الرئيس الرئيس التونسي قيس سعيّد يعتبر نفسه قائداً للقوات المسلحة والأمنية (AP)
تابعنا

في الوقت الذي تعاني فيه تونس أزمتين اقتصادية واجتماعية فاقمتهما جائحة كورونا، إذ شهد الاقتصاد تراجعاً حاداً خلال العام الحالي، فيما تشهد عدة مناطق احتجاجات مختلفة تتضمن مطالب فئوية، جاءت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد حول قيادة القوات الأمنية لتثير غضباً واسعاً في الأوساط السياسية.

وقال سعيد خلال الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي إن "رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية"، وأضاف: "فليكن هذا الأمر واضحاً لكل التونسيين في أي موقع كائن. لا أميل إلى احتكار هذه القوات، لكن وجب احترام الدستور".

وبالتوازي مع هذه التصريحات، يُتهم سعيد بعرقلة تشكيل المحكمة الدستورية، وأنه "يسعى لتعطيل دواليب الدولة وتفكيكها"، إلا أن هذه التصريحات جاءت وفق المادة 77 من الدستور الجديد المعتمَد في 2014، التي تنص على أن الرئيس هو "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، بلا أي توضيح آخر، فيما يشرف رئيس الحكومة على وزارة الداخلية وجميع القوات الأمنية المنضوية تحت لوائها.‎

أصل الخلاف

وتكشف تصريحات سعيد اللثام عن خلاف مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان بشأن الصلاحيات، فسعيّد أستاذ قانون دستوري من خارج المنظومة السياسية فاز بانتخابات 2019، وهو في صراع مع رئيس الحكومة المدعوم من رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة.

وبدأ الخلاف بين الرجلين بعد أن أقال رئيس الحكومة المشيشي وزراء مقربين من سعيّد من بينهم وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين هذا العام، ولكن سعيّد رفض قبول أداء اليمين للوزراء المقترحين. ومنذ ذلك الوقت يشغل رئيس الوزراء منصب وزير الداخلية بالنيابة.

وفي تعليق حول خطاب سعيّد قال مشيشي: "لا داعي للقراءات الفردية والشاذة"، مضيفاً: "إنها خارج السياق".

وفشلت حتى الآن تونس في تعيين محكمة دستورية من شأنها أن تفصل في النزاعات الدستورية بين اللاعبين الرئيسين في البلاد، في الوقت الذي تُعتبر فيه المحكمة الدستورية حجر الزاوية للنظام الدستوري لعام 2014، وقاد هذا الأمر البلاد إلى "انسداد سياسي" أخَّر تشكيل المحكمة وأظهر عمق الأزمة.

ويقدم سعيّد نفسه على أنه، بصفته الرئيس، يجب أن يكون المسؤول الأول والوحيد عن تفسير القانون الأساسي للدستور في البلاد. في مقابل ذلك، شرع حزب النهضة في الفترة الأخيرة في إعادة النقاش في البرلمان حول قانون المحكمة الدستورية من أجل تجاوز الخلافات والحسابات السياسية التي أخَّرَت إنشاءها منذ سبعة أعوام.

وهذه ليست هذه المرة الأولى التي يرفض فيها سعيّد قانوناً أو قراراً يتخذه البرلمان ويصدّق عليه، مما يؤثر ويعوق عمل الهيئات والمؤسسات في البلاد، لكن الأزمة الحالية بين سعيّد والمشيشي الذي يدعمه البرلمان، غير مسبوقة لأنها طالت في الزمن، ومن شأن هذا الصراع أن يؤول إلى أوضاع لم يحسم فيها القانون، ولا محكمة دستورية لتتخذ القرار النهائي في ظلّ غياب الحوار بين الأطراف المتنازعة.

النزعة التسلطية

ومع أن حركة النهضة التونسية دعمت قيس سعيد خلال الانتخابات الرئاسية التونسية في 2019 فإنها على خلاف معه منذ أشهر طويلة، وظهر هذا الخلاف جلياً ضد تصريحاته الأخيرة، إذ اعتبرت في بيان لها أن إعلان الرئيس سعيد نفسه قائداً أعلى للقوات الأمنية "دوساً على الدستور وقوانين البلاد".

وشدّدَت الحركة على أن "إقحام المؤسسة الأمنية في الصراعات يمثّل تهديداً للديمقراطية والسلم الأهلي ومكاسب الثورة".

ومنذ أشهر تتواصل أزمة سياسية حادة بين سعيد والمشيشي، الذي يتولى وزارة الداخلية بالنيابة، بعد أن أعفى الوزير السابق توفيق شرف الدين، في 5 يناير/كانون الثاني الماضي.

وعبّرت الحركة وفق البيان، عن "استغرابها لعودة رئيس الدولة إلى خرق الدستور واعتبار وثيقة ملغاة مصدراً لتبرير نزوعه نحو الحكم الفردي".

ودعت سعيد إلى "الالتزام الجاد بالدستور الذي انتُخب على أساسه، وأن يتوقّف عن كل مسعى لتعطيل دواليب الدولة وتفكيكها".

وجدّدَت النهضة تأكيد أن "أولويات الشعب التونسي هي مقاومة جائحة كورونا التي يذهب ضحيتها عشرات التونسيين يومياً والتصدّي لآثارها الخطيرة، مع تركيز الاهتمام على مشاغل المواطنين الحقيقية وعلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي الحرج".

هل يستمدّ سعيّد صلاحياته من الدستور؟

ويرى الكاتب والباحث السياسي زياد الهاني في حديث لـTRT عربي، أن الرسالة التي أراد الرئيس التونسي إيصالها من تصريحاته أبعد من مسألة خلاف شخصي بينه وبين رئيس الحكومة، مشيراً إلى أنها محاولة من رئيس الجمهورية لاستغلال الوضع المربك في تونس، كي يمدّد صلاحياته على حساب الدستور.

وحول قانونية تحرُّك الرئيس التونسي، قال الهاني إن الدستور التونسي في نسخته الأخيرة وزّع السلطات بالتوازن بين رأسي السلطة التنفيذية لمنع تغوُّل أي منهما على النظام السياسي ككل.

وأضاف: “اختصّ رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة في ما يتعلق بالتعيينات العسكرية، لكن لم يعطِه صلاحيات في ما يتعلق بقوات الأمن الداخلي".

وتابع: "رئيس الجمهورية يحاول اليوم أن يستغلّ الوضع الحالي كي يسند إلى نفسه صلاحية التعيين في الوظائف العليا، وليس فقط في المؤسسة العسكرية بل وفي المؤسسة الأمنية".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً