نشاطات ملحوظة لسفن ومسؤولين عسكريين أجانب في السودان (AA)
تابعنا

زيارات لسفن ومسؤولين عسكريين أجانب جسدت نشاطاً ملحوظاً شهدته الساحة السودانية في الآونة الأخيرة، وأشارت إلى تحولها إلى بؤرة للتنازع الدولي على المساحات الجيوستراتيجية في شرق إفريقيا المطل على البحر الأحمر.

ففي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي زار وفد عسكري رفيع المستوى من القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) الخرطوم، كان على رأسه أندرو يونغ نائب قائد القيادة المذكورة، كما ضم هايدي بيرغر مديرة المخابرات في أفريكوم.

واجتمع الوفد الأمريكي برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، كما ضمه لقاء مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ووزير الدفاع اللواء ياسين إبراهيم ورئيس الأركان محمد عثمان الحسين، في حين التقت بيرغر بعسكريين سودانيين من الأكاديمية العسكرية السودانية العليا.

وكانت تلك أول زيارة يقوم بها مسؤول عسكري أمريكي للخرطوم منذ رفع واشنطن، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقوبات اقتصادية وسياسية كانت قد فرضتها على السودان لوجوده بقائمتها للدول الراعية للإرهاب.


وفي 24 من فبراير/شباط الماضي أعلنت السفارة الأمريكية بالسودان وصول "سفينة النقل السريع التابعة لقيادة النقل البحري العسكرية (الأمريكية) إلى بورتسودان" على البحر الأحمر، وفي نفس الأسبوع أعلنت السفارة وصول السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس ونستون تشترشل في 27 فبراير/شباط الماضي.

ووضحت في بيان أن القائم بالأعمال الأمريكي لدى الخرطوم براين شوكان وصل إلى مدينة بورتسودان للقاء الحكومة والمجتمع المدني وقادة المجتمع، والترحيب بالسفينة المذكورة.

واعتبرت السفارة في بيانها أن "هذه الزيارات تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، واستعداد الولايات المتحدة لتعزيز الشراكة مع السودان".

ولم تتأخر موسكو حيث أعلنت وكالة أنتر فاكس الروسية نقلاً عن بيان للأسطول الروسي وصول المدمرة "الأدميرال غريغورفتش" إلى نفس الميناء في اليوم التالي.

وذكر البيان أن "هذه أول سفينة حربية (روسية) تدخل ميناء بورتسودان"، وأنها " وصلت إلى ميناء سوداني تنوي روسيا إقامة قاعدة بحرية فيه".

والقاعدة المشار إليها تمثل درة التعاون العسكري الروسي السوداني، وتم نشر بنود الاتفاقية الخاصة بها في الجريدة الرسمية الروسية في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ونصت على نقاط من بينها استقبال سفن تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني، ولموسكو الحق في جلب في جلب الأسلحة التي تحتاج إليها من خلال المعابر السودانية.

الدب الروسي يحمي مكاسبه

استطاعت روسيا بناء علاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية السودانية إبان حقبة الإنقاذ (1989-2019)، مستغلة الأزمة العميقة بين الخرطوم والغرب عموماً وواشنطن خصوصاً، حيث أتاح ذلك لموسكو إيجاد موطئ قدم لها من جديد بعد انكماشها، إثر انهيار جدار برلين وتفتت الاتحاد السوفييتي، عن شرق إفريقيا الذي تمتعت فيه بحضور قوي في مراحل سابقة في إثيوبيا منغستو هيلي مريام وصومال سياد بري.

في حين كانت الخرطوم بحاجة إلى ظهير دولي في مواجهة العزلة الدولية المتصاعدة نتيجة اتهامها بدعم الإرهاب، كما كانت بحاجة إلى مورد للسلاح وهي تخوض حروبها في الجنوب ثم دارفور.

ولذا فرغم تأييد روسيا حظر الأمم المتحدة على صادرات الأسلحة إلى أطراف الحرب في دارفور عام 2005، فقد شحنت موسكو دبابات قتالية من طراز T-72 وقاذفات قنابل يدوية وأسلحة صغيرة إلى السودان في عام 2008، كما دعا الرئيس المخلوع عمر البشير في قمة جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إلى إنشاء موسكو قاعدة في السودان لحمايته ممّا وصفه بالعدوان الأمريكي.

وفي سياق ما بعد الثورة السودانية تأتي اتفاقية بناء القاعدة رغبة من موسكو في الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع المؤسسة العسكرية السودانية من جهة، وللحفاظ على الخرطوم كسوق للسلاح الروسي، وفق تحليل معهد ستوكهولم لأبحاث السلام لمبيعات السلاح الروسي إلى إفريقيا بين عامي 2015-2019 كان السودان ضمن الدول الخمس الأولى في إفريقيا شراءً للمعدات العسكرية من موسكو.

كما تمثل القاعدة إحدى تجليات الرغبة الروسية في توسيع نفوذها على المستوى الدولي إذ تضمن مدخلاً لتعزيز النفوذ الجيوسياسي لروسيا في حوض البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي، اللذين يشكلان أحد أهمم ممرات الشحن العالمي، بالإضافة إلى تعزيز وجودها قرب الأسواق الإفريقية الناشئة وبجوار القاعدة الصينية في جيبوتي والأمريكية في الخليج.

وتعد القاعدة امتداداً لنظيرتها الروسية في طرطوس السورية على البحر المتوسط، في إطار التمدد الروسي في المياه الدافئة ولا سيما عند النظر إلى طموحات موسكو في خلق وجود عسكري لها في ليبيا.

النسر الأمريكي يحلق فوق الخرطوم

وبعد إخراج السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم، تسعى الأولى لإحداث خرق في الجدار الروسي السوداني من خلال نشاط متعدد الأوجه، برز منه تحرك ملحوظ للقادة العسكريين الأمريكيين في السودان ورسو متكرر للسفن الحربية الأمريكية في ميناء بورتسودان السوداني.

وتحاول واشنطن بحضورها الجديد دعم الحكومة المدنية السودانية، وهو ما يتسق مع الخطوط العريضة للأجندة السياسية التي أعلن الرئيس جو بايدن تركيز إدارته عليها والمتعلقة بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما يعني دعم الانتقال الديمقراطي والحكم المدني في السياق السوداني.

وهو ما أشار إليه أندرو يونغ نائب قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) في بيان صحفي بعد زيارته الخرطوم أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، موضحاً الحاجة إلى تعزيز الرؤية الخاصة بجيش سوداني محترف يكون مسؤولاً أمام الحكومة السودانية التي يقودها المدنيون، كما شددت هايدي بيرغ مديرة المخابرات في أفريكوم على أهمية ضمان تجذر المؤسسات العسكرية والحكومية في الشفافية والمساءلة واحترام حقوق الإنسان.

دعم الديمقراطية.. مدخل لخريطة الطريق الأمريكية؟

يتمتع السودان بالعديد من المزايا الجيوستراتيجية التي تدرك القوى الدولية المختلفة أهميتها، وبجانب الموقع الذي تجلت حساسيته في الحديث عن الدوافع الروسية، تدرك واشنطن أهمية السودان في محاربة الإرهاب وتثبيت الاستقرار في الجارة ليبيا المضطربة، وفي تهريب البشر حيث يُعد السودان معبراً أساسياً للمهربين من القرن الإفريقي إلى أوروبا، وفي حوض وداي النيل الذي يشهد تصعيداً مستمراً في الآونة الأخيرة.

كما تعي واشنطن أن عقود العزلة مع الخرطوم أتاحت المجال للاعبين آخرين للتحرك بحرية في الملعب السوداني، فبجانب الروس استطاع الصينيون تكوين علاقات متميزة مع السلطة في الخرطوم حتى كانت الدولة الوحيدة غير المسلمة التي دُعيت إلى المشاركة في المؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في العام الذي سبق اندلاع الثورة السودانية 2017.

كما كان لبكين دور كبير في الجانب الاقتصادي في السودان، حيث كانت أكبر المستثمرين في اقتصاد في البلاد، واستطاعت من خلال ذلك كله تكوين شبكات مصالح تحمي نفوذها الجيوسياسي في بلاد النيلين.

في ظل هذا تسعى الولايات المتحدة إلى صياغة خريطة طريق تحيد نفوذ منافسيها الدوليين في السودان، وتضمن لها تحصيل أكبر قدر من المكاسب الاستراتيجية في بلاد النيلين، ويبدو أن مدخل هذه الخريطة سيكون "دعم الديمقراطية وانتقال السلطة إلى الحكم المدني" في الخرطوم، في مواجهة مؤسسة عسكرية وثيقة الروابط بالكرملين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً