عناصر التنظيم الإرهابي يساهمون في مضاعفة معاناة المواطنين السوريين  (AA)
تابعنا

تسعى تركيا من خلال العملية العسكرية التي أطلقتها شرق الفرات لتطهير المنطقة من الإرهابيين وتخليص السكان المحليين من معاناتهم المستمرة واليومية، إذ إن عملية نبع السلام التي أطلقتها مساء الأربعاء، هي الطريقة الوحيدة لمنح الشعب السوري فرصة العودة إلى ديارهم.

ويحتل تنظيم PKK/YPG حاليّاً، كامل مناطق شمال شرق سوريا، بما يعادل ثلث أراضي البلاد. ويكتم الأصوات المعارضة كافةً في المناطق الخاضعة لسيطرته، ويحاول التحكم في الحراك السياسي تماماً، كما تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم موارد الطاقة والمياه والأراضي الزراعية في البلاد.

وقبل بدء العملية العسكرية شرق الفرات، لجأ تنظيم YPG/PKK الإرهابي إلى استخدام المناطق السكنية دروعاً له، وانتقل عناصر التنظيم الإرهابي في بلدة تل أبيض السورية من مراكزهم العسكرية المجاورة إلى الأحياء السكنية، واختلطوا مع المدنيين هناك، غير مكترثين بتعريض حياة المدنيين للخطر.

وصعّد التنظيم حملة التجنيد الإجباري التي بدأها قبل أسبوعين في صفوف الشباب العرب، في أرياف الرقة والحسكة ودير الزور شرقي سوريا، وذلك لزجّهم في مواجهة الجيش التركي.

وأفادت مصادر محلية بأن YPG الإرهابي نصب حواجز في كل الطرق الرئيسية في المناطق المذكورة، وداهم البيوت بحثاً عن مطلوبين للتجنيد الإجباري. وأوضحت المصادر أن YPG الإرهابي يعتقل يومياً ما لا يقلّ عن 20 شابّاً، وينقلهم إلى معسكر الجلبية شمالي الرقة، ويزج بهم في تدربيات عسكرية فوراً.

وحسب المصادر، تجاوز عدد الشباب المعتقَلين منذ بدء الحملة، أكثر من 400 شاب، 130 منهم اعتُقلوا في اليوم الأول للحملة المتواصلة.

جرائم حرب

وكشف تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن "احتمال ارتكاب تنظيم PKK/YPG الإرهابي جرائم حرب في سوريا، خلال حملة النزوح وهدم المنازل التي استهدفت السكان المدنيين المحليين".

واعتمدت الصحيفة على تقرير سابق أصدرته منظمة العفو الدولية، تقول فيه إنها "وجدت أدلة على أن الجماعة المسلحة المعروفة باسم YPG أجبرت العرب والتركمان في شمال سوريا على ترك منازلهم من خلال هدم المنازل المدنية عمداً، وفي بعض الحالات جرّفوا قُرىً بأكملها وأحرقوها، وشرّدوا سكانها دون أي أسباب عسكرية".

منظمة العفو الدولية قالت "إنها تمكنت من العثور على أدلّة لقرى لم يكن فيها السكان المحليون قد نزحوا فقط، ولكن منازلهم دُمّرت، إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها المنظمة 225 مبنىً واقفاً في قرى الحسينية بالقرب من تل حميس في يونيو 2014.

ولم تُظهِر صور الأقمار الصناعية في نفس المنطقة سوى 14 مبنىً متبقياً بعد عام، وهذا ما يؤكّده السكان المحليون الذين قالوا إن YPG الإرهابي هدم منازلهم بعد أن استولى على القرية من تنظيم داعش الإرهابي.

ولا يتوقف الأمر عند هدم المنازل والتهجير، فقد قال شهود لمنظمة العفو، إن التنظيم الإرهابي كان يصبّ البنزين على منزل وهدّد بإشعال النار فيه فيما كان السكان في المنزل، وأفاد شاهد آخر بأن مقاتلي التنظيم أخبروا السكان بأنهم سيتعرضون للضربات الجوية التي يشنّها التحالف الأمريكي ما لم يغادروا منازلهم، موضحاً "قالوا لنا إن علينا المغادرة أو إخبار التحالف الأمريكي بأننا إرهابيون وأن طائراتهم ستضربنا نحن وعائلاتنا".

ودعت منظمة العفو إلى وقف النزوح والهدم وتعويض جميع المدنيين الذين دُمّرَت منازلهم، مشيرة إلى أن "التعاون الأمريكي مع هذه التنظيمات مثير للجدل".

وفي سياق جرائم الحرب، أعلنت لجنة التحقيق الأممية في سوريا أن ما فعله التنظيم الإرهابي PKK/YPG يمكن اعتباره جرائم حرب. وأكّد التقرير الذي يستند إلى نحو 300 مقابلة وإلى صور الأقمار الصناعية وتحليلات الفيديو والصور، منذ بداية 2019 حتى يوليو/تموز، أن أعمال التحالف الدولي بقيادة واشنطن وروسيا والنظام السوري تدخل ضمن إطار جرائم الحرب.

أعمال التنظيم الإرهابي PKK/YPG في سوريا يمكن أن تكون أيضاً ضمن جرائم الحرب، ووثّقنا جرائم التنظيم الإرهابي PKK وأذرعه المتمثلة بـPYD وYPD

هاني مجلي - عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا

وكشف تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن ممارسات لتنظيم PKK/YPG الإرهابي، مثل إجبار السكان على البقاء في مناطقهم بعفرين، وإرغام الرجال على حمل السلاح، مشيراً إلى السماح لبعض مَن ليسوا من عفرين بالخروج إلى مناطق سيطرة النظام، ومعظمهم نساء وأطفال.

تجنيد الأطفال للقتال

وفي وقت سابق، اعترف تنظيم PKK/YPG الإرهابي رسميّاً، بتجنيد الأطفال وإجبارهم على حمل السلاح، وذلك من خلال التوقيع على خطة عمل بين الأمم المتحدة والتنظيم المذكور، تهدف إلى "تخلِّيه عن المقاتلين الأطفال الموجودين ضمن صفوفه"، حسبما أعلنت الأمم المتحدة.

وأُعلِنَ عن خطة العمل المشترَكة يوم 29 يونيو/حزيران المنصرم، في احتفال رسمي بمقر الأمم المتحدة بجنيف، وقّعها فيه الممثل الخاصّ ووكيل الأمين العامّ للأمم المتحدة فرجينيا غامبا، وقائد ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" شاهين جلو، الملقب بمظلوم عبدي.

ويعد هذا التوقيع اعترافاً صريحاً من PKK/YPG الإرهابي بتجنيده الأطفال الذين تتراوح سنّهم بين 11 و16 عاماً.

ووثّقت وكالة الأناضول حالات تجنيد الأطفال من خلال ما تضمنته أفلام الكاميرات التي ضُبطَت في معسكرات التنظيم الإرهابي بمنطقة عفرين التي تُحرَّرت في عملية غصن الزيتون، بالإضافة إلى ما التقطته عدسة الأناضول من صور لمعسكر تدريبي في منطقة حاج حسنلي بعفرين، كان التنظيم يستخدمه لتدريب الأطفال على حمل السلاح.

وتمكن سلاح الجو التركي من تدمير المعسكر بالكامل، ليتضح لاحقاً أن المعسكر كان يُستخدم لتدريب وتأهيل الأطفال الذين تتراوح سنّهم بين 13 و17 سنة.

ويوم 22 أكتوبر 2018، قُتلت اليافعة ياسمين عريف البالغة من العمر 17 عاماً، في اشتباكات بمدينة دير الزور السورية، وتَبيَّن أن التنظيم الإرهابي أجبرها على حمل السلاح وهي في سن 14 عاماً.

وذكر تقرير سابق للأمم المتحدة أن تنظيم PKK/YPG أجبر 224 طفلاً على الالتحاق بصفوفه دون موافقة أسرهم، وحسب تقارير لاحقة للأمم المتحدة أيضاً، فإن هذا العدد زاد 5 أضعاف خلال العام الماضي 2018.

مخاطر PKK/YPG على تركيا

يستهدف التنظيم الإرهابي منذ نحو 5 أعوام، بين حين وآخر، المناطق السكنية التركية المجاورة للحدود السورية، ويشكّل خطراً على الحدود التركية من خلال الأسلحة الموجودة بحوزته. وفي مناطق سيطرة التنظيم 13 مستودعاً يُحتفَظ فيها بالأسلحة المرسلة إليه من الولايات المتحدة الأمريكية منذ أبريل 2016.

وللعملية التركية أهمية بالغة للحفاظ على أمن الحدود التركية مع سوريا، بسبب امتلاك هذا التنظيم مستودعات أسلحة متنوعة بإمكانها استهداف الأراضي التركية، كما تسعى تركيا من خلال العملية المرتقبة إلى منع عناصر التنظيم من الوصول إلى أراضيها وعرقلة فاعلياته المسلحة قرب حدود البلاد.

ومن أهداف العملية التركية، إنشاء منطقة آمنة لملايين السوريين الذين اضطُرُّوا إلى ترك ديارهم بسبب الحرب المستمرة في بلادهم منذ نحو 9 أعوام.

وتطال المدن التركية القريبة من الحدود تهديدات مباشرة وغير مباشرة، بخاصة بعد انتشار تنظيم PKK/YPG الإرهابي في مناطق شرق الفرات، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو 2015، وبدعم أمريكي بحُجَّة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي.

وتَمكَّن PKK/YPG الإرهابي من إخراج داعش من مدينة عين العرب (كوباني) بريف محافظة حلب، ومن ثم من مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة، واحتل هاتين المنطقتين اللتين تُعتبران من أهم المناطق في شرق الفرات، ووسّع نطاق المساحات التي احتلها في ما بعد، ليشمل مناطق سكنية مهمة مثل رأس العين وسلوك والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية بريف محافظة الحسكة.

هدف العملية.. حماية المدنيين

يظهر من فكرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، محاولة تركيا تأمين حياة المدنيين في تلك المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، إذ قال أردوغان إن المنطقة الآمنة الممتدة على طول 480 كيلومتراً، ستستوعب في المرحلة الأولى ما بين مليون ومليونَي سوري، وفي حال وصل عمق المنطقة الآمنة إلى محافظتَي الرقة ودير الزور، فإن من الممكن عودة 3 ملايين سوري إلى ديارهم.

وأكّد رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن بلاده لا هدف في شمال شرقي سوريا سوى القضاء على التهديد المحدق بمواطنيها منذ أمد طويل، وإنقاذ السكان المحليين من أيدي العصابات المسلحة.

وتابع "نجاح العملية التي تقودها تركيا في الحرب ضد داعش من مصلحة العالم بأسره، والجنود الأمريكيون الذين كانوا في الميدان لسنوات سيعودون إلى ديارهم، والسكان المحليون الذين هجّرهم تنظيم YPG سيعودون إلى أرضهم".

واستطرد "كما أن المنطقة الآمنة لصالح أوروبا أيضاً، لأنها ستحلّ مشكلتَي العنف وعدم الاستقرار اللتين تُعَدَّان من أسباب الهجرة غير النظامية والتطرف، فضلاً عن ذلك ستتيح هذه الخطة حماية المواطنين الأبرياء في تركيا من هجمات تنظيم إرهابي آخر".

وتَلقَى تركيا دعماً كبيراً في عمليتها من المعارضة والعشائر السورية، إذ أرسل الجيش الوطني السوري المؤلَّف من مقاتلي المعارضة، قوة عسكرية إلى ولاية شانلي أورفا التركية لدعم العملية، وعلم مراسل الأناضول من مصادر مطلعة أن القافلة أرسلت لتعزيز الوحدات المنتشرة على الحدود مع سوريا في شانلي أورفا.

ووصل عناصر من الجيش الوطني السوري إلى منطقة أقجي قلعة في ولاية شانلي أورفا ظهر الأربعاء، ونفّذوا دورية تفقُّدية على الحدود غرب تل أبيض لمدة ساعة، ضمن التحضيرات لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة مع الجيش التركي في شرق الفرات.

في الوقت ذاته، أعرب مجلس العشائر والقبائل السورية في بيان للمجلس بعد اجتماع عقده الثلاثاء في قرية سجو التابعة لمدينة أعزاز شمالي سوريا، عن دعمه العملية التركية المرتقبة ضد تنظيم YPG/PKK الإرهابي شرق الفرات، لتطهير المنطقة من الإرهاب وتأمين عودة المهجَّرين إلى أراضيهم.

وأكد ممثلو العشائر في كلماتهم خلال الاجتماع دعمهم الكامل للجيش الوطني التابع للحكومة السورية المؤقتة والجيش التركي في عمليتهما المرتقبة، مؤكّدين أن تنظيم YPG "قوة مارقة لا تمثّل الأكراد".

وجاء في البيان الختامي للاجتماع، الذي قرأه رئيس الهيئة السياسية للمجلس عبد العزيز المسلط، أن "YPGمليشيات إرهابية امتهنت القتل والإجرام أسلوباً لتنفيذ أجندتها المشبوهة، واستباحت حرمة الوطن والشعب، وتمادت في تهديد أمن المنطقة، وأوغلت في جراح السوريين بارتكاب المجازر واتباع سياسة التطهير العرقي".

وأعرب البيان عن "دعمه المطلق للعملية العسكرية المرتقبة التي تعتزم الشقيقة تركيا إطلاقها شرق الفرات، وإيجاد منطقة آمنة يجد فيها أهلنا المهجَّرون الملاذ الآمن الذي يقيهم جرائم نظام الأسد ورجس الإرهاب".

في المقابل أعرب ما يُسمَّى "قوات سوريا الديمقراطية" الذي يقوده تنظيم YPG/PKK الإرهابي، عن نيته التعاون مع نظام بشار الأسد لمواجهة العملية التركية المرتقَبة شرق الفرات.

جاء ذلك على لسان قائد ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" شاهين جلو، الملقب بمظلوم عبدي، إذ نقلت عنه وسائل إعلام قوله إنهم يفكّرون في التعاون مع النظام السوري لمواجهة تركيا.

وكان التنظيم أجرى مفاوضات مع النظام السوري لدخول مدينة عفرين، خلال عملية غصن الزيتون التي انطلقت أواخر 2017، إلا أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق.

التدمير الذي تعكسه صور الأقمار الصناعية لا يدل على أنها تدمرت من القصف بل من الهدم.
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً