اختتمت النسخة الثالثة لأعمال المنتدى الفكري الذي تنظّمه القناة التركية الرسمية الناطقة بالإنجليزية TRT WORLD، بمشاركة شخصيات تركية وعالمية بارزة على رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد نهاية أعمال اليوم الثاني تحت شعار "أزمة العولمة: الفرص والمخاطر"، بجلسات كان أبرزها حضور آخر رئيس وزراء للجمهورية التركية بن علي يلدريم، وزعيم حركة النهضة التونسية الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات التونسية الأخيرة راشد الغنوشي.
وعلى صعيد ما ناقشه اليوم الثاني من المنتدى، استمرت جلساته المعلن عنها في جدول الأعمال بحضور سياسيين ورجال أعمال وناشطين وصحفيين وشخصيات بارزة محلية وعالمية.
تهديد التطرف اليميني
شهدت الجلسة الأولى لليوم الثاني نقاشاً حول اتخاذ العالم تدابير أحادية الوجه حول ما يُعرف بمكافحة الإرهاب، وهي تدابير تركز على المسلمين حصراً، وقد تجاهلَت تدابير الدول الغربية الأعمال العدائية والآيديولوجية المتطرفة من أقصى اليمين.
وقال شفيق دافروفيتش عضو المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك خلال الجلسة: "مع العولمة والهجرة أصبحت المجتمعات المعاصرة متعددة الثقافات بشكل متزايد. إن الجميع بحاجة إلى تَعلُّم كيفية إدارة الاختلافات".
من جانب آخر أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة مرمرة، التركيز على العنف والإرهاب بدوافع دينية، ووجود قليل من الأبحاث حول التطرف اليميني والنشاط الإرهابي الأبيض، قائلاً: "نحن بحاجة إلى فهم جديد وتعريف للإرهاب".
من جانبه أكّد شادي حميد، زميل باحث بمركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز، أنه "لم يعُد لدينا إجماع في الديمقراطيات الغربية، وليس من الممكن خلق إجماع"، مشيراً إلى أن "علينا أن نتعايش معاً رغم الاختلافات الكبيرة، والسؤال هو: كيف نعيش مع هذه الاختلافات؟".
وواصلت الجلسة النقاش حول الخطوات التي يمكن اتخاذها للتصدي لخطر التطرف اليميني والإرهاب، وكيف أثرت الروايات الإعلامية المتعلقة بالإسلام والإرهاب على الرأي العامّ.
الشرق الأوسط عند مفترق طرق
وفي جلسة نقاشية أخرى حول مستقبل المنطقة، ألقى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي خطاباً افتُتحت به الجلسة، قال فيه: "إن ثورة الربيع العربي التي بدأت من تونس تحمل سلسلة قيم حاولت العولمة التخلص منها، بما في ذلك كرامة وحرية الناس في تحديد مستقبلهم". وأضاف الغنوشي: "اليوم في العالم العربي، لدينا طموحات من الشباب، يطلبون جميعاً نفس الشيء، الحصول على حريتهم وكرامتهم. إنهم يريدون القضاء على هذه الطبقة السياسية الفاسدة".
وناقش الغنوشي في جلسة الأحداث والصراعات السياسية المختلفة خلال السنوات القليلة الماضية التي أبرزت الطبيعة الديناميكية للجغرافيا السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط بمشاركة مصطفى أبو شاقور نائب رئيس وزراء ليبيا السابق، ورئيسة المجلس الثوري المصري مها عزام، ورسول سردار أتاش مدير قناة TRT العربية.
اغتيال جمال خاشقجي: انعكاس للسياسة الإقليمية؟
وفي الجلسة النقاشية الثالثة شارك كل من المرشح الرئاسي المصري السابق أيمن نور، والمعارض السعودي يحيى عسيري، وتوكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بجانب خديجة جنكيز خطيبة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، ومدير تحرير موقع "ميدل إيست آي" ديفيد هيرست. وناقش ضيوف الجلسة مسألة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مؤكّدين أن الأمر ليس فقط يوماً مظلماً في تاريخ الصحافة، ولكنه أيضاً إحدى أكثر القضايا المشحونة سياسياً التي حدثت في السنوات الأخيرة، بعدما أثار اغتيال الصحفي البارز داخل القنصلية السعودية في إسطنبول غضباً دوليّاً ما زالت له تداعيات استراتيجية وسياسية وقانونية في المنطقة.
بن علي يلدريم يناقش الحروب التجارية
وفي جلسة مخصصة له ناقش بن علي يلدريم، آخر رئيس وزراء للجمهورية التركية، مسألة الحروب التجارية ومخاطرها. وقال يلدريم في حديثه للجمهور في المنتدى الفكري، إن "القيود التجارية المفروضة على النقل والجمارك والضرائب الإضافية لا تزيد رفاهية البلدان، بل تؤدِّي إلى انخفاض التجارة العالمية".
وأضاف يلدريم خلال حديثه، أن "العالم أجمع سيرى أن عمليات ضرب العملة والعقوبات والحصار والضرائب الجمركية التي بدأت في سياق الحروب التجارية لن تعود بالنفع على أي أحد على المدى الطويل".
مؤكّداً أن مثل هذه التدابير تكلّف ثمناً باهظاً لأنها تبدأ دورة من الانتقام يمكن أن تتسبب في اضطراب الأسواق المالية والاقتصادات.
أوروبا وأزمة اللاجئين
انتقل حضور اليوم الثاني إلى جلسة نقاشية مع فرانشيسكو روكا رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، حول أزمة الهجرة وإدارتها في أوروبا. وقال روكا: "بدلاً من العمل مع تركيا حول كيفية التوزيع الأفضل [للاجئين]، لم يفكر [الاتحاد الأوروبي] إلا في إبعادهم عن حدوده. لقد تُركت دولة واحدة (تركيا) تتحمل عبء 4 ملايين لاجئ". وأضاف روكا: "نحتاج إلى إعادة اكتشاف معنى الكرامة الإنسانية للجميع. نحن نفتقد ذلك ونفقد الإنجازات التي تحققت في القطاع الإنساني على مر السنين".
الجلسة الختامية: نقاش حول أزمات الاتحاد الأوروبي
اختتم اليوم الثاني من المنتدى أعماله بجلسة نقاشية حول مواجهة الاتحاد الأوروبي تحديات وجودية تعرضه لأخطار مباشرة بسبب تزايد الشعوبية، وأجمع الخبراء المناقشون في الجلسة على أن ظاهرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تكون مؤشراً على مزيد من الأخطار المحدقة بالاتحاد في الفترة المقبلة.
شهدت الجلسة حضور الرئيس الكرواتي السابق إيفو جوزيبوفيتش، الذي أكّد خلال مداخلته في الجلسة أن "الاتحاد الأوروبي هو نسخة متقدمة من أوروبا. لا فرق بين الاثنين. أولاً وقبل كل شيء، كان مشروع سلام، لكن لسوء الحظ نُسيَ هذا اليوم".
ومن جانبه أكد إسكو أهو رئيس وزراء فنلندا السابق، أن "الاتحاد الأوروبي لديه ميل إلى الوعود أكثر من اللازم لمواطنيه"، مضيفاً: "نحن نقول إننا مثاليون تقريباً. في الحقيقة لا، الديمقراطية واقتصاد السوق قد فشلا".
وتَطرَّق الحضور إلى التحديات التي واجهها الاتحاد الأوروبي، بخاصة في ما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد، والشعبوية، وناقشوا مستقبل الاتحاد في ضوء هذه التطورات.
