صورة أرشيفية لقصف النظام السوري على بلدة خان شيخون في إدلب (AA)
تابعنا

في ظل توتر الأجواء في الشمال السوري، وسعي النظام مدعوماً بروسيا ومليشيات إيرانية إلى فرض السيطرة على محافظة إدلب وأريافها، التي تندرج في إطار اتفاقية سوتشي، وتهديد حياة المدنيين وتعريض نحو 4 ملايين شخص لخطر النزوح، واستهداف الجنود الأتراك، تسعى تركيا لحل الأزمة هناك دبلوماسياً، لكنها في الوقت ذاته أمهلت النظام السوري إلى ما قبل نهاية شهر فبراير/شباط الجاري للانسحاب إلى حدود الاتفاقيات.

وعلى الرغم من المساعي الدبلوماسية التي بُذلت خلال الفترة الماضية، فإن النظام السوري مستمرّ في شنّ غارات على مناطق مختلفة في محافظة إدلب، وكذلك استهداف الجنود الأتراك هناك، وهو ما استدعى ردّاً تركيّاً، إذ أعلنت تركيا استهدافها مواقع للنظام خلال الأيام الماضية مما أدَّى إلى تحييد عشرات من جنوده، فيما باشر الجيش التركي بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى المناطق الحدودية، وتعزيزات نقاط المراقبة في إدلب وإمدادها بالعدة والعتاد.

وتقع تركيا في منطقة جغرافية مضطربة ومليئة بالصراعات المتعددة، وتنعكس حالة عدم الاستقرار في سوريا والعراق ومنطقة البلقان وشرق المتوسط عليها بشكل مباشر، بخاصة القضية السورية، فتركيا كانت أبز الدول المتضررة جراء الوضع الذي تعيشه جارتها سوريا منذ 2011.

مساعٍ لحلّ دبلوماسي

ويسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحل الأزمة في إدلب من خلال فتح قنوات اتصال مع الجهات المؤثرة في العالَم، إذ بحث مع نظيره الأمريكي دونالد ترمب هاتفيّاً السبت، الأزمة في محافظة إدلب، وشدّد على أن هجمات النظام السوري "غير مقبولة"، كما بحث زعيما البلدين إنهاء الأزمة الإنسانية التي تشهدها المحافظة في أسرع وقت ممكن، حسب بيان صادر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية.

كما سبق وبحث الرئيس التركي الوضع في إدلب مع نظيره الروسي في اتصال هاتفي قبل أيام، وقال في تصريح للصحفيين عقب اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان في العاصمة أنقرة: "بحثنا تطورات الأوضاع في إدلب مع بوتين، وتطرقنا على وجه الخصوص إلى الأضرار التي ألحقها النظام السوري وحتى روسيا بقواتنا".

وأضاف أنه اتفق مع بوتين على إجراء لقاءات بين مسؤولي وزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات في كلا البلدين في أقرب وقت في العاصمة موسكو.

من جانبه أكّد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أن وفداً تركيّاً سيزور موسكو الاثنين القادم لبحث التطورات الخاصة بملف إدلب.

وطالبت تركيا روسيا بصفتها دولة ضامنة للاتفاقيات الموقعة حول مناطق خفض التصعيد في سوريا مراراً بالعمل وَفْقاً لمسؤولياتها من أجل وقف انتهاكات النظام السوري، وعقدت خلال الأسبوع الماضي جلستي مباحثات بين وفدين من تركيا وروسيا في أنقرة حول الموضوع.

وأشار جاوش أوغلو إلى أن تركيا "تتطلع إلى ممارسة حلفائها أقصى قدر ممكن من الضغط على النظام السوري وداعميه لوقف عدوانهم على إدلب".

وكان جاوش أوغلو أجرى لقاءً وصفه بـ"المفيد" مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، حول إدلب السورية، على هامش مشاركتهما في مؤتمر ميونخ للأمن في نسخته السادسة والخمسين.

وأوضح في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر أنه "ستجتمع وفودنا في موسكو الإثنين، واتفقنا على إعادة تقييم الوضع بعد هذا الاجتماع".

مهلة للنظام

في ذات الوقت أمهلت تركيا النظام السوري إلى ما قبل نهاية شهر فبراير/شباط الجاري للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية الموجودة في مناطق خفض التصعيد حسب الاتفاقيات.

واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المشكلة في إدلب لن تُحَلّ إلا بانسحاب قوات النظام السوري حتى حدود اتفاقية سوتشي ووقف عدوانه، مهدّداً بإجباره على فعل ذلك عند انتهاء المهلة.

وقال في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فاعلية نظّمها حزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة إسطنبول: "ما لم تُحَلّ المشكلة في إدلب فلن يتمكن السوريون في بلدنا أو النازحون نحو حدودنا من العودة إلى ديارهم، وسنكون سعداء إذا تَمكَّنَّا من حل الأمر في إدلب بدعم أصدقائنا، لكننا مستعدون لتحقيق المهمة بالطريقة الصعبة إذا اضطُررنا".

واستطرد: "الحل في إدلب يكمن في وقف عدوان النظام وانسحابه إلى حدود الاتفاقيات وإلا فسندفعه إلى ذلك قبل نهاية فبراير/شباط".

نود أن ننجز وقف إطلاق النار من خلال الدبلوماسية ومحادثاتنا مع روسيا، وإلا فإننا سنتخذ الإجراءات اللازمة كما أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان

وزير الخارجية التركي -مولود جاوش أوغلو

من جانبه قال رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إن تركيا عاقدة العزم بنهاية فبراير/شباط الجاري، على إخراج النظام السوري بموجب اتفاق سوتشي، إلى خارج حدود نقاط المراقبة في إدلب، ومن أجل تحقيق ذلك سنعبّئ قواتنا العسكرية الجوية والبرية".

وأضاف ألطون في تغريدة على تويتر، أن "نظام الأسد يستهدف المدنيين ويرتكب انتهاكات في المنطقة"، مستنكراً صمت من سماهم "المتشدقين بحقوق الإنسان وأمن المدنيين" حيال ما يحدث في إدلب.

وشدّد على أن "تركيا تعاملت بصبر، ملتزمة الاتفاقيات التي توصلت إليها مع الجهات الضامنة، في الوقت الذي يجري فيه تجاهل اتفاقية منطقة خفض التصعيد واستهداف النظام الجنود الأتراك".

وأضاف: "لن نتسامح مع أي اعتداء، وكما أوضح رئيسنا السيد رجب طيب أردوغان، سوف نرد بقوة وحزم ضد أي من مضايقات النظام لقواتنا".

تركيا عاقدة العزم بنهاية فبراير/شباط الجاري، على إخراج النظام السوري بموجب اتفاق سوتشي، إلى خارج حدود نقاط المراقبة في إدلب

رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية- فخر الدين ألطون

يشير الكاتب والباحث السياسي سامر العاني في حديث لـTRT عربي، إلى أن "المهلة التي منحها الرئيس التركي لانسحاب النظام تعني أن الأمور في تصاعد".

ويضيف: "الوفد الروسي الذي سيزور تركيا يوم الاثنين يبدو أنه يعي تماماً أن روسيا لن تقدم تنازلات، لأنها تريد التفاوض على أساس الوضع الراهن، لذلك أعتقد أن مدة المهلة التركية للنظام السوري قد تكون أقرب، ربما نحن على أعتاب ضربة قاصمة للنظام لن تكون سهلة عليه، لذلك نرى الروس يكثرون من التصريحات في الآونة الأخيرة في مسعى لتخفيف حدة الضربة التركية".

وقال إن "الحل السياسي كان الخيار دائماً عندما كان النظام السوري ينتهك الاتفاقيات، ولكن تجاوزاته الآن لم تعُد في حدود المسموح به، وأعتقد أنه لن يقبل بالتراجع بسهولة، لكنه ربما سيخرج بالقوة".

ويرى الكاتب أن التعزيزات التركية إلى نقاط المراقبة في إدلب ربما هي تهيئة "لأمر ما"، "فالنظام لن ينسحب من المناطق التي تَقدَّم إليها ويريد الحفاظ عليها، وكذلك الروس لا يريدون الضغط عليه من أجل التراجع، بل يسعون للضغط على تركيا لقبول الوضع الراهن، لذلك أرجّح أن توجّه تركيا ضربة للنظام، وقد تكون قاسية".

بدوره يقول أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة، إن "قدرة تركيا وروسيا على احتواء الأزمة من خلال مباحثات الوفدَين التركي والروسي المقررة الاثنين، مرتبطة بمدى استعداد موسكو للتعامل مع المطالب التركية والانفتاح عليها وتغيير سياسة تعاملها مع النظام السوري، وملف إدلب تحديداً، وهذا ليس سهلاً".

ويضيف لـTRT عربي: "الوفد التركي سيتوجه إلى موسكو لبحث الأوضاع في إدلب، ولكن المواقف الآتية من موسكو ما زالت على حالها، لم نرَ استعداداً روسيا لتغيير المواقف".

ويشير إلى أن تركيا وجّهت إنذاراً إلى النظام السوري، ويضيف: "لكن هذا لا يعني أن تركيا ستبدأ بعملياتها العسكرية مع نهاية الشهر الجاري، فقد بدأت تعزيز قواتها العسكرية فعلاً، والمهم لأنقرة هو إخراج مجموعات النظام من المناطق التي دخلتها خلال الأسابيع الأخيرة، وهي تريد أن تتغير الأمور على الأرض قبل نهاية الشهر".

استمرار القتل والنزوح

وفي آخر التطورات الميدانية قالت مراسلة TRT عربي في المناطق الحدودية التركية-السورية دلال القاسم، إن الاشتباكات تواصلت صباح الأحد بين قوات المعارضة وقوات النظام السوري في عدة محاورة بريفَي إدلب وحلب، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن قوات النظام استهدفت مخيماً للنازحين بالقرب من بلدة سرمدا في ريف إدلب مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.

وأشارت المراسلة إلى أن النظام السوري بدعم من الطيران الروسي يواصل انتهاكاته ضد المدنيين في ريف إدلب، في حين أكّدَت نقلاً عن مصادر أن المعارضة نجحت في تدمير عربة عسكرية للنظام وكذلك راجمة صواريخ.

وأوضحت القاسم أن تعزيزات عسكرية تركية وصلت مساء أمس إلى نقاط المراقبة التركية التي تحاول قوات النظام محاصرتها واستهدافها من حين إلى آخر.

ونوهت بأن حركة نزوح المدنيين السوريين من القرى والبلدات التي تستهدفها قوات النظام متواصلة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً