أعلنت بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا استيراد الحبوب من أوكرانيا، معللة ذلك بسعيها للحماية محصولها وسوقها الداخلي من الاضطراب. وهو ما انتقدته بروكسل بشدة، معتبرة أن ذلك قرار أحادي "لا يمثل حلاً" لهذه المسألة الاقتصادية. هذا في وقت يتزايد فيه غضب مزارعي تلك البلدان، إضافة إلى رومانيا وبلغاريا، من الأضرار الاقتصادية لتلك الواردات.
ونجح اتفاق تصدير الحبوب، الذي أُجري بوساطة تركية ورعاية أممية، في تحرير صادرات الحبوب الأوكرانية نحو العالم، مساهماً في إنقاذ عدد من الدول من أزمات غذائية كبيرة. ومع ذلك شهدت صادرات الحبوب الأوكرانية، خلال عام من الحرب، انخفاضاً قارب 30% مقارنة بالسنوات الماضية.
بدأت من بولندا
وكانت بولندا أول من أعلن قرار حظر استيراد الحبوب من أوكرانيا. وبالرغم من الدور الكبير الذي لعبته وارسو في دعم المجهود الحربي الأوكراني، إذ كانت بمثابة مركز عبور رئيسي للأسلحة الغربية نحو الشرق، لكن شحنات الحبوب في الاتجاه الآخر أثارت غضب المزارعين البولنديين، الذين اشتكوا من إمكانية تعرضهم لخسائر كبيرة جراءها.
هذه الشكوى التي كانت الموضوع الرئيسي لاجتماع بين وزيري الزراعة البولندي والأوكراني، كان مقرراً إجراؤه يوم الجمعة قبل تأجيله. ولم ينتظر الجانب البولندي إلى حين إعادة برمجة الاجتماع، بل عقدت الحكومة البولندية يوم السبت اجتماعاً طارئاً، قررت فيه حظر استيرادها المنتجات الزراعية من أوكرانيا بشكل مؤقت.
وفق تقرير لـ "بلومبيرغ"، يقبع هاجس انتخابي كبير وراء قرار الحكومة البولندية، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة بالبلاد، المزمع إجراؤها في الخريف القادم. ذلك إذ يشكل المزارعون دائرة انتخابية مهمة لحزب القانون والعدالة الحاكم، والذي يمني النفس بالحكم لولاية ثالثة.
هذا وفي وقت سابق، مطلع أبريل/نيسان الجاري، دفع غضب المزارعين من واردات الحبوب الأوكرانية وزير الزراعة البولندي هنريك كووالتشيك، إلى التنحي من منصبه.
المجر وسلوفاكيا
لاحقاً يوم السبت، انضمت المجر إلى بولندا في حظر مؤقت لاستيراد الحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية من أوكرانيا، يستمر حتى 30 يونيو/حزيران القادم. وكتب وزير الزراعة المجري استفان ناغي، على صفحته بفيسبوك: "أمرنا بفرض حظر مؤقت على استيراد أهم الحبوب من أوكرانيا ، وكذلك تلك المنتجات الزراعية".
وأضاف ناغي أن بلاده كانت تنتظر تدخل الاتحاد الأوروبي لفرض تسعيرة على المنتجات الزراعية الأوكرانية، لكن "عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي لهذه الخطوات، عرّض المزارعين المجريين إلى اضطرابات السوق التي لا يمكنهم حماية أنفسهم منها". موضحاً أنه: "لا يزال يُسمح لشحنات الترانزيت (بالعبور من بلاده)، ولكن السلطات المختصة على الحدود تراقبها".
والاثنين، أعلنت سلوفاكيا انضمامها هي الأخرى إلى قرار الحظر. جاء ذلك وفق ما صرح به وزير الزراعة السلوفاكي صمويل فلكان للصحفيين: "اليوم، وافقت الحكومة على اقتراح بحظر استيراد منتجات زراعية ومواد غذائية مختارة من أوكرانيا". وأضاف الوزير أن الحظر، الذي يدخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء، يهدف إلى "حماية قطاع الزراعة المحلي وكذلك صحة المستهلك".
انتقادات أوروبية واسعة
أثار هذا القرار الذي اتخذته كل من بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا، غضب بروكسل، ولقي انتقادات واسعة من باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي. وقال المسؤول التنفيذي بالاتحاد، يوم الأحد، إن اتخاذ الدول الأعضاء إجراءات أحادية الجانب بخصوص حرية التجارة "غير مقبول".
وانتقد متحدث باسم المفوضية الأوروبية، بيان، قرار الحظر. وقال: "في مثل هذه الأوقات الصعبة، من الضروري تنسيق ومواءمة جميع القرارات داخل الاتحاد الأوروبي (...) في هذا السياق، من المهم التأكيد على أن السياسة التجارية هي من اختصاص الاتحاد الأوروبي الحصري، وبالتالي، فإن الإجراءات الأحادية غير مقبولة".
ومن جانبها، أعربت وزارة الزراعة الأوكرانية أسفها لقرار الحظر الذي سنته الدول الأوروبية. وقالت الوزارة في بيان إن "وزارة الزراعة من جانبها كانت دائماً متعاطفة مع الوضع في القطاع الزراعي البولندي واستجابت بسرعة للتحديات المختلفة". مضيفة أن: "في الوقت الحالي، لن تؤدي الإجراءات الصارمة أحادية الجاب إلى تسريع الحل الإيجابي للوضع".
ومنذ اندلاع الحرب تعاني أوكرانيا في تصدير حبوبها إلى الخارج، قبل أن ينجح اتفاق إسطنبول في فك الخناق الذي كان مفروضاً على هذه الصادرات في البحر الأسود. ومع ذلك، لا تزال دول أوروبا الشرقية ممراً مهما للمنتجات الزراعية الأوكرانية، إذ يمر عبها نحو 10% من هذه المنتجات، وفق تقديرات وزير زراعة كييف ميكولا سولسكي.
وطوال سنة الحرب التي عاشتها البلاد، انخفضت الصادرات الأوكرانية بنسبة 29.6%، وفق بيانات أخيرة لوزارة الزراعة الأوكرانية. وقالت الوزارة أنها صدرت نحو 23.6 مليون طن من الحبوب حتى الآن في موسم 2022/23، مقابل 33.5 مليون طن صُدرت في نفس المرحلة من الموسم السابق، أي بانخفاض 10.1 مليون طن.
ويعود هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى انخفاض المحاصيل، بسبب خسارة الأراضي للقوات الروسية وضياع المحاصيل. وتتوقع الحكومة الأوكرانية حصاد نحو 51 مليون طن من الحبوب هذا العام، مقارنة بـ86 مليون طن في 2021.