تردّد دوي قصف متقطع في العاصمة السودانية الخرطوم مساء الجمعة رغم الهدنة التي أعلن عنها الجانبان المتحاربان، في حين قالت قوات الدعم السريع التي تخوض قتالاً ضد الجيش السوداني إنها مستعدة للسماح بإعادة فتح المطارات لإجلاء الرعايا الأجانب.
وقالت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وسويسرا وكوريا الجنوبية والسويد وإسبانيا إنها تجري استعدادات أو محاولات لإبعاد موظفيها بعد نحو أسبوع من العنف.
وقال شهود عيان إن القصف المدفعي استمر حتى ساعة متأخرة في الخرطوم وإن كان أقل حدة مما كان عليه في وقت سابق اليوم.
وقال جيش السودان وقوات الدعم السريع في بيانين منفصلين إنهما وافقا على هدنة لمدة ثلاثة أيام كي يستطيع شعب السودان الاحتفال بعيد الفطر.
وجاء في بيان الجيش: "تأمل القوات المسلحة أن يلتزم المتمردون كل متطلبات الهدنة ووقف أي تحركات عسكرية من شأنها عرقلتها".
وحثّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المقاتلين على التزام الهدنة قائلاً إن القيادة العسكرية والمدنية في السودان يتعين أن تبدأ على وجه السرعة في مفاوضات بشأن وقف إطلاق نار قادر على الصمود لمنع مزيد من الأضرار.
وقال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي في وقت مبكر السبت إنه تلقى مكالمة هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. وأضاف حميدتي في منشور على حسابه على فيسبوك: "أكدنا ضرورة التزام الوقف الكامل لإطلاق النار وتوفير الحماية للعاملين في الحقل الإنساني والطبي لا سيما موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية".
وقالت قوات الدعم السريع في وقت متأخر الجمعة إنها مستعدة لفتح جميع مطارات السودان بشكل جزئي حتى تتمكن الحكومات الأجنبية من إجلاء رعاياها.
وأضافت في بيان أنها "ستتعاون وتنسق وتوفر جميع التسهيلات التي تمكن المغتربين والبعثات من مغادرة البلاد بسلام".
ولم يتضح إلى أي مدى تسيطر قوات الدعم السريع على المطارات في السودان. وتضرر مطار الخرطوم جراء القتال بين الجانبين وشوهدت طائرات تحترق على مدرج المطار كما وقفت شركات طيران تجارية رحلاتها قبل عدة أيام.
وتبادل جنود الجيش ومسلحون من قوات الدعم السريع إطلاق النار في أحياء من العاصمة حتى في أثناء صلاة العيد. واستمر دوي إطلاق النيران طوال أمس ولم يقطعه إلا ضجيج صوت المدفعية والضربات الجوية.
وأظهرت لقطات بطائرات مسيّرة بضعة أعمدة دخان في أنحاء الخرطوم والمدن القريبة الأخرى التي تمثل معاً واحدة من أكبر المناطق الحضرية في إفريقيا.
وأودت المواجهات بحياة المئات في العاصمة وفي غرب السودان وتدفع ثالث أكبر دولة في قارة إفريقيا إلى كارثة إنسانية في بلد يعتمد ربع سكانه بالفعل على المساعدات الغذائية.
وقالت منظمة الصحة العالمية أمس الجمعة إن 413 شخصاً لقوا حتفهم وأصيب 3551 منذ اندلاع القتال في السودان قبل ستة أيام. ومن بين القتلى خمسة على الأقل من موظفي الإغاثة.
تعطل الإجلاء
ولم تتمكن دول أجنبية من بينها الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسبانيا من إجلاء موظفي سفاراتها لأن المطار أصبح من بين ساحات القتال ولانعدام الأمن الجوي.
وفي واشنطن، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن مواطناً أمريكياً قُتل في السودان، من دون الاستطراد في تفاصيل.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، إن المواطنين الأمريكيين في السودان يجب ألا يتوقعوا إجلاء منسقاً من جانب الحكومة الأمريكية.
وأضاف أنه يجب على المواطنين هناك اتخاذ ترتيباتهم الخاصة للبقاء في أمان.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إنه لم يجرِ اتخاذ أي قرار بعد بإجلاء موظفي السفارة الأمريكية جواً، لكن قوات أمريكية تتمركز بالقرب من السودان لتقديم المساعدة إذا لزم الأمر.
وقالت رويترز الخميس إن الولايات المتحدة ترسل أعداداً كبيرة من القوات الإضافية إلى قاعدتها في جيبوتي في حال صدور الأمر بالإجلاء من السودان في نهاية المطاف.
وأضاف أوستن في مؤتمر صحفي في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا: "نشرنا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طُلب منا التحرك. ولم تجرِ مطالبتنا بفعل أي شيء بعد... لم يُتخذ قرار بشأن أي شيء".
الآلية الثلاثية ترحب بالهدنة
في السياق رحّبت "الآلية الثلاثية" بشأن السودان، مساء الجمعة أول أيام عيد الفطر، بإعلان الجيش وقوات "الدعم السريع" موافقتهما على "هدنة إنسانية" لمدة ثلاثة أيام تبدأ اليوم، فيما دعت قوى مدنية الأطراف للتوصل إلى "حل سياسي تفاوضي" يقود إلى "اتفاق" يجنب البلاد "انهياراً شاملاً".
جاء ذلك في بيانين أحدهما لـ"الآلية الثلاثية"، وتتألف من الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية "إيغاد"، والأمم المتحدة، والآخر للقوى المدنية التي وقَّعت مع العسكريين، في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي "الاتفاق الإطاري" ضمن عملية سياسية توقفت مؤخراً جراء خلافات بين الجيش و"الدعم السريع".
وقالت "الآلية الثلاثية" إن "اتفاق وقف إطلاق النار سيسمح للمدنيين بالحصول على المساعدات الضرورية مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية"، مشددة على "أهمية التوصل إلى وقف طويل الأمد للأعمال العدائية من أجل جميع السودانيين ومستقبلهم".
كما قالت القوى المدنية: "نرحب بإعلان الجيش و’الدعم السريع’ موافقتهما على وقف عدائيات إنساني، نتيجة لتواصل مكثف جرى خلال الأيام الماضية بواسطة أطراف دولية عززت المبادرات المحلية بقبول الطرفين للهدنة".
وطالبت طرفَي القتال بـ"التزامها (الهدنة) ومعالجة القضايا الإنسانية التي نتجت عن مأساة الحرب منذ اندلاعها" بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ولتجنيب السودان "شبح الانهيار الشامل"، دعت القوى المدنية "الأطراف العسكرية والمدنية لتطوير اتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار وحل سياسي تفاوضي يعالج قضايا البلاد الرئيسية".
نفاد الطعام والمياه
على الصعيد الإنساني أدت الاشتباكات إلى تفاقم صعوبة مغادرة السكان لمنازلهم والانضمام إلى حشود المغادرين من الخرطوم.
وأظهر مقطع مصور نشره الجيش أمس الجمعة استقبالاً ترحيبياً لجنود من الجيش يحملون بنادق نصف آلية.
وقال شهود عيان إن القتال امتد إلى شارع مدني وهو الطريق السريع الرئيسي الممتد من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة والذي يستخدمه الفارون في الوقت الذي تنسحب فيه قوات الدعم السريع فيما يبدو نحو القرى الواقعة على أطراف الخرطوم.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "عدداً متزايداً من الناس ينفد منهم الغذاء والمياه والكهرباء، من بينهم أشخاص في الخرطوم".
ومنذ 15 أبريل/نيسان يشهد السودان اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كليهما هجوماً على مقارّ تابعة للآخر، بالإضافة إلى ادّعاءات بالسيطرة على مواقع تخصّ كلاً منهما.
وتشكّلت "الدعم السريع" عام 2013 لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضدّ الحركات المتمردة بإقليم دارفور، ثم تولّت مهامّ منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.