تسبب اتفجار مرفأ بيروت بقتل 137 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من خمسة آلاف بجروح (Reuters Archive)
تابعنا

هذا هو الانفجار الهائل الذي كان ينقص لبنان ليدخل "موسوعة المصائب" كما تقول صحيفة الجمهورية اللبنانية في افتتاحيتها هذا الصباح، إذ "لم يعد التوصيف يُجدي وسط الدمار الشامل الذي حلّ ببيروت؛ فمنذ بداية هذه السنة ولبنان ينساق الى الذبح، لجريمة لم يرتكبها، بل ارتُكبت بحقه من قبل مجموعة المتسلّطين عليه والمتحكّمين بأمره والقابضين على انفاسه سياسياً واقتصادياً ومالياً".

هذا الرأي الذي تشاركت فيه معظم وسائل الإعلام اللبنانية، وحملت المسؤولية للحكومة والمسؤولين، ووصفتهم صحيفة الجمهورية بـ"مجموعة فرّخت عصابات عاثت في لبنان فساداً ونهباً، وخرّبته بسوء إدارتها وإهمالها الذي جاء بأبشع صوره الكارثيّة في زلزال مرفأ بيروت".

وأضافت: "منذ بداية السنة وحتى اليوم المشؤوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب 2020، يبدو لبنان وكأنه لم يبقَ منه شيء سليماً، فكل شيء فيه صار متهالكاً. فمنذ اللحظة الأولى من هذه السنة، دُفع بلبنان ليقف على مفترق مصائب متناسلة من بعضها البعض، ومتتالية كحلقات متواصلة؛ المصيبة الاقتصادية والمالية خَلّعته بالكامل، والمصيبة الكورونية تفتك بواقعه الصحي، والمصيبة السياسية هي وحدها أم المصائب، وها هي المصيبة الكيميائيّة تدمّر العاصمة برمشة عين، وتهوي بها إلى قعر الوجع والحزن والخراب".

هذه المصائب مجتمعة، قادت اللبنانيين للمطالبة بالكشف عن المسؤولين عن الانفجار، والذين تسبب إهمالهم في قتل 137 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من خمسة آلاف بجروح، بالإضافة إلى عشرات المفقودين تحت الأنقاض، وفق حصيلة جديدة لوزارة الصحة اللبنانية.

وتساءلت الصحيفة: "ما الذي حصل بالفعل؟ وهل الانفجار ناجم عن خطأ غير مقصود، أم أنه مفتعل ناجم عن عمل تخريبي من الداخل أو من الخارج؟ الناس لا يمكن ان تقبل ان يُلَفلف هذا الأمر".

روايات مختلفة

تقول الرواية الرسمية اللبنانية إن "الانفجار نجم عن كميات هائلة من نيترات الأمونيوم، انفجرت بسبب تلحيم لإحدى البوابات فيه"، فيما ترجح فرضيات أخرى أن العمل تخريبي أو عدواني، فقد قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إنه "جرى استهداف أسلحة لحزب الله في مرفأ بيروت"، دون أن تقدم تفاصيل.

وفي الوقت الذي أبدى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن استعداد تل أبيب "لتقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان"، أشارت إيران على لسان رئيس منظمة الدفاع المدني غلام رضا جلالي إلى "احتمال أن يكون انفجار مرفأ بيروت ناجماً عن فِعلٍ مُتعمد من قبل أعداء جبهة المقاومة"، فيما لفتت وكالة فارس الإيرانية إلى "أصابع الكيان الصهيوني الخفية وراء كارثة بيروت".

ومع ترجيح المسؤولين الرسميين للرواية المتعلقة بالخطأ، فإن مصادر سياسية دعت إلى، "عدم استبعاد فرضيات التفجير المقصود، وعدم استبعاد أي خيارٍ لكي لا يتم تقييد التحقيق باتجاهٍ محضّرٍ سلفاً".

وذكرت المصادر لصحيفة الأنباء اللبنانية، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “كان قد أبلغ الأمم المتحدة أن حزب الله يخزّن مواد شديدة الاشتعال وأسلحة، وذخائر في مرفأ بيروت"، معتبرةً أن "هناك من لا يريد التلميح إلى الخيارات الأخرى، لأنها بحال حصولها فهي خطيرة جداً، فيما الدولة تحاول أن تتنصّل من معرفتها بوجود 2,752 طن من المواد المتفجّرة".

ومما زاد المشهد ضبابية، التصريحات الأمريكية المتضاربة حول الانفجار، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب "أنّ ضبّاطاً أمريكيين أبلغوه أنّ الانفجار الرهيب في بيروت ناجم عن قنبلة من نوع ما"، إلّا انّ 3 من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أبلغوا قناة CNN، انه "لا يوجد لدى الجيش الأمريكي أي دليل على أنّ الانفجار في بيروت نَجمَ عن هجوم، وإلا لقررت السلطات الأمريكية على الفور اتخاذ إجراءات إضافية لحماية القوات المسلحة الأمريكية والممتلكات الأمريكية في المنطقة، وهو ما لم يحدث حتى الآن"، حسب الصحيفة.

إنطلاقاً من طبيعة الانفجار، يبدو أن الأمر ناتج عن هجوم، التقيتُ بعض جنرالاتنا الرائعين، ويبدو أنهم يعتقدون أنه كان هجوماً. السبب كان نوعاً من القنابل، نعم

الرئيس الأمريكي - دونالد ترمب

واستبعد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أن يكون الأمر نتيجة قنبلة كما قال ترمب، وتبنّى رواية السلطات اللبنانية التي قالت إنه نتج عن تخزين 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت في غياب تدابير وقائية.

وقال إسبر في منتدى أسبن للأمن: "ما زلت أتلقى معلومات حول ما حصل"، مشيراً إلى أنّ "الأغلبية تظن أنه حادث".

وبالعودة إلى الرواية الرسمية اللبنانية، التي تبقى مفتاحاً أساسياً لما حصل، سيكون من المفترض أن تتوصل التحقيقات لأسباب الانفجار والمسؤولين عنه، وتجيب عن أسئلة مهمة حول أسباب عدم إزالة هذا الخطر على مدى عهود الحكومات التي تشكلت منذ عام 2013 وحتى اليوم، وهل سيطال التحقيق من موظفين ومسؤولين عن المرفأ فقط، أم سيتوسّع ليشمل بالمسؤولية مستويات رفيعة في الدولة ممّن كانوا في السلطة في السنوات الماضية من وزراء وغير وزراء؟

وكشف الانفجار عن ثغرات كثيرة توسع دائرة المسؤولين عنه، بدءاً من تحذيرات الأجهزة الأمنية اللبنانية التي لم يُؤخذ بها، ووجود ثغرة في العنبر حيث كانت المواد الكيميائية مخزّنة، ولم يُعرف من فتحها وكيف فُتخت ومن قرر سدّها، إذ استغرب رئيس مجلس إدارة والمدير العام لمرفأ بيروت حسن قريطم، في بيان "كيف أنه، وبالرغم من المراسلات المتكررة بين إدارة الجمارك وقضاء العجلة، لم يجرِ التخلّص من هذه المواد؟ مضيفاً أنه جرى تعيين حارس قضائي عليها، ووُضِعت في عنبر منفرد حيث بقيت لمدة 6 سنوات من دون أن يكون للإدارة الحق في التصرّف بها".

وأشار قريطم إلى أنّ الإدارة تلقّت تعليمات من القضاء مؤخراً وبعد كل هذه السنوات تقضي بإقفال فجوة في بوابة العنبر لحماية محتوياته من التلف والسرقة، وهذا بالتحديد ما أقدمت عليه إدارة المرفأ.

وتتداول وسائل الإعلام اللبنانية أخباراً عن رفع مديرية أمن الدولة تقريراً بالمواد المتفجرة في 10 يناير/كانون الأول 2019 إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإلى حكومة سعد الحريري التي كانت مستقيلة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى تقرير آخر حول الموضوع نفسه في 4 يونيو/حزيران 2020 وجرى تسليمه لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حسان دياب، وتقرير ثالث في 20 يوليو/تموز 2020 ورُفع مجدداً إلى رئيسي الجمهورية والحكومة.

ونوهت صحيفة الجمهورية إلى أنه و"في حال صحت الرواية الرسمية، فسيكون الدخول في لعبة تَقاذف المسؤوليات وتجاوز محاسبة المسؤول أو المسؤولين عما جرى، مشيرة إلى أن ما جرى ليس "سوى فساد لا يمكن فصله أبداً عن منظومة الفساد، وبنية الفساد الحاكمة في البلد، والذي أدى إلى تجميع كميات هائلة من نيترات الأمونيوم بين الناس وانفجرت فيهم".

الإقامة الجبرية وكبش الفداء

وتؤكد صحيفة الأنباء اللبنانية وجود تحذيرات لبعض المسؤولين الأمنيين والإداريين في كتبٍ رسمية، ومراسلات إدارية، من خطورة المواد المركونة في عنابر المرفأ، مشيرة إلى أن "كبار المسؤولين في الدولة بدأوا بالتنصل من مسؤولياتهم، والتفتيش عن كبش محرقة، فقرّروا إجراء تحقيق ومحاسبة، ووضع بعض الموظفين في الإقامة الجبرية، كمقدمة لتنفيس غضب الشارع".

وطالبت وزيرة الإعلام اللبنانية منال عبد الصمد، بفرض الإقامة الجبرية على المسؤولين عن نيترات الأمونيوم المتسببة بالانفجار.

وتساءلت مصادر قضائية عبر "الأنباء" عن "أي تحقيق ومحاسبة يتحدّث مجلس الوزراء، إضافةً إلى وزير الداخلية، محمد فهمي، الذي توقّع انتهاء التحقيق في ملابسات الانفجار في غضون خمسة أيام، ومحاسبة المسؤولين أياً كانوا".

وسألت المصادر: "هل تشرب الحكومة حليب السباع وتبدأ بمحاسبة المسؤولين عمّا حدث؟ وكيف سيجري تعويض عائلات الضحايا والجرحى؟ وهل هناك فعلاً من تعويض؟ ومن سيعوّض الأضرار المادية التي نُكِب بها أصحاب الممتلكات، وتشريد المئات الذين أصبحوا بلا مأوى؟ ومن سيعيد إليهم أثاث منازلهم، وكل ما تحويه من ذكريات؟ هذا في حال ثبتت فرضية التفجير عن طريق الخطأ".

هل تدفع زيارة ماكرون لتحقيق دولي؟

وفيما يحاول لبنان لملمة ذيول الكارثة، يصل إلى بيروت اليوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للقاء الرؤساء الثلاثة وعدد من المسؤولين في لبنان. وفي هذا الإطار شبّهت صحيفة الأنباء هذه الزيارة بتلك التي أجراها الرئيس الراحل، جاك شيراك، بُعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وتوقّعت المصادر حصول متغيّرات كثيرة وكبيرة جداً بعد هذه الزيارة، وقالت المصادر: "ربما سنسمع قريباً عن لجنة تحقيق دولية، لأن ماكرون لن يأتي إلى لبنان للنزهة، إنما لديه فكرة معيّنة سيبلغها للمسؤولين اللبنانيين". وتوقعت المصادر تشكيل لجنة تحقيق دولية بإشراف الأمم المتحدة.

الرئيس عون يستقبل الرئيس ماكرون في المطار

Posted by Lebanese Presidency on Thursday, 6 August 2020

من جانبها، كتبت صحيفة النهار اللبنانية تقول "ماكرون يشهد اليوم على اللامسؤولية اللبنانية"، مشيرة إلى أن "التحقيقات تسير ببطء وسط حال من الذهول والارتباك لدى المواطنين، وهي انعكاس لحال الارتباك الحكومي".

وقالت الصحيفة إن "رؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، اجتمعوا ودعوا إلى لجنة تحقيق دولية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً