ومتكرراً لإعلان وقف إطلاق النار، هو الرابع منذ إعلان وقف إطلاق النار الذي التزمت به قواتنا".

وأضاف قنونو، في سلسلة تغريدات عبر تويتر: إن "مليشيات حفتر الإرهابية، في محور سرت، أطلقت وابلاً من صواريخ غراد تجاه مواقع تمركزات قواتنا غرب سرت".

أسباب خرق وقف إطلاق النار

ولا يحظى لقاء وفدي برلمان طبرق ومجلس الدولة بإجماع داخل معسكري الشرق والغرب، فحفتر لا يبدو سعيداً لمحاولة تغييبه دولياً كطرف رئيسي في المفاوضات، وهذا ما يفسر خرقه أربع مرات لوقف إطلاق النار، لإضعاف موقف عقيلة صالح في الشرق، كما أنه جاهز دوماً لإجهاض أي اتفاق لا يلبي طموحاته في حكم ليبيا.

ولا يبدي النواب المجتمعون في طرابلس تحمساً كثيراً للحوار الذي يجريه أعضاء في مجلس الدولة مع زملائهم في طبرق، متجاهلين أنهم يمثلون أغلبية البرلمان.

وفي هذا الصدد غرّد جمعة القماطي، رئيس حزب التغيير الليبي، السبت، قائلاً: "تنطلق الأحد في الصخيرات المغربية مشاورات بين مجلس نواب عقيلة، 23 عضواً من إجمالي 188، ومجلس الدولة، متجاهلين مجلس النواب في طرابلس، 84 عضواً".

وأضاف القماطي، الذي يشغل أيضاً منصب مبعوث السراج إلى دول المغرب العربي: "نأمل أن تكون المشاورات حول استفتاء على الدستور، أو آلية أخرى لانتخابات في أسرع وقت، أما الذهاب إلى مرحلة انتقالية رابعة و تقاسم المناصب! فلا يؤسس لبناء دولة!"

ويخشى كثير من الليبيين أن يتفق برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة على الدخول في مرحلة انتقالية جديدة تضمن التمديد لأعضائهما، بدل الاتفاق على انتخابات جديدة يختار فيها الشعب ممثلين "جدداً".

غير أن المجلس الأعلى للدولة كثيراً ما شدد على ضرورة الذهاب إلى استفتاء على الدستور قبل التوجه إلى الانتخابات، في حين يفضل عقيلة انتخاب عضو من كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (فزان وبرقة وطرابلس) لتشكيل مجلس رئاسي يتخذ من سرت مقراً له، لفترة انتقالية تمتد من 18 إلى 24 شهراً، في حين دعا السراج إلى التوجه لانتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس/آذار المقبل.

وشكك المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش، لوكالة الأناضول، في جدوى ما قد يتوصل إليه المجلسان من تفاهمات، ونشر على حسابه بتويتر تصريحاً قديماً للمبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، أدلى به في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، جاء فيه "بالنسبة لكِلا المجلسين (النواب والدولة)، تشكل الانتخابات تهديداً يتوجب عليهما مقاومته مهما كلف الأمر..".

كما أن 24 عضواً في مجلس الدولة تحفظوا على لقاء زملائهم بوفد من برلمان طبرق، بشكل غير رسمي، بحسب ما نشره إعلام محلي، ممَّا يعكس صعوبة مشاورات بوزنيقة، بالنظر إلى التوجس من عدة أطراف حول ما يمكن أن تخرج به.

وحرص المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، في بيان له، على وصف اللقاءات التشاورية غير الرسمية بأنها جرت "وسط أجواء إيجابية بخصوص محاولات إعادة إحياء الحوار السياسي بين الأطراف الليبية". فقبل خمسة أعوام تمكن وفدان من مجلس النواب في طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس (المجلس الأعلى للدولة حالياً) من التوصل إلى اتفاق، برعاية أممية، في مدينة الصخيرات المغربية.

ولا يُنتظر من لقاء بوزنيقة الخروج باتفاق نهائي، ولكن واضح من اسمه "مشاورات غير رسمية"، أنه يهدف للتمهيد للقاءات رسمية قد يمكنها وضع خريطة طريق للأزمة الليبية برعاية أممية ودولية.

لكن هذه المشاورات تتزامن مع خروقات متكررة لتوافقات السراج وعقيلة بشأن وقف إطلاق النار من قبل مليشيات حفتر، ممَّا يطرح مشكل الضمانات حول تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه، خاصة إذا تعارض مع رغبات قوى مؤثرة على الأرض.

تمهيد لانطلاق الحوار

ويعتبر إعلان عبد السلام الصفراني، رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة في مشاورات المغرب، الاثنين، أنهم توصلوا إلى تفاهمات بشأن المؤسسات الرقابية، والأسماء المقترحة لقيادتها، بارقة أمل لتوحيد المؤسسات.

لكن تمديد مشاورات المغرب غير الرسمية، التي بدأت الأحد، من يومين إلى ثلاثة أيام أو أكثر، يعكس صعوبة التوافق على أسماء بعينها، لكنه في الوقت نفسه يبرز رغبة الطرفين في تحقيق تقدم يعطي أملاً لليبيين بعد أن استحكمت عليهم الأزمات من جوانب عدة.

وتتمثل المؤسسات الرقابية، بحسب المادة 15 من اتفاق الصخيرات، في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.‎

وتوحيد هذه المؤسسات يمهد لإجراء انتخابات على الدستور، الذي أقرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مسودته في يوليو/تموز 2017، وأيضاً انتخابات رئاسية وبرلمانية لإنهاء حالة التمزق.

غير أن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أوضح أن هذه المشاورات غير الرسمية "ليست سوى تمهيد لانطلاق الحوار بشكل رسمي"، ما يعني أن هذه المشاورات لن تخرج باتفاق نهائي، وإنما ستحدد نقاط الاتفاق المشتركة، والقضايا الخلافية لرفعها إلى جلسات الحوار المرتقبة في جنيف.

ورغم ارتفاع سقف اشتراطات كل طرف للقاء الآخر، فإن هناك تقاطعات بين الجانبين، أهمها إعادة تشكيل المجلس الرئاسي من ثلاث شخصيات بدل 9 أعضاء. لكن الخلافات بينهما أعمق من ذلك بكثير، وهو ما دفع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إلى دعوة الأطراف الليبية إلى أن "تتسم بالواقعية لإنضاج الحل".

وبعد انحسار المواجهات العسكرية بين الطرفين منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي، قادت البعثة الأممية إلى ليبيا عدة جولات مباحثات، سبقت مشاورات بوزنيقة المغربية، حيث سبق أن التقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالنيابة ستيفاني وليامز، في مدينة جنيف السويسرية برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وعقيلة صالح، والمشري، وعدد من ممثليهم، لكن بشكل منفرد.

وإن لم تعقد اجتماعات لجنة (5 5) في مكان واحد وبشكل متزامن منذ فبراير/شباط الماضي، لكن البعثة الأممية أجرت 3 جولات من المناقشات عبر الاتصال المرئي مع ممثلي الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية، بحسب وكالة الأناضول.

كما أجرت جولتين مع ممثلي مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، منذ 8 يوليو/تموز الماضي، بحسب ما كشفته وليامز، في تقريرها الأخير الذي قدمته لمجلس الأمن في 2 سبتمبر/أيلول الجاري.

لكن المبادرة الأممية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، بشأن إنشاء تدريجي لمنطقة منزوعة السلاح بدءاً من مدينة سرت، ووضع آلية رصد مشتركة صغيرة دولية لرصد وقف إطلاق النار، لم تلق ترحيباً من مليشيات حفتر لحد الآن. حيث تتهم البعثة الأممية مليشيات حفتر والحكومة الشرعية بالإصرار على "مواقف غير واقعية ومتشددة"، ولفتت إلى أن "الاختلافات في الآراء وانعدام الثقة بين الجانبين لا تزال بارزة".

إلا أن لقاء بوزنيقة قد يمهد للقاءات أخرى في جنيف ترعاها الأمم المتحدة بين ممثلي مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة، وحتى بين عقيلة والمشري، قد تنتهي باتفاق جديد، كما أشار إلى ذلك بوريطة.

دعم أممي للحوار

وأكد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، دعمه الكامل للحوار الليبي الذي تستضيفه المغرب بهدف "تعزيز واستكمال جهود السلام الجارية التي يقودها مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير/كانون الثاني الماضي".

وذكر البيان أن "الأمين العام يدعم جميع المبادرات التي من شأنها أن تعزز وتكمل جهود السلام الجارية التي يقودها مؤتمر برلين حول ليبيا".

وقال غوتيريش: "منذ بداية الأزمة الليبية، لعبت المملكة المغربية دوراً بناءً، وساهمت في جهود الأمم المتحدة الهادفة إلى تحقيق حل سلمي للصراع الليبي".

‎وأضاف: "الاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015 هو شهادة على التزام المغرب الحازم في إيجاد حل للأزمة الليبية إلى جانب الأمم المتحدة".

وتابع: "نحن على ثقة من أن أحدث مبادرة للمغرب سيكون لها تأثير إيجابي على تيسير الأمم المتحدة للحوار السياسي الليبي".

فاغنر واستمرار دعم حفتر

وبالرغم من المشاورات والعمل السياسي المستمر لإنهاء الأزمة الليبية، فإن التدخلات الإقليمية تظل سبباً كافياً لإفشال أي حوار.

وقال الكاتب والباحث السياسي السنوسي إسماعيل لـTRT عربي، إن النفاق الروسي مريب ويدعو للتساؤل ماذا تريد روسيا من ليبيا بالتحديد؟ وكل هذه الأسلحة تثير شكوكاً تجاه موسكو.

وأضاف: "هذا الأمر بحاجة لمزيد من الإحراج الدولي للحكومة الروسية".

وأشار الكاتب إلى أن "الزخم الكبير من الأسلحة والمرتزقة الروس في ليبيا، يبعث بشك كبير في نجاح الجهود الألمانية والأمريكية في جعل منطقة سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح، وإلا فمتى سيتم نقل كل هذه الأطنان من الأسلحة؟".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً